بدا واضحًا منذ البداية حرص تنظيم داعش الإرهابي على تنويع مصادر الدخل؛ بالشكل الذي يحول دون سقوط التنظيم حال انهيار أحد المصادر. وكان التنظيم يركز في البداية على امتلاك مصادر دخل حيوية بالنسبة للحكومات والشعوب على السواء، وسيطر التنظيم في البداية على مصادر النفط، وقام ببيعه إلى الحكومات والأفراد على السواء، كذلك الحال بالنسبة للقمح والغلال الحيوية بالنسبة للجماهير؛ فضلًا عن الاتجار في الآثار وتاريخ الشعوب، ومؤخرًا بعد تراجع التنظيم أمام الضربات الأمنية لجأ التنظيم إلى استحداث مصادر دخل بديلة تلبي احتياجاته المالية، ومن هذه المصادر إحياء سوق الرقيق مجددًا، تلك التجارة التي أَدَرَّتْ على التنظيم العام الماضي حوالي 30 مليون دولار، ثانيًا بدأ التنظيم يستهدف روافد الدخل الحكومي والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة الجماهير، على غرار عملية الهجوم الأخيرة على فرع البنك الأهلي بمدينة العريش.
انكمش تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا لا سيما بعد تحرير الرقة من قبضة التنظيم، وكان التنظيم يكثف وجوده في المناطق الغنية بالنفط؛ إذ كان التنظيم يعتمد بشكل أساسي على مصادر النفط لسد حاجته، بالإضافة إلى بيعه في صهاريج عبر السوق السوداء في المنطقة. ووفقًا لبعض التقديرات كان التنظيم يحصل على ما بين 10 و20 ألف برميل يوميًّا من حقول النفط في العراق، وعلى نحو 30 ألف برميل يوميًا من سوريا، وقد بلغت مرحلة دفعت "فاتح بيرول" كبير اقتصاديي وكالة الطاقة الدولية إلى التحذير من مغبة سيطرة التنظيم على المصادر النفطية وقال: "إن تنظيم داعش في العراق وسوريا أصبح تحديًا كبيرًا للاستثمارات اللازمة للحيلولة دون نقص معروض النفط في العقود المقبلة".
والحقيقة أن التنظيم كان مدركًا لأهمية تنويع مصادر الدخل؛ فعمل بالتوازي مع السيطرة على حقول النفط إلى تهريب القطع الأثرية التاريخية من سوريا والعراق بُغيةَ بيعها؛ لـ"رفع إيراداته المالية".
وسبق أن حذر منتدى منظمة الثقافة والفنون (اليونسكو) من إقدام تنظيم "داعش" على بيع قطع أثرية عراقية وسورية بواسطة مافيا تهريب دولية؛ لتمويل نفقاته، كما يعمد التنظيم إلى تدمير المتبقي من الآثار الدينية والتاريخية باعتبارها أوثانًا، وكان تقرير الحكومة البريطانية قد طالب بـ"تضافر الجهود الإقليمية والدولية؛ لمواجهة الدمار الكبير الذي يقوم به داعش ضد التراث في البلدين، عبر تدميره أو تهريبه وبيعه في الأسواق".
في السياق ذاته ذكرت تقارير تحليلية أن القمح أصبح يشكل موردًا ماليًّا أساسيًّا لتنظيم داعش، ووسيلة للسيطرة على السكان، وبات وضع اليد عليه محوريًّا في إستراتيجية التنظيم، لتثبيت نفوذه بعد أن استقر في المناطق الأساسية لإنتاج القمح في سوريا والعراق، حيث سيطر داعش على صوامع الحبوب في شمال العراق وشمال شرق سوريا، بحسب الباحث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية "سيباستيان ابيس" مؤلف "الجغرافية السياسية للقمح".
واستولى التنظيم على أكثر من مليون طن من القمح، أي "خُمس الاستهلاك السنوي في العراق" بحسب "جان شارل بريزار" الخبير في تمويل الإرهاب. وفي سوريا سيطر الجهاديون على 30 % من إنتاج القمح في منطقتي الرقة ودير الزور الخاضعتين لهما بحسب الخبير.
وأضاف أن ذلك أمَّنَ للتنظيم أرباحًا توازي حوالي 200 مليون دولار سنويًّا، رغم أن الكميات تبقى ضئيلة مقارنة بالتبادلات العالمية لهذا النوع من الحبوب الأكثر زراعة حول العالم.
ومؤخرًا بعد انحسار التنظيم في سوريا والعراق؛ بدأت خلايا التنظيم في استحداث مصادر دخل بديلة حيث تناول أحدث تقارير مؤسسة دراسات هنري جاكسون؛ بحسب ما نقلته صحيفة "The Independent" البريطانية وموقع " TalkRadio" أن عمليات الاختطاف التي قامت بها داعش عادت على التنظيم بأرباح تتراوح من 7.6 و22.8 مليون جنيه إسترليني العام الماضي.
وكشف الهجوم الأخير الذي استهدف عددًا من الارتكازات الأمنية المعنية بتأمين المنشآت الهامة بالعريش عن تطور نوعي في إستراتجية التنظيم، حيث أوضح بيان وزارة الداخلية سطو التنظيم الإرهابي على خزينة البنك الأهلي فرع العريش في أثناء انشغال القوات الأمنية بالتصدي للهجوم الإرهابي. واستخدمت العناصر الإرهابية في الهجوم العبوات الناسفة وإطلاق الأعيرة النارية تجاه القوات المعيَّنة لتأمين البنك، مما أسفر عن استشهاد 3 من رجال الشرطة، ووفاة أحد أفراد الأمن الإداري بالبنك ومواطنة تصادف تواجدها داخل البنك، وإصابة عدد من المواطنين المتواجدين بالمنطقة. وهذا الحادث على بشاعته يكشف نجاح الضربات الأمنية في تجفيف مصادر دخل التنظيم ما دفعه إلى استهداف أحد شراين الدخل الحكومية.
وحدة رصد اللغة الفارسية