الجماعات المتطرفة

 

06 سبتمبر, 2017

دور الفن الهادف في محاربة التطرف

صدق فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، حين قال في الحلقة الثلاثين من برنامج "الإمام الطيب" والذي كان يُذاع على قناة "أبو ظبي" الفضائية: "الفن رسالة، وإن لم يكن له رسالة، فهو فن هابط ومدمر، لذلك لابد أن تكون للفن رسالة"، فهذا تعريف موجز للفن، وللحكم عليه من حيث الجودة والرداءة، فإذا كان هادفًا فهو فن جيد، وإن كان بلا رسالة فهو فن هابط. وما أحوجنا هذه الأيام ونحن في عصر الفضائيات والأقمار الصناعية إلى فن هادف يسمو بالإنسان، ويهذب وجدانه، ويوعي الشباب الذين هم عماد هذه الأمة وأملها ومستقبلها المشرق، ويغرس الوطنية والانتماء في قلوبهم، ويحثهم على إعمال عقولهم في كل شيء، وعدم الخضوع والاستسلام لأي شخص أو أي جماعة أو فئة ضالة تحرضهم على ترك أوطانهم، وتكفير مجتمعاتهم، وتفسيق علماؤهم، ويحثهم على عدم التشدد والتطرف في التعامل مع أسرهم وأصدقائهم أو الإساءة إلى أي منهم. فمقاومة التطرف والإرهاب ليست أمنية وعسكرية فقط كما يعتقد البعض، بل يجب أيضًا بالتوازي مجابهة الأفكار الظلامية الهدامة عن طريق الفكر والتنوير، لذلك فإن الفن الهادف بجميع أنواعه قادر على أن يكون سلاحًا فكريًا قويًا يستطيع مواجهة التطرف عن طريق تعميق ثقافة السلام والحوار داخل المجتمعات، وتأصيل وتقوية الانتماء والحس الإنساني وحب الأوطان لدى الأفراد، وكبح جماح العنف والإرهاب والتوحش، والسمو بالروح الإنسانية وإعادتها إلى صفائها ونقائها وفطرتها التي جبلها الله عليها، لنتمكن في النهاية من خلق مواطن سوي ومتوازن فكريًا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل وبين الضار والنافع وبين الجيد والرديء.  
ومما يؤسف له أنه في الوقت الذي يقوم فيه بعض الفنانين بأعمال هابطة لا تهدف سوى تحقيق الربح، فإن الجماعات الإرهابية والمتطرفة قد فطنت إلى أهمية الفن ودوره وخصوصًا الفنون المرئية وقدرتها على التأثير والجذب، فقامت هذه الجماعات ببث العديد من الأفلام التسجيلية والأناشيد الغنائية، مستخدمة في ذلك أعلى التقنيات والتكنولوجيا الحديثة والإخراج العالي المستوى الذي يجعل من يشاهدها على الأقل يُعجب بها ويتابعها إصدارًا وراء إصدار، بل بلغ قبح هذه الجماعات وخبثها أنها تعترف بالجرائم التي ترتكبها في تسجيلات مرئية تسوق فيها الأسباب والذرائع التي دفعتها إلى ارتكاب هذه الجرائم بصورة فنية وإخراج مؤثر يصورهم وكأنهم ضحايا ومظلمون؛ الأمر الذي يجعل البعض -وخصوصًا من حُرموا الثقافة الدينية- يتعاطف معهم ويلتمس العذر لهم، ثم رويدًا رويدا يتحول هذا التعاطف إلى كارثة كبرى ولا حول ولا قوة إلا بالله. و"الذئاب المنفردة" خير دليل على ذلك، فهم أشخاص لا تربطهم بالتنظيمات الإرهابية أي علاقة تنظيمية من قريب أو بعيد، ومع ذلك يقومون بتنفيذ أعمال إجرامية بالرغم من بساطتها وسهولة تنفيذها إلا أنها تثير الرعب في المجتمعات، والسبب الرئيسي في تحول هؤلاء الأفراد إلى ذئاب منفردة هو تشبعهم بالإصدارات المرئية لهذه الجماعات الإرهابية الخبيثة التي تقلب الحق باطلا والباطل حقا. 
ولقد رصدنا العديد من حالات الشباب الذين تأثروا بما تبثه الجماعات الإرهابية من إصدارات فنية ومرئية، فمنهم من وقف مع نفسه وعاد إلى رشده مرة أخرى، ومنهم من أعرض عنها مخافة أن يزداد تعلقه بها، ومنهم للأسف الشديد من انضم إلى التنظيمات الإرهابية بسبب هذه الإصدارات الفنية، بل العجيب أن أخوين إنجليزيين شاهدا الإصدارات المرئية لتنظيم داعش الإرهابي، وتأثر كلاهما بها تأثرًا شديدًا، وانضم أحدهما إلى التنظيم في سوريا، ووقف الآخر مع نفسه واستطاع كبح جماحها وأعرض عن مشاهدتها.
فإذا كانت هذه التنظيمات تستطيع أن تستغل الفن هذا الاستغلال وهي على باطل، فما بالك لو استغل فنانونا الفن استغلالًا جيدًا في توعية المجتمعات ومحاربة الأفكار المتطرفة وهم على حق؟ وخصوصًا في عصرنا الحالي الذي قلت فيه القراءة، وكثرت فيه المشاهدة، فكما أن الخبر المرأي أكثر تأثيرًا من الخبر المكتوب ويستهدف قاعدة أكبر، فإن العمل الفني المرئي أكثر تأثيرًا من المقال أو الخطاب أو حتى الكتاب، ويستطيع الوصول إلى عدد كبير من الناس لا يستطيع الكتاب الوصول إليه، لذلك يجب على الفنانين أن يلعبوا دورًا أكبر في محاربة التطرف.  

  وحدة رصد اللغة التركية