أيامٌ مُكتظٌة بالأحداث المأسوية في عدد من البلدان، ففي جنوب فرنسا، بمرسيليا، طعَن رجلٌ امرأتين في محطة السكك الحديدية الرئيسية، وكان الضحايا الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و20 عامًا قد طُعِنوا وذُبِحوا على التوالي. وقد قُتِلَ المهاجمُ على يد الجنود. وأعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم.
وفي اليومِ السابق لهذا الحادث المأساوي طُعِنَ ضابط شرطة ، في مدينة إدمونتو الكندية، عاصمة ولاية ألبرتا، حيث خرج شخص من السيارة وهاجم هذا الشرطي بالسكين، ولاذ الرجل بالفرار، ومن ثَمَّ شرع رجال الشرطة بمطاردته، وبعد بضع ساعات، صدَم الرجلُ بسيارته مشاةً في موقعين مختلفين..
مزامنة مع هذه الأحداث، تأتي مساعٍ هنا وهناك من قِبَلِ عددٍ من الدول الغربية، وبالشراكة مع بعض الدول الإفريقية والعربية؛ بغيةً تعزيزِ سبل مكافحة الإرهاب الذي أشهر سيفه في وجه العالم كله.
وفي إطار المتاعبة الدائمة لمجريات الأحداث على الساحة الفرنكوفونية والعالمية، تُقَدِّم وحدة الرصد باللغة الفرنسية هذا التقرير، والذي نحاول فيه إلقاء الضوء على عددٍ من هذه المساعي، والتي نرجوا أن تكون يَدَ عونٍ، ودرعَ صدقٍ في وجه شياطين الإنس.
• بلجيكا تستضيف المجموعة الرباعية في ميشلين من أجل مكافحة الإرهاب
"مَعاوِلُ العالمِ وقبورُ الإرهابِ" بهذه الكلمات وصف مرصدُ الأزهرِ الاجتماعَ الذي تم تنظيمُهُ في مدينة ميشلين البلجيكية، والذي أعلن عنه المدعي الفدرالي العام. أشارَ المرصدُ إلى أنَّ هذا الاجتماع نَتجتْ عنه اتفاقية تعاون بين كلٍّ من: إسبانيا، وفرنسا، والمغرب، وبلجيكا، في إطار مكافحة الإرهاب. ويعقد هذا الاجتماع مرَّةً كلِّ عام، في كل بلد من البلدان الأربعة. وحضر هذه المجموعة الرباعية كلٌّ من فريدريك فان ليو المدعي العام البلجيكي، وفرنسوا مولان المدعي العام الفرنسي، ويسوع ألونسو المدعي العام من الجمعية الوطنية في إسبانيا، والمدعي العام بالرباط مولاي الحسن داكي. وافتتح هذه الاجتماع السيد كوين جينز وزير العدل البلجيكي، وبارت سومرز عمدة مدينة ميشلين.
جديرٌ بالذِّكْرِ أنَّ أول اجتماع لهذه المجموعة الرباعية كان قد عُقِدَ في 14 ديسمبر 2010م في باريس، واستمر هذا التعاون منذ ذلك الحين وإلى الآن، وعُقِدَ كذلك آخرُها في باريس أكتوبر 2016م. ولقد تقرر في واحدة من هذه الاجتماعات العمل على تنفيذ طلبات المساعدة القانونية المتبادلة بين الدول المشاركة في حالة وقوع هجوم، ومواصلة التعاون القضائي الدولي وتسهيله بين البلدان المعنية، والحفاظ على قنوات المعلومات والاتصالات في إطار التحقيقات الجارية وتعزيزها؛ امتثالًا للاتفاقيات الثنائية والقوانين الوطنية.
ويؤكد المدعي العام البلجيكي أنَّ هذه اللجنة الرباعية قد أثبتت فائدتها في التحقيقات القضائية، التي أعقبت الهجمات الإرهابية المختلفة التي وقعت منذ ذلك الحين في البلدان الأربعة المعنية. وهنا يقولُ المرصد: إنَّ اجتماع أربع دول لبحث القضية يعني أنَّ العالم يواجه وحشًا كاسرًا، ويجب التضافُر حتى يُحْفَرَ قبرُهُ ويوارى تحت ثرى النسيان.
أضف إلى ذلك مساعي
وزير الداخلية البلجيكي للمطالبة بتكثيف التعاون الدولي؛ للقضاء على الإرهاب. يُذكر أنَّ وزير الداخلية البلجيكي "جان جامبون" وَجَّهَ نداءً للجميع في مداخلته على هامش الدورة "86" للجمعية العامة لوكالة الشرطة الدولية "إنتربول"، قال فيه: إن تكثيف التعاون الدولي وعمليات تبادل المعلومات بين أجهزة الشرطة في العالم، من شأنه تطويق الإرهاب والجريمة المنظمة فيه.
واعتبر "جامبون" أن "إنتربول" تلعب دورًا محوريًّا في هذه المجالات، وقد عبر المسؤول البلجيكي أيضًا عن قناعة بلاده أن الطريق الوحيد لهزيمة الإرهاب هو تحسين مستوى تبادل المعلومات عبر قواعد بيانات الشرطة الدولية، مؤكدًا أن إدارات الشرطة البلجيكية وضعت الكثير من المعلومات المتعلقة بالمقاتلين الأجانب تحت تصرف وكالة الشرطة الدولية، وهي الطرف الأول الذي يزود “إنتربول” بمعلومات عن المقاتلين الأجانب؛ لهذا يجب على الشرطة الدولية أن تثبت أنها هيئة تتمتع بالمصداقية بنسبة “100%”، وتنأى بنفسها عن أية حساسيات سياسية بين الدول، كي تحظى بالمصداقية التي تحتاجها لآداء مهامها.
• فرنسا : التطرف من للوقاية شبكة تأسيس
وفي إطار مساعيها للتصدي للتطرف والإرهاب، يؤكِّدُ المرصدُ أنَّ فرنسا قد شهِدَت الأيام الفائتة تدريبًا على الوقاية من التطرف، دام أربعة أيام واستهدف المهنيين من قطاعات الشباب والصحة والقطاع الاجتماعي، وذلك في إطار تأسيس شبكة إنذار.
تقول فلورنس كوملين، المسئولة عن العمل الاجتماعي في صندوق الإعانات الأسرية لإقليم جارس الفرنسي: "لن تصبحوا خبراءَ في التطرف، ولكننا سنعمل على تدريبكم حول هذا الموضوع". حيث بدأ مساء الأربعاء الماضي، في مدينة أوش، برنامج تدريبي يمتد أربعة أيام، موزعة على جميع أنحاء الإقليم، وموجهة للمهنيين في قطاعات الشباب والصحة والقطاع الاجتماعي، وكذلك الآباء والأمهات، حول موضوع : "الوقاية من التطرف: تأثير الصور الإرهابية على المراهقين". وتوضح فلورنس كوملين: "نقوم بإنشاء نظام شبكي، يعمل بالتعاون مع أشخاص على دراية بهذه القضايا ويمكنهم التواصل مع المتخصصين، أو مع الرقم المجاني، نحن ننظم هذه الدورات التدريبية في إطار خطة الأقاليم للخدمات الأسرية. وقد جرى تشخيص احتياجات الأسر والمراهقين فوجدنا إشكالية كيفية التعامل مع القضايا المعاصرة، وبالأخص تلك المتعلقة بالشاشات. التطرف ليس هو الشاغل الرئيسي لهذا المخطط، بل السلوكيات الأكثر تطرفًا، فنحن نريد أن نوضح كيفية التعامل مع عوامل التطرف ".
ومن بين المجهودات والإجراءات التي تتخذها فرنسا لعرقلة الإرهاب، مناقشة البرلمان الفرنسي لمشروع قانون مكافحة الإرهاب الذي يثير انقسامًا واضحًا. ويشيرُ المرصدُ إلى أنَّ وزير الداخلية قد دافع عن القانون أمام النواب، حيث يعتبره معارضوه من اليسار "حالة طوارئ دائمة"، فيما يعتبره عدد من نواب اليمين "ضعيفًا".
واستأنف النواب نقاشهم حول مشروع قانون لمكافحة الإرهاب المثير للجدل والذي تقدمت به الحكومة، ويقول معارضوه من اليسار إنه يهدد الحريات الفردية، بينما ينتقده اليمين معتبرًا أنه من الواجب أن يكون أكثر حزمًا.
وكانت عدة منظمات قد نددت بمشروع القانون، من بينها منظمة العفو الدولية، ورابطة حقوق الإنسان، ونقابة القضاة، وأيضًا شخصيات مثل المفوض الأوروبي لحقوق الإنسان نيلز مويزنيكس.
• مكافحة التطرف والإرهاب: مؤتمر في مدينة نيس الفرنسية.. ومصر تشارك
عَرَّجَ مرصدُ الأزهرِ كثيرًا على عزم فرنسا بصفةٍ عامة ومدينةِ نيس بصفةٍ خاصة على مكافحةِ التطرف والإرهاب، ذاكرًا أهم الأسبابِ التي تقفُ وراء ذلك، والتي من أهمها دور فرنسا لمكافحة التطرف خارجيًّا وبالتالي تتعرض للاعتداءات الإرهابية داخليًّا. وتابع مرصدُ الأزهرِ في هذا الصدد دعوة حوالي ستين عمدة وممثلين عن المدن الأوروبية والمتوسطية، الذين اجتمعوا في مدينة نيس (جنوب شرق فرنسا) بُغْيةَ "مواصلة التحرك ضد التطرف" وتعزيز تبادل المعلومات في مجال مكافحة الإرهاب. وتبادل رؤساء البلديات الأفكار والمقترحات والخبرات في هذه الندوة "مواجهة تحديات الإرهاب".
وفي بيانٍ وقَّعَهُ رؤساءُ البلديات والممثلون يوم الجمعة، طالبت هذه المدن، التي كان بعضها هدفًا للهجمات بتوطيد التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، كما أوصت "بزيادة الموارد المالية"، إضافة إلى دعوتها إلى التفكير في شأن "القوانين والصلاحيات الخاصة بالشرطة المحلية".
كما يطالبُ "إعلان نيس" الاعتراف بـدور المنتخبين أو ممثلي المدن في إعداد وتنفيذ السياسات الأمنية"، علاوة على ذلك : تطالب الوثيقة "بإنشاء صندوق أوروبي لدعم أمن الأماكن العامة في المدينة". ولقد تم تسليم إعلان نيس بشكلٍ رسميٍّ إلى كل من جيرارد كولومب وزير الداخلية الفرنسي، وإلى جوليان كنج المفوض الأوروبي للأمن.
وخلالَ مؤتمرٍ صحفيٍّ صرح كولومب قائلًا: "تقديم المعلومات، يعني أن نعطي أجهزتنا الوسائل لتكون قادرة على تحمل المسؤولية، والكشف عن الهجمات ومنعها. وبهذه الطريقة منعنا عددًا من الهجمات من الوقوع منذ بداية العام". ومن جانبه أشار المفوض الأوروبي للأمن أنَّ "الاتحاد الأوروبي سيعزز صندوق الأمن الداخلي من خلال تخصيص 100 مليون يورو لهذا العام (2017)، منها 10 مليون على الأقل من أجل المشاريع المتعلقة بتأمين الأماكن العامة". مؤكدًا على اعتماد المفوضية الأوروبية لحزمة من التدابير في هذا المجال في 18 من أكتوبر.
ومن الجدير بالذكر أن محافظ الإسكندرية محمد سلطان قد شارك هذا المؤتمر، حيث أكد أن مصر دولة مُحِبة للسلام وتواجه الإرهاب بصرامة ولن تتهاون مع مرتكبي الأفعال الإرهابية.
كما ألقى الضوء على الخطوات الفاعلة التي تتخذها مصر للقضاء على آفة الإرهاب، لاسيما قيام الرئيس عبد الفتاح السيسي بتشكيل المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف، وذلك بجانب الجهود التوعوية وتشجيع الحوار الديني المجتمعي.
• البرلمان السويسري يريد منع المساجد من التمويل الأجنبي
وضعَ مرصدُ الأزهر كذلك مجهرَه على التشديدات التي تتخذها سويسرا كي تعرقل ما من شأنه أن يَهُزَّ أمنَها. ويُشيرُ المرصدُ هنا إلى موافقة مجلس الشعب السويسري على الاقتراح المقدم من حزب (Lega)، والذي يهدف إلى فرض اللغات الوطنية على الخطب التي يلقيها الأئمة، وكذلك منع التمويل الأجنبي.
ووفقًا لهذا المقترح، ينبغي منع دور العبادة الخاصة بالمسلمين من تلقي التمويلات الأجنبية. وأيدت الجمعية الوطنية يوم الثلاثاء بنسبة 94 صوتًا مقابل 84 صوتًا - الاقتراحَ المقدم من قبل حزب الليجا الذي يريد أن يفرض على الأئمة إلقاء الخطبة باللغة الوطنية.
الجدير بالذكر أنَّه على مجلس الدولة أن يبت في هذا الأمر، فقد أحال المقترح الذي يقضي بإجبار المؤسسات الدينية بإظهار حسن نيتها فيما يتعلق بتمويل الإرهاب. كما يود أن يقدم استثناء لتلك المؤسسات التي تم الاعتراف بها في سويسرا منذ فترة طويلة.
• تعاون بين داكار وواشنطن لتعزيز الدفاع ضد الإرهاب
كان مرصدُ الأزهرِ كذلك حريصًا على متابعةِ تنفيذ برنامج المساعدة في مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية الأمريكية بالتنسيق مع مكتب مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف وبالشراكة مع الحكومة السنغالية.
ويُنَوِّهُ المرصدُ إلى أنَّ تنفيذ هذا البرنامج يأتي في إطار مبادرة ممتدة لأكثر من سنة؛ لدعم جهود السنغال في الوقاية والتخفيف من آثار الهجمات التي تشن على الأهداف الضعيفة.
ووفقًا لصحيفة Dakar Time، يتم تنفيذ البرنامج بالتعاون مع الشرطة الوطنية والدَّرَك واللواء الوطني للإطفائيين، والعاملين في المجال الطبي والمستشفيات ومسئولي إدارة الأزمات في الوزارات، إضافة إلى قادة المجتمع المحلي من أجل الوقاية من آفة الإرهاب العالمي والتصدي له.
• الإطار الموحد للوقاية من التطرف (الإسلام في السنغال) :
وعلى المستوى الأفريقي، تابع المرصدُ الجهود المبذولة من قِبَلِ اللجان العلمية للجمعيات الإسلامية، والتي أقرت مؤخرًا الإطارَ الموحد (الإسلام في السنغال)؛ من أجل دعم "مكافحة التطرف والظلامية الدينية" والوقاية من "خطر الصراع الطائفي وأي تهديد آخر على الوفاق الوطني".
حيث جاء في بيان اللجان العلمية: "إن الإطار الموحد للإسلام سيساهم في التلبية العقائدية لمكافحة التطرف الديني والظلامية في السنغال وتطوير نموذجًا للتعايش في البلاد".
ويؤكد أعضاء الجمعية الجديدة أنها ستعمل على "منع مخاطر النزاعات داخل الطوائف والطائفية وأي تهديد آخر للحمة الوطنية".
كما يسلطون الضوء على "أصالة" هذه المنظمة التي تضمن من وجهة نظرهم، أن يضم تشكيلها "اللجان العلمية للطريقة المريدية والتيجانية، والخضرية، والليانية، وكذلك الجمعيات الإسلامية، كالتجمع الإسلامي بالسنغال، وجماعة أهل بيت من الشيعة، ورابطة أئمة كاسامانس (بالجنوب)، وأعضاء المجتمع المدني، وما إلى ذلك".
خاتمة :
ويرى مرصد الأزهر أن هذا الحراك العالمي لمكافحة التطرف، يعكس مدى خطورة هذه الظاهرة التي باتت تهدد أمن الجميع؛ مسلمين وغير مسلمين، وتسارع بالعالم نحو الهاوية. من ناحية أخرى يعكس هذا الحراك ضرورة تكاتف الجهود – على جميع الأصعدة – من أجل إنقاذ الإنسانية من هذه الظاهرة الشيطانية.
لقد حان الوقت ليقف الجميع أمام مسئوليته الاجتماعية والدينية والسياسية. ومن هنا يهيبُ المرصد بمؤسسات العالم أجمع أن يكونوا يدًا واحدة في وجه الإرهاب ومصادر تمويله، فلم يعد المجال يحتمل الاتفاقيات البروتكولية ولا التنديدات الإعلامية.
وحدة الرصد باللغة الفرنسية