شابٌّ مسلم يُدعى "ساجد"، يعيش في انجلترا، لم يكن له اهتمامٌ قَطُّ بما يدور في سوريا، ولا يعرف شيئًا عن الراديكالية أو الإرهاب والتطرف، وفجأة اختفى أخوه الوحيد، فبحث عنه كثيرًا، وسأل عنه الأصدقاء والأقارب، ولم يستطع الوصول إليه، وبعد شهر، أرسل إليه أخوه رسالة قال له فيها: "لقد انضممتُ إلى "تنظيم الدولة" في سوريا، مثل كثير من الشباب الانجليزي".
ومن هنا، بدأت حكاية "ساجد" مع تنظيم "داعش"؛ إذ بدأ يقرأ عن التنظيم وما يقوم به من أعمال، ويشاهد ما يبثه من دعاية مرئية ومكتوبة، ثم قام بفتح حساب مزيف على "تويتر" اختار له اسمًا سمعه في أحد البرامج العربية، وأخذ يتابع ويراقب كل الحسابات التي تحمل اسم سوريا أو اسم "داعش"، ثم نشر على هذا الحساب المزيف سلسلة منشورات تحمل محتوًى متعاطفًا مع التنظيم؛ فانهال عليه المحبون والمتعاطفون يسألونه ويتعرفون على التنظيم، ووصل عدد متابعيه إلى 5000 آلاف شخص.
وبعد محادثاتٍ طويلة، تعرّف على ستة أشخاص من مقاتلي "داعش"، وبدأت بينهم مراسلاتٌ مستمرة. يقول ساجد: "بدأتُ أتابع فيديوهاتِ "داعش"، ودعايتَهم، وتبريراتِهم، وبدأت القسوة تدب في قلبي، خاصة بعد أن قرأت عن الجرائم التي ارتكبها الشيعة، وهو ما جعلني لا أتأثر بمشهد إعدام جندي عراقي، بل على العكس لاقى قَبولًا لديّ".
وهنا كانت نقطةُ تحوّلٍ في حياة "ساجد"؛ إذ بدأ يشعر بالتعاطف مع تنظيم "داعش" الإرهابي، ولاحظ أنه بدأ يتحول إلى شخصٍ إرهابي مثل أخيه، لكنه عاد ووقف مع نفسه سريعًا، حيث يقول "ساجد": "وقفتُ مع نفسي، وحاسبتُها، ونزعت كل ما فيها من تعاطفٍ مع هذا التنظيم غير الإنساني، وكانت النتيجة أنه الآنَ لا يوجد في قلبي أيُّ تعاطُفٍ مع هذا التنظيم، وتوقفت عن مشاهدة الفيديوهات التي يبثها".
واسترجع "ساجد" هدفه الأول، وهو إعاقة الشباب عن السير في الطريق الذي سار فيه أخوه، ومع وجود شخصين يحاربان في سوريا يقومان بتوصيل الأخبار اليومية لـ "ساجد" باستمرار؛ بواسطة تطبيق رسائل فورية يُسمّى "kik"، واعتبار مؤيدي "داعش" "ساجدًا" مصدرًا للأخبار عن هذا التنظيم، وكيفية السفر إليه، شعر "ساجد" بأنه أصبح يُنظر إليه كواحدٍ من التنظيم، وهنا بدأ يعمل على منع الآخرين من أن يسيروا على نهج أخيه، الذي انضم إلى "داعش".
وبالفعل، استطاع أن يمنع الكثير من الشباب والفتيات من جنسياتٍ مختلفة من الذهاب إلى سوريا، عن طريق النصح والإقناع وتوضيح قيمة الحياة، وحق الإنسان فيها، وبيان أنّ ما يقوم به هذا التنظيم لا يمت للإنسانية بصِلةٍ، لكنه أيضًا سئم من كونه عميلًا مزيفًا للتنظيم، وخصوصًا بعد أن قام "تويتر" بإغلاق حسابه؛ باعتباره مواليًا لـ "داعش".
كما أصابه الحزن عندما علم أن الشباب الستة الذين كانوا يراسلونه دفعوا فاتورة حروب تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث مات ثلاثةٌ منهم في سوريا والعراق، وقُبض على واحد منهم في الولايات المتحدة، وقُبض على آخرَ في انجلترا، وتم تقديمهما للمحاكمة بتهمة الإرهاب، وظلّ شخصٌ واحد فقط يحارب مع "داعش".
أما أخو "ساجد" فلا يزال في سوريا يحارب مع التنظيم، ولقد حاول "ساجد" إقناعه كثيرًا بتَرْك التنظيم والعودة إلى بلده، مع رفضٍ شديد من جانب أخيه، ممّا جعل "ساجدًا" يكفّ عن محاولة إقناعه، حتى لا يفقده كليةً.
ونستطيع أن نستنتج من هذه القصة؛ أن الإنسان الصغير في السن، أو محدودَ الثقافة ـخاصّةً الدينيةَـ يتأثر بما تبثه التنظيمات الإرهابية من دعايةٍ، وخصوصًا الإصدارات المرئية عالية التقنية، وتجعله يتعاطف أو -على الأقل- يُعجب بهذه التنظيمات الدموية، وقد يتطور الإعجاب إلى ما هو أكثر من ذلك، و"الذئاب المنفردة" وما تقوم به من إجرامٍ خيرُ دليلٍ.
وانطلاقًا من ذلك؛ تتوجّه دومًا جميعُ المنظمات والمؤسسات التي تعمل في مجال مكافحة الإرهاب، وعلى رأسها "مرصد الأزهر"، إلى الدول والحكومات، وتحثّها على التكاتف والتعاون في مجابهة التنظيمات الإرهابية، وأن تجد من الآليات ما يجعلها تمنع وصول هذه الإصدارات إلى شبابها، دون أن تحدّ من حريتهم في مشاهدة ما يشاءون، كما يجب على الحكومات أيضًا الثقة تمامًا في أن الحلول الأمنية لا يمكن أن تكون الحلَّ الوحيد في مواجهة هذا الوباء المسمى: "الإرهاب"، كما أن على العائلات في البيوت دورًا كبيرًا ومهمًّا للغاية، في توعية أبنائها ومراقبة ما يشاهدون.
وحدة رصد اللغة التركية