لا خيرَ في هذه ولا تلك، فكلتاهما جماعتان دمويتان تسببتا في إراقة دماء كثيرٍ من أبناء القارة الإفريقية وتهديد أمنهم وتبديد أحلام القارة في الاستقرار والأمن والتنمية، جماعة "بوكو حرام" و"حركة الشباب الصومالية"؛ جماعتان أضحتا تمثلان خطرًا كبيرًا على مستقبل القارة الإفريقية من خلال إجرامٍ ممنهج وعنفٍ لا مبرر له سوى أنه تنفيذٌ لمخططاتٍ هدفُها جَعْلُ الدولِ الإفريقية غارقةً في المشكلات، كلما تتغلب على واحدةٍ تظهر لها أخرى فتعترض طريقها نحو الاستقرار والتنمية. واستمرارًا لمتابعاته لأنشطة الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرّفة وفي سبيل التعرّف على كل مستجدّات الأوضاع على الساحة الإفريقية تحديدًا، يتابع "مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف" ما آلت إليه الأوضاع في الدول التي تعاني من الإرهاب سواء في شرق القارة: كينيا، والصومال؛ حيث تنشط "حركة الشباب الصومالية" التي تولّدت من رحم "تنظيم القاعدة" وأخذت في النموّ والتطوّر حتى صارت التهديدَ الأكبر على أمن شرق إفريقيا بأكمله رغم ما تعرّضت له من انقسامات، أو في غرب القارة: "نيجيريا، والكاميرون، وتشاد، والنيجر، وغيرها؛ حيث جماعة "بوكو حرام" الموالية لتنظيم "داعش" الإرهابي، وخلال هذه المتابعة راقبت عدسة "المرصد" أنشطة هاتين الجماعتين بالرصد والتحليل والتفنيد والرد على ما يثيره هؤلاء من شبهاتٍ ومفاهيمَ مغلوطةٍ يعتمدون عليها لتسويغ إرهابهم ويستخدمونها لإقناع الشباب بفكرهم والعمل على إغوائهم تحت مزاعمَ وادعاءاتٍ باطلة. وقد شهدتْ الأعوام الثلاثة الأخيرة حالةً من الاستنفار لأنشطة هذه الجماعات، مما خلّف آلاف الضحايا بين قتيلٍ وجريحٍ ومُشرّدٍ ومُهدّدٍ، وصارت القارة في معاناة مما تسبب فيه أولئك المتطرّفون، عِلاوةً على ما أنتجه هذا الإرهاب من تراجعٍ في مسيرة التنمية وتوقّفٍ لعجلة الاقتصاد، فالإرهاب يأتي وبالًا على كافة مناحي الحياة.
ورغم أن جماعة "بوكو حرام" تصدّرت الجماعاتِ الإرهابيةَ الأكثر دمويّةً في العالَم في عام 2015 حسَب تقديراتِ منظمات مراقبة الإرهاب وتقاريرَ أُمَميّةٍ، إلا أنها سرعان ما تراجعت في عام 2016 بسبب الجهود المضنية التي بذلتها الحكومة النيجيرية مدعومة من قوات تحالف غرب إفريقيا لمكافحة هذه الجماعة، تاركةً المشهد لتتصدره "حركة الشباب الصومالية" التي على عكس جماعة "بوكو حرام"؛ حيث شهد عام 2016 ظهورًا قويًّا لـ "حركة الشباب" جعلها تتصدّر واجهة الأحداث من خلال نشاطٍ مكثّف خلّف مئات بل آلاف الضحايا في كينيا والصومال على السواء، وكأن القارة الإفريقية قد وقعت بين شِقّي الرَّحى وطوّقها الإرهابُ شرقًا وغربًا، وقد أفادت عدة تقارير أن "حركة الشباب الصومالية" تفوّقت بكثير على جماعة "بوكو حرام" خلال عام 2016، فكأنهما تتنافسان لتخريب القارة وتعميق جراحها وتهديد أمنها، بدلًا من تعميرها وحفظ أمنها ودعم استقرارها. وقد جاءت تلك التقارير والتقديرات، ومنها تقريرٌ صادر عن "مشروع مواقع الصراعات والأحداث المسلحة"، جمَعها "المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية"، التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، موافقةً لما أشار إليه "مرصد الأزهر" في تقاريره حول نشاط "حركة الشباب"، وكيف أنها صارت تمثّل التهديدَ الأكبر لإفريقيا، لاسيما في ظل حالة التراجع التي تشهدها جماعة "بوكو حرام".
ويرى "المرصد" أن تَصدُّرَ "حركة الشباب" المشهدَ في إفريقيا وربما في العالم إذا ما نظرنا لأعداد العمليات التي نفّذتها هذه الحركة وما أسفرت عنه من ضحايا، أمرٌ مثير للقلق، ويتطلّب تكثيفًا للمكافحة على الصعيدين الميداني والفكري، فعلى الرغم من جهود الحكومة الصومالية وقوات الاتحاد الإفريقي إلا أن الحركة لا تزال تستغل بعض الثُّغرات الأمنية، وخاصة في المناطق الحدودية لتنفيذ عملياتها ونقْل مقاتليها بين كينيا والصومال، وكذا السيطرة على عددٍ من المناطق والمدن في الصومال، مما يتطلّب تكاتُفًا من المجتمع الدولي مع الحكومة الصومالية والحكومة الكينية لتقديم الدعم اللازم للتغلب على إجرام هذه الحركة، وأيضًا مضاعفة جهود توعية الشباب بحقيقة هذه الجماعات والأفكار الخبيثة التي تُروِّجُ لها، لحمايتهم من هذا الفكر وحماية مجتمعاتهم من أن يتحولوا قنابلَ موقوتةً تُفجِّرها هذه الحركةُ وقتما تشاء.
وحدة رصد اللغات الإفريقية
يونيو 2017م