الإرهاب تحت ستار الدين
ارتبطت صور الإرهاب والعنف في عالمنا المعاصر، بجماعات منتسبة للإسلام –وما هي من الإسلام في شيء– وقد تم الترويج لتلك الجماعات لأغراض خبيثة، آتت ثمارها كراهيةً للدين الحنيف وأتباعه، ورفضًا لتعاليمه بدعوى مسئوليتها عن موجة العنف والإرهاب التي تجتاح العالم.
وفي الوقت الذي تنتشر فيه أنباء جرائم "داعش"، و"الشباب"، و"القاعدة"، و"بوكو حرام" وغيرها في العالم الواقعي والافتراضي، انتشار النار في الهشيم، ترتع جماعات وتنظيمات أخرى لا تقل خطورةً عن "داعش" و"القاعدة"، بل قد تزيد، متخذةً الدين ستارًا لها.
ورغم أن أنباء تلك الجماعات قد لا تكافئ أنباء "داعش" في رواجها والاهتمام بها، فإن خطرها وإرهابها لا يقل عما يقوم به "داعش" من جرائم وحشية ووقائع مروّعة، تخلّف وراءها قتلى ومصابين أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم أرادوا العيش في سلام في أوطانهم، وأن أقدارهم جعلتهم في طريق هؤلاء المجرمين، الذين يرفضون سنّة كونية وإرادة إلهية؛ إنها سنّة الاختلاف.
وقد اعتادت أغلب وسائل الإعلام على قصر الحديث في ميدان الإرهاب والتطرّف، على الجماعات والتنظيمات المنتسبة للإسلام، بينما توضّح الحقيقة أنّ الإرهاب قد يصدر من أتباع أي ديانة، فكلّ ديانات العالم لها أتباع متطرفون، يُنصِّبون أنفسهم حماة للعقيدة وممثلين رسميين لإرادة الله في الأرض.
ولا يعود ذلك إلى عيب في الدين نفسه، بل إلى خلل في طريقة فَهم بعض المتحمسين لهذا الدين أو المؤمنين به. ففي الدين اليهودي هناك جماعات متطرفة ترى أن من حقها الدفاع عن "أرض الميعاد" بشتى الوسائل، وفي الدين الإسلامي توجد العديد من الجماعات المتطرفة التي تبيح لنفسها القتل بحجة نصرة الله ورفع راية الإسلام، والإسلام منهم بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وفي الدين المسيحي أيضًا توجد جماعات متطرّفة على الرغم من رسالة السلام الواضحة التي جاء بها السيد المسيح.
وبالرغم من وجود العديد من المنظمات الإرهابية التي تمارس العنف، و تنتمي إلى أديان أخرى غير الإسلام، فإنه قلّما يتم تسليط الضوء عليها، في حين يتم التركيز بشكل مكثف على الأعمال الإرهابية التي يرتكبها المسلمون، لتبلغ ذروتها في الفكرة القائلة بأن "المسلمون هم مصدر الإرهاب"، ولا يشفع عدم رواج هذه الفكرة في كثير من الأوساط لكذبها وابتعادها عن الدقة، وعدم واقعيتها، مما يجعلنا نقرّ مطمئنين بأن التطرّف والإرهاب ليسا حكرًا على الإسلام وحده، بل إنّ: "الإرهاب ليس له دين".
"جيش الرب" و"داعش" .. إرهابهم واحد ودياناتهم شتى:
إن المتتبع لأفكار وممارسات التنظيمين يجد تشابهًا كبيرًا بينهما، رغم اختلاف الديانة لكل منهما، فما يستندان إليه في تفسير أعمالهما الوحشية، يتكئ أساسًا على المرجعية التفسيرية للنص الديني، فالغلو في أدبيات هذه التنظيمات الدينية واحد لا يختلف من دين إلى آخر، إذ أنها تستمد شرعية حكمها ووجودها من خلال اسم الرب الذي يمنحها شرعية إقصاء المخالفين لها – حسب زعمها-.
ويشترك تنظيم "داعش" مع "جيش الرب"، في كونهما يسعيان إلى فرض سيطرتهما لا على رقعة جغرافية ضيّقة والوصول إلى سُدّة الحكم في بلد معين، بقدر ما يسعيان لفرض سيطرتهما بطريقة لا تخضع للدول أو القارات، فهما يحاولان الوصول إلى سلطة تطال كامل المجتمع البشري.
ومن خلال إلقاء الضوء قليلًا على تنظيم "جيش الرب" يمكننا التعرّف على مدى عنصريته وتصرفاته الإرهابية، وكما أن تنظيم "داعش" تعود جذوره إلى تنظيم "القاعدة" والفكر المتطرّف، تعود جذور "جيش الرب" إلى "أليس لاكوينا"، وهي امرأة اعتقدت في ثمانينيات القرن الماضي أن الروح المقدسة تتحدث إليها وتأمرها بأن تطيح بالحكومة الأوغندية حتى ترفع الظلم والجَور عن الشعب الأشولي.
"جيش الربّ" .. الإرهاب تحت شعار الصّليب
"جيش الربّ" أحد أكثر الميليشيات دمويّةً في القارة الإفريقية، وهي حركة تمرّد مسيحية تأسست في شمال أوغندا، وقد تأسّس "جيش الرب" كحركة معارضة أوغندية من قبائل الأشولي في الثمانينيات وبالتحديد عام 1986، على يد "جوزيف كوني"، وهو العام نفسه الذي تولّى فيه الرئيس "يوري موسيفيني" السلطة.
واستندت هذه الحركة على دعاوى بإهمال وتهميش الحكومات المتعاقبة في أوغندا، للمناطق الواقعة شمال البلاد. وبدأت نشاطها منذ عام 1988 في شمال أوغندا، إلا أن مقاتليها أخذوا بالانتشار في أطراف شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وفي إفريقيا الوسطى وفي جنوب السودان منذ عام 2005، ويسعى "جيش الرب" إلى هدف رئيس، وهو الإطاحة بنظام الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، فضلًا عن إقامة حكم ديني يتأسس على الكتاب المقدس؛ العهد الجديد والوصايا العشر.
ويُعرف عناصر "جيش الرب" بضفائر شعرهم الطويلة، وبسكاكينهم المعروفة باسم «بانغا»، كما يُعرفون في القرى التي يهاجمونها باسم «تونغ تونغ» أي: اقطع اقطع، وأما عن مصادر تمويل هذه الحركة، فقد ارتبطت بأعمال الصيد غير المشروع والتجارة.
فقد كشفت تقارير صحفية، عن أن "جيش الربّ" يستخدم عناصره في صيد الأفيال، للاستفادة من أنيابها ببيعها لشراء أسلحة وذخائر، فبأي ذنب قُتلت هذه الحيوانات، التي دفعت ضريبة أهواء ومصالح أناس لا يحكمهم عقل ولا يدينون بدين.
وتُعَدّ عمليات السّلب والنّهب لأموال المسلمين، من أهم مصادر تمويل "جيش الرّب" المسيحي؛ إذ يعمد عناصر الحركة إلى الاستيلاء على ما يقع تحت أيديهم من أموال المسلمين، ويقومون بغاراتهم المستمرة المسلحة، على المزروعات وقطعان الماشية ومخازن الحبوب والثمار المملوكة للمسلمين.
ويتركز نشاط "جيش الرب" في أجزاء من أوغندا وجنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية منذ أواخر الثمانينيات، وبحسب بيانات الأمم المتحدة؛ فقد تسببت هجمات "جيش الرب" في مقتل ما يزيد على 100 ألف شخص، واختطاف 60 ألف طفل، كما تسببت في نزوح أكثر من مليوني شخص قسرًا من ديارهم إلى مخيمات اللجوء.
و كانت صحيفة "الباييس" الإسبانية، قد أعدت تقريرًا عن "جيش الرب" المتمرد في أوغندا، وصفتْ فيه قائدَه "جوزيف كوني"، بأنه شخص متعطش للدماء، ولا تزال أعماله الوحشية حيّة في ذاكرة أبناء وسكان جنوب السودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى والكونغو.
وأشارت الصحيفة إلى أن خطره سيتزايد بعد إغلاق مقر "المئات" من ذوي القبعات الخضراء الأمريكية (القوات الخاصة)، التي جاءت المنطقة لتعقُّب "كوني" وأنصاره، وأكدت أن "جيش الرب" شنّ حرب عصابات، ضد الحكومة الأوغندية لمدة تربو على 30 عامًا.
بين "أطفال الرّب" و "أشبال الخلافة" جيلٌ يضيع وأحلامٌ تتبدّد
لا يختلف مصير الأطفال تحت حكم "داعش" كثيرًا عنه في المناطق التي تنشط فيها حركة "جيش الرّب" الأوغندي، حيث يمارس كِلا التنظيمين جرائم بحق الأطفال مما لا يقبله عقل ولا يقرّه دين، ويجبرانهم على ارتكاب أعمال وحشية، فإذا كان "داعش" يُعِدّ جيلًا من المقاتلين تحت مسمى "أشبال الخلافة"، فإن "جيش الرّب" أطلق ما يسمى بـ "أطفال الرب" وهو تنظيم خاص بالأطفال على غرار "أشبال الخلافة".
ويُذكر أن "جيش الرب" استهدف بجرائمه الأطفال، واختطف منهم أكثر من 35 ألف طفل من أطفال المسلمين، بل إن هناك عدة تقارير دولية تُقَدِّر العدد بأكثرَ من 60 ألفًا، ووصل الحد إلى إجبار الأطفال المخطوفين على قتل آبائهم وأمهاتهم، أو اغتصاب أحد أفراد أسرهم، حتى تستحيل عودتهم إلى ديارهم، وهو لا يختلف عن "داعش" في ذلك.
كما شوّه المسلحون أجساد الكثيرين منهم؛ بقطع شفاههم، وآذانهم، وأنوفهم، وأطرافهم، وكانوا يقطعون رءوس عدد من ضحاياهم بالخطاطيف والفئوس، وتوضِّح تقارير حقوقية أن الأطفال في قبضة "جيش الرّبّ" يُجبَرون على خوض تدريبات عسكرية، تتضمن قتل عدد من البالغين أو أقرانهم الذين يحاولون الهرب، وإمعانًا في الوحشية تأخذ عملية القتل طابعًا احتفاليًّا، إذ يحيطون بالضحية على شكل دائرة، ويضربونها حتى الموت.
ومن هنا؛ يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن الإرهاب لا يخرج من أتباعٍ للإسلام وحده، بل من أتباع ديانات وقوميات أخرى يدّعي أصحابها أنهم يتبعون منهج السلام وما هم من ذلك في شيء، كما يؤكّد "المرصد" أنّ الإرهاب لا يمكن بحال من الأحوال أن يخرج عن عقيدة سليمة أو فطرة سويّة.
فما الإسلام ولا المسيحية بالمسئول عن إرهاب وإجرام قلة من أتباعهما، وما النصوص من قرآن وإنجيل بالمُلْهِم لهؤلاء الإرهابيين أو المَصدر لأفكارهم الشاذة، وإنما هو الهوى والخَواء الفكري الذي هامَ فيه هؤلاء، فراحوا يتخبطون حتى تلقفتهم أيادي العابثين بسلام العالم الرافضين استقرارَه، فجعلوا يُشكّلون من هؤلاء تنظيماتٍ، وجماعاتٍ، ومليشياتٍ تحارب الأمن وتعادي الاستقرار.
إنّ الأديان لا تدعو للعنف والإرهاب، بل للسلام والتعايش، وإنّ النصوص المقدّسة إرشادٌ إلهي للبشرية تتلمّس من خلال اتّباع هديِه طريقَ الحياة الآمنة والعيشة السويّة. فيا مَن اعتادت ألسنتهم وأقلامهم على إلصاق التهم بالأديان، واتهامها بالعنف والحضّ على الكراهية، والتشجيع على القتل والترويع، بأفعال بعض المنتسبين إليها!
كُفّوا ألسنتَكم وأقلامكم عن الأديان، واعلموا أن هذه الأديان إنما هي لإسعاد البشرية، وأنّ الإرهاب أمرٌ ممقوت في كل الأديان، مرفوضٌ في كافّة الشرائع، منبوذٌ من كلِّ ذي عقيدةٍ سليمة، وإيمانٍ راسخٍ بما أنزل الله –جَلّ وعَلا- من الهدى ودين الحق.
وحدة رصد اللغات الإفريقية
أكتوبر 2017م