تُتابِعُ وحدةُ اللغة الإسبانية، بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، مشروعَها لدراسة أحدث الإصدارات حول قضايا الإرهاب والجماعات المتطرفة حول العالم.
ويَهدِف مشروع "الوحدة" إلى تعريف القارئ الكريم بأهم الإصدارات والأفكار التي تصدر تباعًا حول قضايا الإرهاب وأعمال الجماعات المتطرفة، ولا شك أن هذا الطرح هو إحدى الاستراتيجيات التي يتبعها "مرصد الأزهر"، والذي يُعنى بالدخول في المُعترَك الفكري مع هذه الجماعات؛ لمجابهة ما تَبُثّه في عقول مَن يؤمنون بفكرها.
وتُركّز "الوحدة" في هذا العرض على ظاهرة الاختطاف عند الجماعات المتطرفة، وقد صدر في إسبانيا هذا العامَ 2017 كتابٌ تحت عنوان: "في الظلام: عشرة شهور من الاختطاف لدى تنظيم القاعدة في سوريا"، للكاتب الصحفي أنطونيو بامبلييجا رودريجيث، لدار نشْر "بينينسولا"، ويَحوي الكتاب 240 صفحة من القطْع المتوسط.
ويُعَدّ الكتابُ انعكاسًا حقيقيًّا لتجرِبةٍ عاشها مؤلف الكتاب مع صحفييْن آخَريْن هما: "خوسيه مانويل لوبيث" و"أنخيل ساسترى"، أوقعتْ بهم "جبهة النصرة"، والتي كانت تُمَثِّل ذراعَ تنظيمِ "القاعدة" في سوريا آنذاك، في منتصف عام ،2015 واستمرتْ مُدّةُ أَسْرِهم عشرةَ شهورٍ كاملة.
وتجدر الإشارة إلى أن الدولة الإسبانية قد احتفتْ بالصحفيينَ الثلاثة لدى عودتهم من سوريا في مايو عام 2016، حيث أرسل وزير الدفاع الإسباني طائرةً من طراز "فالكون 900"، انطلقتْ من قاعدة "تورّيخون دي أردوث" الإسبانية إلى العاصمة التركية "أنقرة"؛ لاستقبال الصحفيينَ الثلاثة وحمْلهم إلى "مدريد".
وعنوانُ الكتاب كأنه صرخةٌ تأتي من وسط الظلام الدامس ضد بربريّةِ تنظيمٍ إرهابيٍّ غاشم، وهو في الوقتِ نفسِه يُقَدِّم اعتذارًا للأُسَر التي تَفقد ذويها ممّن يقعون في الأَسْر، فيظلون فريسة للقلق والخوف على مصيرهم المجهول.
وفي ثنايا الكتاب، يروي الكاتب أنه قد عانى من الحبس الانفرادي ستة أشهر كاملة، تعرّض خلالها لمعاملةٍ سيئة وإهاناتٍ متواصلة؛ حتى إنه حاول الانتحار نظرًا لما لاقاه من وحشيّةٍ وفَظاظةٍ من سجّانيه.
ويَروي أيضًا؛ أنه مكَث واحدًا وعشرين يومًا دون أن يتبادل كلمةً واحدة مع حُرّاس سِجْنه، وهي حالةٌ تشير إلى الرفض والغضب الذي انتابَهُ خلال هذه الفترة، مؤكّدًا أن هذه الضغوط كانت محاولةً لدفعه إلى اعتناق الإسلام.
وذكر "بامبلييجا رودريجيث"، كيف يَفِرّ السوريون من التنظيمات المتطرفة، التي حوّلت حياتَهم إلى مأساة، تاركين وراء ظهورهم كلَّ شيءٍ ليَنْجوا بحياتهم، كأنما قد استدبروا الجحيمَ ذاتَه.
كما يَحكي الوضعَ المأساويّ في "حلب" أثناء وجوده بها، وكيف تُشَنّ الغاراتُ فجأةً على المدينة؛ ممّا يُسبِّب حالة من الهلع والخوف والتدافع بين الناس، وكيف أن النساء العجائز يتسوّلن الخبزَ لإطعام أبنائهن؛ نظرًا لسوء الأوضاع الاقتصادية.
وتظهر معاناة الكاتب في الأسْر من خلال حديثه عن والدته وأخته الصغيرة اللتيْن تعيشان بمفردهما، كما يحكي عن قسوة عناصر "جبهة النصرة" في التعامل معه وإذلاله، حيث تظهر وحشيّتهم من خلال محاولاتٍ للتأثير على الرهائن، وهنا يتضح بُعْدُ هؤلاء عن تعاليم الإسلام، فالأَسْر في الإسلام له ضوابط، وهو لا يكون في غير الاشتباكات الحربية، فليس من المقبول أسْر الصحفيين أو المدنيين عمومًا دون سببٍ، غير قيامِهم بواجبات مهنتهم.
ويبدو أن التنظيماتِ الإرهابيّةَ تتخوّف بشدةٍ من مهنة الصحافة ومَن يَمتهنونها؛ لأنها تَفضح فظائعَهم ومخالفاتِهم وجرائمَهم.
إن "مرصد الأزهر" يرفض استراتيجياتِ الاختطاف والأسْر التي تتبنّاها الجماعات المتطرفة، ولا شك أنها تخالف كل تعاليم الإسلام، كما يرفض الإسلام إجبارَ الأسرى على الدخول في الإسلام؛ انطلاقًا من قوله تعالى: "لا إكراه في الدين".
وفي هذا الصدد، يؤكد "المرصد" أن التنظيماتِ المتطرفةَ تحاول رسْمَ صورةٍ قبيحة للإسلام هو منها بَراء؛ وذلك من خلال ارتكابِها الجرائمَ التي نَهى الإسلامُ عنها، ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة أو التابعين قيامُهم بشيءٍ من هذا.
الكاتب في سطور:
أنطونيو بامبلييجا رودريجيث، هو كاتبٌ صحفيّ إسبانيّ، وُلد في "مدريد" عام 1982، وبدأ منذ 2008 في العمل كمُراسلٍ صحفيّ في مناطقِ نزاعٍ ساخنة حول العالم. وفي مايو عام 2015 حصل على جائزة "بوينا برينسا" الإسبانية، عن أفضلِ سلسلةِ تقاريرَ صحفيّةٍ، عندما كان يعمل في مدينة "حلب" السورية، مراسلًا لجريدة "إلموندو". كما حصَل على الجائزة الوطنية للصحافة عن تقريرٍ بعنوان: "أطفال حلب الضائعون". وقد ألّف العديدَ من الكتب، من بينها: "أفغانستان: الحياة بعيدًا عن المعركة" (2010) وكتاب "سوريا: الربيع الذابل" (2015).
وحدة الرصد باللغة الإسبانية