في مرحلة من أصعب مراحل التاريخ الحديث على الصّومال، تتجدّد الأعمال الإرهابية وتتجدّد معها آلام هذا البلد الذي وجد نفسه بين مطرقة الفقر وضعف الإمكانات وسندان الجهل والتطرّف العنيف.
ففي صبيحة كلّ يوم يترقّب الصّوماليون تفجيرًا هنا أو هجومًا هناك في بلد صار مهدّدًا بفعل مجموعة ممن فقدوا رشدهم وباعوا أنفسهم لأعداء الحياة وكارهي السلام، مما خلّف وراءه وطنًا يكابد الإرهاب والعنف الوحشي، ومواطنين بين قتيل وجريح ومشرّد، ومستقبلًا غامضًا لا تظهر منه سوى ملامح الدّم والخراب.
وفي إطار متابعتها المستمرّة للأوضاع في الصّومال باعتبارها إحدى الدّول التي تتجرّع مرارة الإرهاب وتعاني من ويلاته، تواصل وحدة رصد اللغات الإفريقية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرّف جهودها في سبيل الوقوف على آخر المستجدّات بالرصد والتحليل والردّ على ما يثيره أولئك المتطرّفون من ادعاءات وما يروّجون له من شبهات.
وفي هذا الصّدد تابعت الوحدة أنباء الهجوميْن الإرهابيين الذين وقعا بالعاصمة الصّومالية مقديشو؛ حيث استهدف الهجوم الأول منهما فندقّا، وذلك حينما اقتحمت سيّارة مفخّخة إحدى بوابات ذلك الفندق، وأتبع ذلك قيام مسلّحين بالدخول من نفس البوابة فاتحين نيران أسلحتهم عشوائيًا صوب الفندق والنزلاء، وقد تحدّثت المؤشّرات الأوليّة عن سقوط نحو سبعة عشر قتيلًا جرّاء هذا الهجوم، ما أشارت بعض وكالات الأنباء المحليّة إلى أن من بين الضحايا أطفال ونساء وبرلماني سابق.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الفندق كان يستعد لاستضافة اجتماع مجلس المحافظين اليوم الأحد 29 أكتوبر 2017م إلا أنّ هذا الهجوم وقع ليلة الاجتماع، مما يعدّ تهديدًا صريحًا للمحافظين وتحدّيًا صارخًا للحكومة الصّومالية.
أمّا الهجوم الثّاني فقد وقع بالقرب من مبنى البرلمان القديم، وفي محيط الفندق الذي شهد الهجوم الأول، وبحسب ما صرّح به إبراهيم محمد، وهو ضابط بالشرطة الصّومالية لوكالة الأنباء الفرنسيّة، فقد وقع هذا الهجوم عندما انفجرت سيّارة محمّلة بالعبوّات الناسفة بالقرب من مقر اجتماع المحافظين، ولم توضّح وسائل الإعلام أو الحكومة الصّومالية ما خلّفه هذا الهجوم من ضحايا وخسائر.
من جانبه أوضح محمد حسين، المتحدّث باسم الشرطة الصّومالية، في حديث لوكالة أنباء رويترز أنّ "أكثر من سبعة أشخاص لقوا حتفهم جرّاء هذا الهجوم من بينهم رجال جيش وشرطة ومدنيون"، فيما ذكرت هيئة الطوارئ والدفاع المدني بالعاصمة مقديشو أنّها نقلت نحو خمسة عشر مصابًا إلى المستشفى بالإضافة إلى جثث عدد من القتلى.
ورغم أنّ حركة الشباب الصّومالية التي تمثّل التهديد الأكبر على أمن الصّومال، والتي عادةً ما تتبنى مثل هذه الهجمات لم تصرّح بتبنيها للهجوميْن الأخيرين، إلا أنها كانت قد هدّدت سابقًا بتنفيذ هجمات تستهدف اجتماعات الحكومة الصّومالية "الكافرة لأنّها حكومة لا تحكم بما أنزل الله" على حد تعبير الحركة.
كانت العاصمة الصّومالية مقديشو قد شهدت قبل أسبوعين هجومًا هو الأعنف في تاريخها حيث أسفر عن مقتل 358 شخصًا وإصابة المئات وفقد 56 آخرين لم يتم التعرّف على مصيرهم حتى الآن.
ومرصد الأزهر إذ يطالع هذه الأنباء المؤسفة يجدّد رفضه لما تقوم به حركة الشباب ومن على شاكلتها من جماعات وتنظيمات لا ترقب في إنسانيّة إلًّا ولا ذمّة، فمن أين لهؤلاء أن يحكموا على أبرياء بالإعدام الوحشيّ تحت مزاعم السعي لتطبيق شريعة الله والحكم بما أنزل؟! هلّا حكّموا شريعة الله في أفعالهم وجرائمهم أولًا؟! ومن أين لهم بتخريب وطن وترويع أهله تحت شعار "لا إله إلا الله محمد رسول الله"؟! إنّ الإسلام دين السلام والتوحيد ودين الأمن لمعتنقيه ومخالفيه لا يقرّ أيًّا من هذه الجرائم ولا يقبل أن تراق دماء باسمه بدون حق ولا يعترف سوى بالسلام والتعايش والبناء لا الإرهاب والتطرّف والتخريب.