لا شك أن كرة القدم، هي اللعبة الأولى والأكثر جماهيرية في العالم كله بامتياز؛ فهي القادرة على استقطاب جموع عريضة تُقدر بالملايين، بل بالمليارات في جميع أنحاء العالم، حتى صارت كرة القدم لغة مُوحَدة تجمع المفترقين وتوحد المختلفين عقيدةً أو فكرًا أو انتماءً، مهما انحدرت أصولهم أو تنوعت ألوانهم، أو اختلفت ألسنتهم.
ويُعد كأس العالم لكرة القدم، المحفل الرياضي الأكثر شهرة وصِيتًا، هو أهم مسابقة لرياضة كرة القدم تتجه إليها أنظار العالم، وتستحوذ على اهتمام الإعلام في كل دول العالم تقريبًا، ولذلك كان من البديهي طبقًا لإستراتيجية «داعش» في إدارة الشأن الإعلامى استغلال تلك الفرصة، للتأكيد على استمرار نفوذه وبقاء سلطانه وحثِّ ذئابه المنفردة لتنفيذ مخططاته وتهديداته وسط هذه الجموع الغفيرة، التي ستشارك في هذا المحفل الرياضي الأبرز في العالم، وبسبب دور روسيا المحوري في هزيمة التنظيم بسوريا، فإنه قد بادر إلى الإعلان عن تهديداته الإرهابية وهو الأمر الذي كان متوقعًا من قبل التنظيم، فالحرب الإعلامية التي يقودها التنظيم ضد روسيا قد أشعل رحاها بالفعل.
وطبقًا لعقيدة «داعش» فإن الإعلام يُعد سلاحًا جوهريًّا، قد يصنع ما لا تستطيع أن تصنعه الأسلحة القتالية على الأرض، ففي الوقت الذي يتم فيه محاصرة التنظيم وتضييق الخناق عليه، وطرده من معاقله الرئيسية في كل من العراق وسوريا وليبيا، فإن التنظيم قد لجأ إلى السلاح الإعلامي لتعويض هذه الخسارة.
ومن هنا كانت الرسالة التهديدية الأولى عبارة عن صورة حديثة منسوبة إلى «داعش»، يُعلن فيها التنظيم المتطرف عن تخطيطة لتنفيذ هجمات في روسيا في كأس العالم القادم، وإذا نظرنا إلى تلك الصورة التي بثها التنظيم وانتشرت على نطاق واسع وبسرعة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تلك الصورة التي يظهر فيها رجل ملَثَّم يحمل سلاحًا رشاشًا وإلى جانبه شعار «داعش»، وفي الخلفية يبدو ملعب "فولغوغراد"، أحد الملاعب التي سوف تستضيف الحدث الرياضي الأهم على مستوى العالم، ويظهر في الصورة بجوار شعار البطولة كلمة "انتظرونا" باللغتين العربية والروسية، ولا شك أن استخدام الكتابة باللغة الروسية وليس باللغة الإنجليزية له دلالتة الخاصة؛ حيث يهدف التنظيم من ذلك إلى بث الرعب والقلق، وإفساد فرحة الروسيين بتنظيم هذا الحدث العالمي، وتقويض الروح المعنوية للشعب الروسي انتقامًا من حكومته الحالية جرَّاءَ دورها في سوريا.
ومن الجدير بالذكر أن التنظيم له أتباع كُثر في روسيا ممن يعرفون اللغة الروسية، ومن هنا كانت الكتابة باللغة الروسية بجانب اللغة العربية،
فهل يريد التنظيم من ذلك إرسال شفرة لأتباعه من ذئابة المنفردة أو خلاياه العنقودية ممن عادوا إلى بلادهم من منطقة شمال القوقاز بعد مشاركتهم في صفوف داعش في كل من سوريا والعراق؟!
ومما يؤكد أن تهديدات «داعش» يجب تؤخذ محمل الجد، ما حدث في مدينة سان بطرسبرغ (ثاني أكبر مدن روسيا بعد العاصمة موسكو) في شهر أبريل الماضي من هجوم تبناه تنظيم «داعش» داخل قطار، أدى إلى مقتل 14 شخصًا وإصابة العشرات.
ولذلك كان متوقعًا أن تستغل «داعش» هذا الحدث العظيم وتستثمره إعلاميًّا على أفضل وجه، لكن الخطر لا يكمن في استثمار «داعش» لهذا الحدث، إنما يكمن في التهديد الحقيقي الذي يمثله هذا الاستثمار؛ فداعش حينما تهدد فإنها تبعث برسائل لعناصرها المنفردة، سواء كانوا من العائدين إلى القوقاز أو من الذئاب المنتشرة حول العالم؛ ولذلك ظهر التهديد الثاني من «داعش» للمونديال ولميسي تحديدًا، فقد بعث التنظيم برسالة تهديد له وللدولة الروسية، وظهر في الملصق رسالة كتب فيها: "الإرهاب العادل": " إنكم تقاتلون دولة لا تعرف الخسارة في ميزانها، " ، وظهر ميسي وهو يرتدي زي السجناء ومطبوع على صدر الزي اسم اللاعب وهو يبكي دمًا من أحد عينيه.
كما انتشر ملصق دعاية آخر لمقاتل مسلّح يطلّ على ملعب "لوزنيكي" في موسكو، حيث ستقام نهائيات كأس العالم، ومكتوب على هذا الملصق عبارة مفادها: يا أعداء الله في روسيا، أقسم أن نار المجاهدين سوف تحرقكم، فقط انتظروا".
ويؤكد المرصد على أن الإستراتيجية، التي يتبعها التنظيم في الوقت الحالي، هي نفس الإستراتيجية، التي استخدمها التنظيم في 2008 عام في العراق، واستطاعت أن تقلب الموازين وتسبب خسارة فادحة في صفوف القوات الأمريكية آنذاك؛ حيث اعتمد التنظيم على حرب العصابات والسيطرة غير المركزية، وبدأ يستخدم تكتيكات عسكرية مبتكرة، هي هجين من التكتيكات الإرهابية، وحرب العصابات، والحرب النظامية، وتهدف هذة الإستراتيجية إلى الحفاظ على العنصر البشري والقتال عن بعد، عن طريق زرع العبوات الناسفة واستخدام التفجيرات.
ولذلك فإن مجلة النبأ في أعدادها الأخيرة اهتمت بهذا التكنيك، وأشارت إلى أن هذه الطريقة المبتكرة هي التي حسمت المعركة لصالح التنظيم في العراق، بعد ما كاد يكون فناء التنظيم محققًا لا محالة، إن استمرت رحى الحرب بدون استخدام هذه العبوات الناسفة، وتراجعت بعدها القوات الأمريكية بعدما كبدها التنظيم خسائر فادحة في القوات والعتاد.
ولعل أسئلة عديدة تطرح نفسها بقوة في هذا السياق أيضًا، منها:
هل ستفاجئ «داعش» العالم بأسلحة جديدة أو بأساليب جديدة، على غرار الطعن أو الخنق، أو غيرها من الأساليب التي يبتكرها التنظيم في تنفيذ هجماته التي يهدد بها روسيا في كأس العالم؟
وهل من الممكن أن يستخدم إشعال الحرائق، أو الترويع في أوساط الجموع عبر إطلاق أحد أفراد ذئابه المنفردة استغاثات، فيحدث ما لا يُحمد عقباه؟
وهل في إمكان هذا التنظيم استخدام الغازات التي حصل عليها من مخازن الأسلحة في كل من سوريا والعراق؟
كل هذه السيناريوهات مطروحة بقوة، في ظل قدرة التنظيم على ابتكار أساليب هجومية إرهابية جديدة تتناسب مع الظروف والأحداث، وفي ظل تحويل «داعش» لعقل الإنسان الفذ إلى سلاح، حينما تحدد له الهدف وتترك له البراح في اختيار الوسيلة، يصبح الإنسان الأعزل نفسه هو اللغم والسلاح الذي يحمل في جوفه عقيدة القتل والانتقام، والثأر والتدمير لأبرياء لا ذنب لهم ولا جرم... ولا أظن أننا نبالغ إذا اعتبرنا أن تأمين هذا الحدث الرياضي الضخم ونجاحه، هو التحدي الأصعب والمهمة الجسيمة، التي ستواجه السلطات الروسية، في ظل هذه المتغيرات على أرض الواقع، وفي ظل هذا الخطر الجسيم الذي يمثله هذا الإرهاب الغاشم، ورغبته الأكيدة في الثأر والانتقام، تلك الرغبة التي لاحت بوادرها من خلال إطلاق هذه السلسلة من التهديدات.
فماذا ستصنع روسيا حيال هذه التهديدات؟ وهل ستتكاتف دول العالم للحيلولة دون حدوث تلك التهديدات الإرهابية؟
أم أن هذا التنظيم بات يخطط ويُنفذ، ويُعلن ويُطبق، وُيهدد ويفعل رغم سابق إنذاره وبيان تحذيره، وهي إستراتيجية ثابتة للتنظيم؛ لنشر الخوف وبث الرعب في قلوب أعدائه.
فهل سينجح التنظيم في تعكير صفو هذه البطولة وتحقيق تهديده بالثأر من روسيا، أم ستنجح السلطات الروسية بخبراتها المتراكمة في هذا النوع من القتال في تأمين هذا المحفل والعبور به إلى بر الأمان؟
يرى مرصد الأزهر أن السبيل الوحيد للانتصار والرد على هذه التهديدات، هو أخذها على محمل الجد والاستعداد لهذه المخاطر، مع التأكيد على أن هذه التهديدات لن تُثني عُشاق الكرة عن الاستمتاع والاهتمام بهذا الحدث الرياضي العالمي، وينادي المرصد بوضع هذه التهديدات في مكانها الطبيعي من غير تهوين ولا تهويل، ويؤكد المرصد أن «داعش» ستُقهر بنجاح هذا الحدث، ومن هنا يتسائل المرصد أنه إذا كان التنظيم يملك إرهاب المشجعيين، فلماذا عجز عن إرهاب الملايين في المدرجات حول العالم؟!!!
وحدة رصد اللغة العربية