بعد الاعتداءات الإرهابية الأخيرة في برشلونة، تَعالتْ بعض الأصوات متهمة الدين الإسلامي بالإرهاب، كما هو المعتاد بعد كل عمل إرهابي في أي مكان في العالم، ولا شك أن هناك بعض الأصوات المعتدلة التي تنادي بعدم تعميم اتهام المسلمين والدين الإسلامي، وعدم إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام بسبب ما ارتكبه المتطرفون المنتسبون للإسلام من أفعال هي أبعد ما تكون عن روح الإسلام السمحة.
وعن الربط بين الإسلام والإرهاب، نجد أن الهجمات الإرهابية التي وقعت في برشلونة مؤخرًا لم تترك وراءها 14 قتيلاً وأكثر من مائة جريح فحسب، لكنها خلّفت أيضًا موجة من العنف ضد المسلمين في إسبانيا، فضلاً عن خطاب الكراهية الذي انتشر عبر المنتديات وصفحات التواصل الاجتماعي. وهذا هو المعتاد للأسف بعد كل حادثة إرهابية، حيث تنتشر ردود الأفعال التي لا تُسهم إلا في تعزيز الكراهية وتقسيم المجتمع.
وتزامنًا مع ردود الأفعال على تلك الأحداث قام المسلمون في مختلف المدن الإسبانية بإعلان تنديدهم ورفضهم القاطع للأعمال الإرهابية مُعلنين أن ما حدث "لا يُمثلهم" و "ليس باسمهم" وأن "الإسلام دين سلام"، مؤكدين أن الإسلام بريء من هذه الجرائم التي تُرتكب باسمه وتنسب إليه.
إن مجهودات المسلمين في تأكيد رفضهم للعنف وإدانتهم للأعمال الإرهابية غالبًا لا تحظى باهتمام كبير، بل رُبما يتعمد كثيرون إغفال حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن المسلمين هم الضحايا الأكثر تضررًا من وباء الإرهاب؛ فطبقاً لما توّفر من معلومات خلال النصف الأول من عام 2017 فإن العمليات الإرهابية التي حدثت في مختلف دول العالم بلغت 820 هجومًا سقط جرّاءها 8300 قتيلاً، وقع من بين هذه الاعتداءات 10 فقط في الدول الغربية تسببت في سقوط 50 قتيلاً، بما يعني أن الهجمات الإرهابية في الدول الغربية تُمثل أقل من 1% من مجموع الهجمات على المستوى العالمي، وأغلب تلك العمليات تقع في دول إسلامية من بينها أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا والصومال واليمن والضحايا الأكثر تضررًا هم مسلمون.
لذا ليس من المنطقي أن يُتهم المسملون بالتورط في الإرهاب في حين أنهم أكثر من يعاني ويلاته. وكم تُمثل نسبة المتطرفين من مجموع المسلمين الذين يتعدى عددهم المليار ونصف المليار؟!
من ناحية أخرى يجب التفريق بين هذين المصطلحين "الإسلام" و"الإرهاب" فالإسلام هو دين سماوي يعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار شخص على مستوى العالم، يشمل تعاليمًا سمحة، ويدعو إلى الخير والسلام للإنسانية كافة، قال الله عن نبيه في القرآن الكريم: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالين"، وهذا الفكر هو الذي يعتنقه عموم المسلمين حول العالم. أما "الإرهاب" أو "التطرف" فهو يعني تنفيذ أفكار معينة وأيديولوجية خاصة باستخدام العنف الذي يصل إلى الترويع والقتل، وهذا ما لم يأت به الإسلام أو أية ديانة سماوية، وعدم التفريق بين هذين المصطلحين هو منشأ الخلط في النظرة للمسلمين باعتبارهم خطرًا تواجهه المجتمعات الأوروبية بل يواجهه غير المسلمين.
وإذا أراد المتشككون والذين يقذفون بالتهم أن يعرفوا هل الإرهاب وليد الإسلام أم لا، فليراجعوا تعاليم الإسلام وليس أفعال بعض المسلمين.
إن الإسلاموفوبيا التي تُغذيها بعض ردود الأفعال تجاه المسلمين تؤدي إلى عزلة المسلمين وتهميشهم داخل المجتمع الواحد مما يؤدي إلى سهولة وقوع البعض في التطرف، وهذا بالطبع يُحقق أهداف التنظيمات الإرهابية.
والناظر إلى جملة الأحداث في العالم، يدرك أن الإرهاب التصق بالإسلام ولم يلتصق بدين أو تيار آخر. هناك أطراف واتجاهات بعينها تريد أن يظل هذا الأمر هكذا، وبالنسبة لهم فإن البترول وتجارة السلاح والمصالح الاقتصادية أهم من أعداد القتلى والمصابين.
ومرصد الأزهر يُنبه من جديد إلى خطر الجماعات المتطرفة وخطر من يُمولها ويتعامل معها بشكل مباشر أو غير مباشر، فهلّا صدقت النوايا في تجفيف منابع الإرهاب وتكاتف الجميع للقضاء عليه.
إن القضاء على تنظيم داعش لا يعني القضاء على الفكر المتطرف ولا إنهاء المشكلة من جذورها، بل لا بُد من تعديل معالجة الأفكار المتطرفة في حد ذاتها؛ لأنها كفيلة بأن تتولد منها جماعات أخرى أمثال داعش بل أسوأ إن لم يتم تدارك الأمر.
وللحديث بقية.
وحدة الرصد باللغة الإسبانية