لطالما كانت السخرية من الخصوم سلاحًا فعالًا في المعارك الإعلامية على مدار تاريخ البشرية، يشهد على ذلك الشعر العربي القديم الذي حفل بالعديد من صور السخرية التي تَحُطّ من قيمة الخصم وتجعله مثارًا للتندر. واستمر هذا التقليد حتى عصرنا الحاضر، حيث باتت البرامج الساخرة السياسية تحظى بمعدلاتِ مشاهدةٍ مرتفعةٍ للغاية في مقابل برامج الأخبار التقليدية.
ولم تكن الحرب على الإرهاب استثناءً من هذا؛ فمنذ وقتٍ طويل وَضعت الإدارة الأمريكية صور مطلوبي تنظيم "القاعدة" على أوراق اللعب. وكان هؤلاء مادة للسخرية في برامج التلفزة الأمريكية لفتراتٍ طويلة.
أما تنظيم "الدولة"، وليد تنظيم "القاعدة"، الذي انقلب عليه وافترسه فيما بعد فقد حظي أيضًا بنصيبه من السخرية. فعلى الساحة الألمانية تناوله موقع Postilion الساخر عدة مرات، كان من بينها أنْ نَسَبَ الموقع إلي التنظيم بيانًا يتبنى فيه إطلاق أغنية لمغنيةٍ شابة راقت للمراهقين إلا أنها حظيت باستهجان العديد من الفئات العمرية الأكبر سنًّا، خاصّةً مع انتشارها الواسع، فنَسَبَ الموقع إلى التنظيم بيانًا على سبيل السخرية يعلن أنه تبنى إطلاق هذه الأغنية ليؤذيَ بها آذان الكفار، وذلك في تناقضٍ واضح مع توجهات التنظيم التي ترى في الأغاني والموسيقى أمرًا مُحرَّمًا.
وفي بداية تأسيس "مرصد الأزهر"، كانت الوحدة الألمانية قد رَصدت أيضًا موقعًا ساخرًا سَمّى نفسَه باسم "الدولة"، ونَشَر العديد من القصص والخُطَب المنسوبة للتنظيم على سبيل السخرية، يَنتقد فيها موقف التنظيم من احتقار المرأة وسلْبها حقوقَها، وانغماس أعضاء التنظيم في الجنس، وغسْل عقول الأطفال، وقَلْبهم على ذويهم، ونمط الحياة الرجعيّ الذي يفرضه التنظيم في المناطق الخاضعة له، إلّا أنّ هذا الموقع قد أُغلق لاحقًا؛ وذلك لنقْص التمويل في الأغلب.
وعقب انتهاء معركة "الموصل"، سَخِرت العديد من المواقع العربية من تنظيم "داعش"، وانتشر خبرٌ ساخرٌ مُفادُه: أنّ أعضاء التنظيم يرفضون أداء الصلاة بعد هزيمتهم في معركة "الموصل"؛ وذلك لشعورهم بأن الله لم ينصرهم، وقد حظي أحد أناشيد التنظيم المعروف باسم "صَليل الصوارم" بنصيبه من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعيّ أيضًا.
لم يَقِفْ تنظيم "الدولة" مكتوفَ الأيدي إزاء هذه الحملات؛ فقد رَصدت "وحدة اللغة الألمانية" هذا الشهرَ صفحةً على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، يُديرها أعضاء التنظيم تحت مُسَمّى"5elafa Sarcasm Society" أو "مجتمع الخلافة الساخر". يدير هذه الصفحةَ مصريون على الأغلب؛ وذلك بسبب اللهجة والأسلوب المُستخدَم في المنشورات. وقد صرّح أحد مديري الصفحة بأنه يبلغ من العمر 25 عامًا ويعيش ويعمل في مصرَ، دونَ أن يَلتحق بالتجنيد. أُغلقت هذه الصفحةُ مؤخرًا غالبًا بسبب الإبلاغات عنها لموقع الـ "فيسبوك"، ولكن هذه ليست أول مرة تُغلق فيها ويعاد فتحها، ويُتوقّع أن تعود من جديدٍ في ثوبٍ آخَرَ.
تتنوع منشورات الصفحة بين الصور المأخوذة من أفلامٍ، بعد كتابة بعض العبارات عليها تتناسب مع موقف المشهد المُقتطَع منه الصورة، والمعروفة في مصر باسم "كوميك"، وبين المقالات القصيرة والمُطوّلة التي تتناول قضايا: الجهاد، والقتال، والخلافة، والتكفير، والردة، والديمقراطية. ويَستندون في الغالب إلى فتاوى فرديّةٍ صَدرت من بعض العلماء في ظروفٍ مُحدَّدة، دون أن تَحظى بالقَبول من باقي علماء الأُمّة.
كما تَنشر الصفحة الإصداراتِ التي يُصدرها التنظيم بمختلِف أفرعه، سواءً في سوريا أو العراق، وتَحظى هذه الإصدارات بمتابعاتٍ كبيرة، كما تنشر من آنٍ لآخَرَ بعض القنوات على موقع التواصل "تليجرام"، والذي تنشر عليه هذه الإصدارات أيضًا.
تُدافِع الصفحة عن موقف التظيم الذي يرى ردة الجيوش العربية والإسلامية؛ بدعوى أنها طائفةٌ ممتنعةٌ عن تطبيق شرع الله، وتدعو الشبابَ إلى عدم الالتحاق بهذه الجيوش، مهدّدةً إياهم بالقتل على يد أعضاء التنظيم حال التحاقهم بها، ولا تتردد الصفحة في وَسْم بعضِ المتابعين بالردة عند مخالفتهم في آرائهم هذه. كما تُسَوِّغ هذه الصفحةُ لـ "داعش" كلَّ ما يقوم به من جرائمَ نكراءَ؛ من قَبيل: الذبح، والحرق، وهدم دور العبادة لغير المسلمين، وسبْي نسائهم، بالإضافة إلى هذا؛ تَنشر الصفحة بصفةٍ دوريّةٍ منشورًا يَهتمّ بالرد على ما يُسمّونه "الشبهاتِ" المثارةَ حول تنظيم "الدولة"، وعادةً ما يكون هناك الكثيرُ من المتابعين لهذه المنشورات بالذات، وتَكثُر فيها التعليقات والردود من مسئولي الصفحة وبعض المنتمين للتنظيم.
يَتنوّع متابعو هذه الصفحة إلى عدّةِ فئاتٍ، منها:
1- أشخاصٌ يَبدو أنهم يعيشون بالفعل داخل أراضي التنظيم ومن المنتمين له، ويظهر هذا من القصص التي يذكرها بعضهم عن القتال.
2- الأشخاص المناصرون للتنظيم من داخل البلدان العربية والإسلامية، والذين يَنشرون دعايةً للتنظيم على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ويَعُدّون ما يفعلون جهادًا في سبيل الله، وغالبًا ما يكون هؤلاء من المراهقين الصغار في السن، الذين يَستهويهم ما ينشره "داعش" من إصداراتٍ مُصوّرة، ويُتابعونها ويَتناقلونها فيما بينهم.
3- متابعون عاديّون للصفحة، أغلبهم يعارض ما يقوم به "داعش"، ويَدخلون في نقاشاتٍ مع الآخَرين.
وتَكمُن خطورةُ مثلِ هذه الصفحات في تطبيع ما تفعله التنظيمات الإرهابية المجرمة؛ كتنظيم "داعش"، وقَبوله لدى جمهورٍ عريضٍ من المسلمين؛ بوصفه واقعًا طَبَعيًّا. كما أن السخرية تُساهم في وصول هذه المحتويات المتطرفة إلى العديد من الأشخاص، الذين لن يَقرءوا الكتبَ أو يُشاهدوا الإصداراتِ المُصوّرةَ الخاصّةَ بالتنظيم، ولا يَخفى على أحدٍ أنّ كل هذا من الأهداف الرئيسة للتنظيم؛ للوصول إلى أكبرِ قَدْرٍ من الشباب المسلم وإقناعهم بأفكاره المتطرفة؛ لذا وَجَبَ علينا التنويه لخطر مثل هذه الصفحات التي تَتّخذُ من السخرية والكوميديا ستارًا؛ لتوصيل الأفكار المتطرفة وإقناع الشباب بها.
وحدة الرصد باللغة الألمانية