الجماعات المتطرفة

 

20 أغسطس, 2017

متابعة "مرصد الأزهر" حول تداعيات حادث "برشلونة" الإرهابي

أعلن تنظيم "داعش" الإرهابي عبر وكالته الإخبارية "أعماق" مسئوليته عن حادث الدهس الذي وقع في منطقة "لا رامبالا" في قلب مدينة "برشلونة" الإسبانية، والذي أسفر عن مقتل 14 شخصًا وإصابة قرابة مائة شخصٍ من بينهم أكثر من 15 في حالةٍ حرجة. وعقب الساعات الأولى وبعد وقوع الحادث بقليل، شَرَعت قوات الأمن في تطويق المنطقة وأغلقت الفنادق والمحال التجارية وتعقبت منفذي الهجوم وألقت القبض على اثنين مشتبهٍ بهما في الحادث، أحدهما إسباني يقطن في "مليلية" والآخر مغربي الجنسية، بينما لا يزال سائق سيارة الدهس هاربًا.

Image


بعد ذلك بساعات، أعلنت الشرطة القطلونية عن حملةٍ أمنية في منطقة "كامبريلس" في  "تارّاجونا"؛ لمواجهة هجومٍ إرهابيٍّ آخَرَ، والذي أسفر عن إصابة ستة مدنيين وشرطيٍّ ومقتل خمسة إرهابيين على أيدي رجال الشرطة. وأوضح مستشار الداخلية في إقليم قطلونية "خواكيم فورن"، أن المتفجرات التي كانت بحوزة الإرهابيين في منطقة "كامبريلس" كانت زائفة، مضيفًا أن قوات الشرطة قد تمكنت من القبض على شخصين آخَرَيْنِ على فتراتٍ متباعدة من المشتبَه في تورطهم بالحادث. وقامت الشرطة بتخصيص أرقامٍ تليفونية لاستقبال اتصالات أهالي الضحايا وكذلك البلاغات من المواطنين كما تمّ تخصيص بريدٍ إليكتروني للغرض ذاته.

Image


الجدير بالذكر؛ أنه منذ رفع حالة التأهب الأمني في إسبانيا في يونيو 2015، قد تمّ القبض على ما يقارب مائتي متطرف. كما أفادت مصادرُ أمنيّةٌ أن الإرهابيين الخمسة الذين لقُوا مصرعهم على أيدي الشرطة في منطقة "كامبريلس" كانوا يخططون لتنفيذ حادثِ دهسٍ آخَرَ كالذي وقع في قلب "برشلونة" ولكن تمّ إحباطه، وأن هذه المجموعة كانت تُشَكِّل خليّةً في المدينة القطلونية. ووَفقًا لجهاز الحماية المدنية، فإن الحادث قد خلّف ضحايا لأكثرَ من 34 جنسيّةً مختلفة. 

Image


كان "ماريانو راخوي"، رئيس الحكومة الإسبانية، قد بعث برسالةِ تَضامُنٍ لإقليم قطلونية من الحكومة والدولة جاء فيها: "لقد عانينا من صدماتٍ سابقة كهذه ولكننا نعلم أن الإرهابيين تهزمهم الديمقراطية والحرية. واليوم، فإن مكافحة الإرهاب هي أولوية المجتمعات الحُرّة كمجتمعنا". كما ذكر أن المجتمع الإسباني متضامن مع بعضه في الآلام وفي التغلب على أولئك الذين يريدون انتزاع قِيَمه، وعزَم على سفره إلى "برشلونة" تضامنًا مع ضحايا الإقليم، وأعلن كذلك الحداد الرسميّ لمدة ثلاثة أيام بالبلاد، ودعا إلى ضرورة وضْع ميثاق لمكافحة الإرهاب.

Image


وعلى المستوى العالمي، أدان عددٌ من رؤساء الدول والسياسيين والحقوقيين هذا الحادثَ الإرهابيّ، وأعلنوا تضامنهم مع أسر الضحايا؛ من بينهم: دونالد ترامب رئيس أمريكا الحالي، وأوباما رئيس أمريكا السابق، وماكرون رئيس فرنسا، وآخَرون. في الوقت ذاته، عرضت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مساعداتِها على إسبانيا في تقديم العون والتحقيقات في هذا الحادث. هذا وقد نشرت الشرطة الإسبانية صورةَ المتهم بحادث الدهس، وهو من أصلٍ مغربي ويقيم في إسبانيا بطريقةٍ شرعية ويُدعى "موسى أوكابير"  Moussa Oukabirوقالت: إنه استأجر الشاحنة التي استخدمها في هذا الحادث. كما أعلنت الشرطة القطلونية عن العثور على السيارة الثانية على بعد 70 كم من مدينة "برشلونة".  

Image


ومن خلال هذا الحادث، يتضح لنا أن تنظيم "داعش" قد انتهج الطريقة نفسها وهي سلاح الدهس في تنفيذ الهجوم، كما حدث في "نيس" في فرنسا، مرورًا بما حدث بعد ذلك في ألمانيا وحتى برشلونة. لا شك أن استخدام "داعش" لهذا السلاح، يأتي كون أن هذا الأسلوب لا يحتاج إلى تقنيات أو تكنولوجيا عالية، وكذلك أنه منخفض التكلفة ولا يحتاج إلى مجموعاتٍ كبيرة، وأنه في الوقت نفسه يستنزف مزيدًا من الجهد مِن قِبَل قوات الأمن وهو سلاحٌ غيرُ متوقَّع.
كانت هناك بعض ردود الأفعال السلبية من بعض المواطنين الإسبان تُجاهَ المهاجرين والمسلمين هناك عقب الحادث، تحديدًا في منطقة "مونت بلانك" في "تارراجونا"، وذلك من خلال كتابةِ عباراتٍ تهديديّةٍ مسيئةٍ على أبواب مسجد هذه المنطقة مثل: "ستموتون أيها المسلمون الفَجَرَة"؛ وهو الأمر الذي يعاني منه أغلب المسلمين في الغرب من خلال توجيه أصابع الاتهام دائمًا عقب كل هجومٍ إرهابيّ بأنهم إرهابيون وقَتَلَة. ومن المتوقع أن تكون هناك موجةٌ جديدة من "الإسلاموفوبيا"، تتجسّد في اعتداءاتٍ على المساجد أو المراكز الثقافية الإسلامية أو حتى من خلال الاعتداء على المسلمين أنفسهم، ويُهيب "مرصد الأزهر" بضرورة الفصل بين الإرهاب والإسلام، بل بين الإرهاب وأيِّ دينٍ أو مُعتقَد. 

Image


هذا؛ وقد أعلن رئيس قوات الشرطة القطلونية " جوزيب لويس تابيرو"، في مؤتمرٍ صحفيّ: أن خمسة الأشخاص الذين لقُوا حتفهم في منطقة "كامبريلس" في "تارّاجونا"، قد سقط أربعةٌ منهم على أيدي شرطيٍّ واحدٍ بما يعكس الكفاءة العالية في التدريب؛ لأن ذلك ليس أمرًا هيّنًا، في الوقت ذاته، أفاد أنه من الواضح أن هذه الخلية كانت تخطط لتنفيذ عدّةِ هجماتٍ متفرقة في الإقليم. 

Image


واستمرارًا لتداعيات الحادث الإرهابي، أعلنت الجمعيات والمؤسسات الإسلامية المختلفة عن إدانتها هذا الحادثَ الإرهابيّ الوحشيّ وسخطهم الشديد لوقوعه، وأعلنوا عن تضامنهم الشديد مع أسر الضحايا والمصابين متمنّين الشفاءَ العاجل للمصابين، وقد عبّروا عن غضبهم حيال وقوع مثل هذه الهجمات الإرهابية غير المُسَوَّغة، مؤكّدين أن مثل هذه الأحداث لن تنال من وَحدة المجتمع الإسباني وتماسكه بمختلِف دياناته وأطيافه، ولن تؤثّر على حالة التعايش القائمة بين أبنائه. كما توجّهوا بالشكر إلى مؤسسات الدولة المختلفة ولأجهزة الأمن في إقليم قطلونية على عملهم السريع والدءوب منذ البداية. كما وجّهوا رسالةً إلى مسلمي إسبانيا بضرورة توحيد الصف وتماسُك الجميع في وجه التطرف والإرهاب، وألّا يُمَكِّنوا هؤلاء المتطرفين من التفريق بين أبناء الشعب الواحد. كما أكّدوا تعاوُنَهم مع كافة أجهزة الدولة لصَدّ الإرهاب ودحْره على المستويات كافّةً، وأن الإسلام يدعو إلى حبّ الآخَر والتعايش معه وأن هذه رسالة الإسلام الحقيقية للجميع، لا ما يفعله هؤلاء المتطرفون.

Image


كان "مرصد الأزهر" قد رصَد رسالةً من تنظيم "داعش" بعثَها إلى مواطني إسبانيا وكلِّ مُتَحدّثي الإسبانية على مستوى العالم، في مارس 2016، على لسان المَدعوّ "أبي البراء بن مالك"، يُحذّرهم فيها من استمرار دولهم في دعم قوى التحالف الدولي التي تلاحق التنظيم وتقضي على عناصره، وجاء في الرسالة كذلك: أن قيام هؤلاء المواطنين بدفع الضرائب وتصويتهم لحكوماتهم في الانتخابات هو بمنزلةِ مُبارَكَةٍ منهم لما يحدث لعناصر التنظيم وأطفاله ونسائه وشيوخه؛ من قتلٍ وتدميرٍ من قوى التحالف -على حد تعبيره- وبذلك يَستَحِلّ التنظيم دماءَهم. كما ذَكَرت الرسالة: أن التنظيم سيقتل أيَّ إسبانيٍّ "كافر"، سواء في البلدان التي يوجد فيها التنظيم أو من خلال عناصره المزروعة في إسبانيا، وطالبهم بأن يضغطوا على حكوماتهم من خلال الجمعيات والمؤسسات والمنظمات المختلفة لإيقاف هذه الحرب المُدَمِّرة.        

 

Image


وقد حذّر "مرصد الأزهر" قبل ذلك في مناسباتٍ عدّةٍ من وقوع هجماتٍ وشيكةٍ في إسبانيا، رغم حالة التأهب الأمنيّ الذي تفرضه البلاد، والتي يُضرب بها المَثَل في مكافحة المتطرفين، إلّا أن التقنية الجديدة للتنظيم في الاعتماد الكليّ على "الذئاب المنفردة" كأدواتٍ له حاليًّا، لا سيّما بعد سقوطه في "الموصل" العراقية وتَعرُّضه لخسائرَ فادحةٍ في صفوفه ماديًّا ومعنويًّا، قد ساعدته في تحويل تهديداته المتوالية إلى واقعٍ فعليّ. وفي النهاية، يؤكّد "المرصد" أن الإرهاب لا يراعي دينًا ولا ثقافةً ولا جِنسًا ولا وَلاءً، وليس لمعتنقي هذا الفكرِ هدفٌ سوى مصالحَ ومآربَ خبيثةٍ، وإنْ كان التنظيم قد تلاعب بعقول بعض الشباب ولَبَس عليهم دينَهم فإن ذلك لن يستمر طويلًا وسيتضح الحق لهؤلاء ولغيرهم، فالإسلامُ والمعتقدات الأخرى تنبذ العنف وتمحقه وتُحَرّم النفس البشرية وتعتبرها أسمى وأقدس ما في الكون، وأن انتهاكها يُعدّ انتهاكًا للبشرية وللفطرة الإنسانية السليمة كلِّها وتعدّيًا على كل الأعراف والتشريعات السماوية والدنيوية. ويُعبّر "المرصد" عن تضامنه مع حكومةِ وشعبِ إسبانيا وكل الشعوب المُحبّة للسلام، ويأمُل أن تنطويَ هذه الجراحُ سريعًا؛ لمواصلة المساعي الجادّة في مكافحة التطرف والإرهاب بكل أشكاله على المستويين المحليّ والعالميّ.   


وحدة الرصد باللغة الإسبانية