الجماعات المتطرفة

 

10 مايو, 2017

فَلْنَعِش في سبيل الله!

Image

تُعدّ باكستان واحدة من أكثر الدول تضررًا بسبب الإرهاب، فقد احتلّت المركز الرابع في قائمة الدول الأكثر تضررًا من الإرهاب وزبانيته، حسَب إحدى الدراسات التي نُشرت نهاية عام 2016؛ ولعل موقعها وطبيعتها الجغرافية من العوامل التي ساهمت في أن تكون أرضها أرضًا خصبة لتواجد ونمو مثل تلك الجماعات الإجرامية، التي لا يكاد يمر يوم إلا ودماء الأبرياء تتناثر هنا وهناك. فلم يَسلَم من شرورهم مسلم سني ولا شيعي ولا صوفي، ولم يَسلَم من أذاهم مسيحي ولا هندوسي. فلا فرق عندهم بين الطفل والكهل، ولا بين المرأة والشاب، ولا بين المدنيين ولا العسكريين، لقد استحلّوا دماء الجميع، فالكل سواسية عندهم في أنّ قتلَهم فرضُ عين، طالما لم يُعلنوا الولاء لأفكارهم المنحرفة، ولم يعتنقوا نهجهم العاطب الذي لا يمتّ للإسلام بصِلة. 

Image

ولقد كان القائمون على التَّعداد السكاني في باكستان آخرَ وأحدث ضحايا أعداء الإنسانية، حيث تقوم باكستان حاليًّا بإجراء أول تَعداد سكاني لها منذ عام 1998، وقد لاحظنا أن المسئولين عن هذه العملية تعرضوا للعديد من الاستهدافات، وكان من أبرزها: اختطاف ثلاثة معلمين باكستانيين أثناء عودتهم إلى منازلهم، بعد تلقيهم للتدريبات الخاصة بكيفية إعداد وإجراء التَّعداد السكاني، وفي الخامس من أبريل الماضي قُتل 6 أشخاص، بينهم 4 من ضباط الجيش، وأصيب ما لا يقل عن 22 شخصًا، في التفجير الانتحاري الذي وقع بمدينة "لاهور"، عاصمة إقليم "البنجاب" الباكستاني، واستهدف السيارة الخاصة بفريق العمل الخاص بإحصاء التَّعداد السكاني، بالقرب من منطقة "مانوالا تشوك". 

Image

صورة من موقع الحادث


وفي نهاية أبريل، قُتل ما لا يقل عن 10 أشخاص، بينهم 4 أطفال وخمس نساء، وأصيب 8، بينهم عضوان من أعضاء فريق التَّعداد السكاني؛ جرّاء انفجار قنبلة في إحدى الحافلات بمنطقة "كُرم إيجنسي"، الواقعة بإقليم القبائل الباكستاني.
بدوره أعلن مكتب الإحصاء الباكستاني، أن عملية إحصاء التَّعداد السكاني ستستمر وَفقًا للجدول الزمني الذي وُضع لها، حيث تم تقسيمها لمرحلتين؛ المرحلة الأولى من 15 مارس حتى 15 أبريل، والمرحلة الثانية من 25 أبريل حتى 25 مايو، ولن تتأثر بكل تلك الحوادث التي تهدِف إلى ترويع الموظفين والمدنيين.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن؛ ما الهدف من استهداف هذه الشريحة من الباكستانيين؟ وبأي ذنبٍ يُقتلون؟!  فإذا كان هؤلاء المتطرفون يَستهدفون – حسَب اعتقادهم – العسكريين؛ لأنهم جنود فرعون، والصوفيين؛ لأنهم يتبركون بالأضرحة، والشيعة؛ لأنهم روافض، والمسيحيين والسيخ وغيرهم؛ لأنهم كفار، فما السبب وراء قتل موظفين لا ذنب لهم سوى أنهم يؤدّون مهام عملهم ليس إلّا؟! تكمن الإجابة في فهم طبيعة الفكر المنحرف لتلك الجماعات التي نَصّبت نفسَها المتحدثَ باسم الله، وخليفتَه على الأرض، فيُدخلون هذا الجنة وذاك النار، فهذا الفكر الضال يعتبر أن هؤلاء الموظفين يعملون لحساب الحكومات الكافرة التي توالي أعداء الله وتحارب أنصاره من المؤمنين، إضافةً إلى أنهم بسعيهم للقيام بمهام وظيفتهم التي تهدِف إلى إحصاء عدد السكان، سوف يتسبّبون في مجموعة من الإجراءات والتدابير الحكومية، التي قد يكون من بينها تحديد النسل، وبالطبع هذا يُخالف النص النبوي الذي يحث فيه خير خلق الله أمّتَه على التكاثر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "تناكحوا تناسلوا تَكثُروا، فإني مُباهٍ بكم الأُممَ يوم القيامة"، ولقد سوّل الشيطانُ لهؤلاء الذين يتحدثون باسم الله أن يقتلوا كل من يفكر في منع شرع الله -في زعمهم- وكيف لا يفعلون ذلك وقد فعلوها سابقًا؛ عندما قاموا بعملهم الإجرامي، الذي استهدفوا فيه فريق التطعيم ضد مرض شلل الأطفال بباكستان، بدعوى أن المصل الذي يحقنون به الأطفال يُسبّب العقم!!! والسؤال الأهم: متى أمرَنا الإسلامُ بقتل الأبرياء؟ وهل مَن قام بتنظيم النسل يستحق القتل؟
إن مثل تلك الأعمال الإجرامية التي يدّعي أعداء الإنسانية أنهم يُطبّقون من خلالها شرعَ الله، لا تمتّ لدين الإسلام الحنيف بصِلة؛ بل هي أفعال يجد المتأمّلُ لها أنها تسعى إلى هدفين رئيسين؛ الأول: خَلْق حالة من العداء تُجاه الإسلام وتُجاه المسلمين، وهي الثمرة المرّة التي بدأ مسلمو العالم في حصدها في الغرب على وجه التحديد؛ بعد أن تنامت ظاهرة "الإسلاموفوبيا" عالميًّا، أمّا الهدف الثاني: فهو تفكيك وتفتيت الدول الإسلامية؛ لصالح مُخطَّطٍ عالمي يهدِف إلى زعزعة استقرار تلك المناطق التي تمتاز بثرواتها، وبالتالي: يَسهُل اختراقُها والسيطرة عليها.
والعجيب في الأمر؛ قصور فهم هولاء الضالين المضلِّلين، فلا شك في أن {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ } [الكهف: 46]؛ كما جاء في القرآن الكريم، ومن المؤكَّد أن رسولنا الحبيب قد حثّنا على الإنجاب والتكاثر الذي تصحبه تربية أولادنا وَفقًا للقِيَم الإسلامية، التي تجعل من تلك الكثرة قوةً فاعلة في نماء وخير الإنسانية، أمّا الكثرة التي كغُثاء السيل فلا قيمة لها في ميزان الشرع الحنيف. وهل القتل وإرهاب الأبرياء قيمةٌ علّمها لنا الإسلام؟! ألم يَرِد في القرآن الكريم نصٌّ صريح بأنّ {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، فهل من المعقول أن يستهين المسلم بهذا الأمر الإلهي الصريح، ويتعدّى على إنسان لا ذنب له سوى أنه اشترك في مشروع قومي مسئول عن التَّعداد السكاني، "قد" ينتج عنه اتخاذ الحكومة اجراءاتٍ تُقيّد الأسرةَ بإنجاب عدد مُحدّد من الأطفال؟! وهل تطعيم الأطفال بهدف القضاء على مرض شلل الأطفال أَولى، أم قتل القائمين على ذلك؛ لاحتمال أنّ المصل "قد" يتسبب في العُقم؟! فكرٌ منحرف باطل، ومن أعجب العجب أن هناك من يقتنع بمثل هذه الآراء، وهذا إن دلّ، فإنما يَدُلّ على الفراغ البالغ في عقول هولاء المتطرفين، التي سرعانَ ما تمتلئ بالأفكار المنحرفة، التي تتحول إلى الكارثة؛ عندما يصل الأمر للاعتداء على الآخرين باسم الله ونصرةً للإسلام -حسب زعمهم- .. الإسلام الذي يهدِف إلى إقرار الأمن ونَشْر السلام، لا للقتل أو الترويع. والرسالة التي سنظل نؤكّد عليها: أن المسلم الحقيقي هو من يكون عنصرًا فاعلًا في حل مشكلات الناس، ولا يكون هو المشكلةَ نفسَها، فالمسلم الحق هو الذي يكون سفيرًا لدينه أينما ذهب، والسفير لا يَقتل ولا يعتدي، وإنما يدعو الناس بالحسنى؛ كما قال الله عز وجل: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]، ولم يَقُل: "وقولوا للمسلمين حسنًا".. فعمارة الأرض بالخير والإنسانية -كما أمرَنا الله- سعيٌ في سبيل الله، لا يَقِلُّ منزلةً عن الشهادة "الحقيقية" في سبيل الله.. فَلْنَعِشْ في سبيل الله.