حين نرى طفلًا لا يتجاوز عمره 12 عامًا، يحاول أن يُفَجِّرَ نفسَه في إحدى الأسواق البلجيكية، وطفلةً ذات ثلاث سنوات تعبر الحدود إلى جحيم "داعش" مع أبيها، الذي أخذها دون علم أمها، ندرك وقتها حجم هذه الطامة الكبرى، التي ألمَّت بأطفالٍ لا ذنب لهم سوى أنهم -وللأسف- أبناءٌ لآباءٍ حَمْقى.
ونُشيرُ هنا إلى أن الحكومة البلجيكية تُقدِّرُعددَ الأطفال البلجيكيين، الذين تقل أعمارهم عن 12 عامًا،ويقيمون حاليًّا في سوريا بمائةِ طفلٍ على الأقل، سواء وُلدوا هناك أو رحلوا من بلجيكا في السنوات الأخيرة مع أحد البالغين، وأنَّ 14 طفلًا قد عادوا ومن بينهم "أحدَ عشرَ دون سنّ 6 سنوات".
هذا، وقد نشَر موقع "bfmtv" أن هناك 10 قاصرين خضعوا للتحقيقات في بلجيكا؛ بسبب تورطهم في أنشطةٍ قتالية، وتخطيطِهم لهجماتٍ إرهابية خلال عيد الميلاد في بلجيكا، ونقَل الموقع عن مكتب المُدّعي العامّ البلجيكي؛ أن الشباب القاصرين تمّ تجنيدُهم مِن قِبَل منظماتٍ إرهابية، على درجاتٍ متفاوتة، لممارسة الأنشطة المختلفة لتنظيم "داعش"؛ وذلك لشَنِّ هجماتٍ إرهابية على الأراضي البلجيكية.
وأشار مكتب المُدّعي العامّ إلى أن الفتيان تلقَّوْا أوامرَ عَبْرَ شبكات التواصل الاجتماعي، وتم تزويدهم بمعلومات عن كيفية القتل وإعداد قنابل يدوية، كما ذكر الموقع أن طفلًا لا يتجاوز عمره 12 عامًا حاول أن يُفجّر نفسه في سوق عيد الميلاد.
وأوضح السيد "فان دير سيبت"، من الشرطة البلجيكية، أن القاصرين المعنيين في بلجيكا، متورطون من قريبٍ أو بعيد بأنشطةٍ ترتبط بتنظيم داعش؛ فهم يعملون كوسطاءَ أو يساعدون أُناسًا للذهاب إلى القتال في صفوف "داعش" في سوريا والعراق، أو حتى يَبدون كمتعاطفين مع المقاتلين.
لكن يرى جان جامبون، وزير الداخلية البلجيكي، أن "أدلجة" هؤلاء الأطفال في هذا العمر كان أمرًا ضعيفًا نسبيًّا، كما أن تهديدهم لأمن بلجيكا هو أمرٌ أيضًا مستبعَدٌ بعضَ الشئ، لكن على كلِّ حالٍ، ما تعرضوا له من صدماتٍ عنيفة يستدعي ضرورةَ متابعتهم نفسيًّا واجتماعيًّا.
وأضاف "جامبون": إن معالجة هذه المشكلة يُعَدّ غايةً في التعقيد؛ ففيما يخصّ الأطفالَ العائدين من "داعش"، تُعَدُّ عمليةُ إعادةِ تأهيلهم أمرًا ليس باليسير، مقارنةً بحجم الصدمات التي تلقَّوْها على الأراضي السورية.
ومن ناحيةٍ أخرى، هناك عقباتٌ تعوق إنقاذ الأطفال الآخرين الموجودين بالأراضي السورية، فرغم وجود فريقٍ بلجيكي في تركيا لمعاونة العائدين إلى بلجيكا، فإنه لا يمكنه مساعدة هؤلاء الأطفال، إلا بعد أن يستطيعوا عبور الحدود السورية.
كيف التصرف إذًا؟ هل سيكون مُجديًا أن ترسل بلجيكا إلى سوريا فريقًا أمنيًّا للعمل على تحديد هُوِيَّة الأطفال البلجيكيين؟ لكن كيف سيكون هذا مُجديًا في ظل وفاةِ آباءِ هؤلاء الأطفال؟ الأمر الذي سيجعل إثبات الهُوِيَّة البلجيكية أمرًا في غاية الصعوبة.
ووَفْقًا لمصادرَ ذكرتها صحيفةُ ""Mediahuisالبلجيكية؛ فإنه منذ عام 2012 قد وُلد العديدُ من أطفال المقاتلين البلجيكيين في سوريا، وليس لديهم شهادات ميلاد، ولم يستطع آباؤهم تسجيلَهم في الدولة البلجيكية.
على كلِّ حالٍ، تقعُ معالجة المشكلة في دائرة مسئولية عددٍ من الأطراف الدولية، فيرى بهار كيميونجور، الباحث البلجيكي الذي يعمل مع مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن جزءًا من حَلّ هذه المشكلة في يد الرئيس التركي "أردوغان"، لا سيّما مع سيطرته على الجانب الحدودي القريب من مواقع "داعش".
الجدير بالذكر؛ أن بلجيكا هي إحدى الدول الأوروبية الأكثر إصابةً بهذه الظاهرة إلى جانب فرنسا، التي تُقَدِّرُ أعداد مواطنيها القُصَّر الذين رحلوا إلى الأراضي السورية والعراقية بأربعمائةٍ وخمسين قاصرًا.
تقريرٌ صادر من وحدة الرصد باللغة الفرنسية