الجماعات المتطرفة

 

13 نوفمبر, 2017

لا تكونوا عونًا لداعش

     بعد مرحلة سقوط "دولته" المزعومة، عاد إلى جحره الأول يمارس إرهابه، لا على أرض الواقع بل في الفضاء والخيال الجامح، ليخيل لأتباعه أنه لا يزال نافذًا وقادرًا! إنه السحر، أو قل تلك "الآلة الإعلامية" التي برع التنظيم في استخدامها وتوظيفها، لطالما بنى تنظيم داعش مجدَه على هذه الأوهام، لكن سرعان ما تبددت هذه الأوهام ومُنِيَ داعش بهزائم وإخفاقات، جعلته كالغريق يتعلق بحبال الهواء.
وأصبحت صناعته الكذبَ الصريح والإكثارَ من نشر المعلومات المغلوطة، وإثارة الخوف وإشاعة الفوضى، وتقويض ثقة العامة من الناس في مؤسساتهم المختلفة، أملًا في أن يستشعر الناس أنه لا يزال موجودًا، وحفاظًا على "هيبته" في قلوب أتباعه، تلك الهيبة التي سرعان ما كشفت لهم الأيام زيفها وباطلها.
الكذب الصريح، شأن التنظيم في هذه المرحلة؛ ففي شهر يونيو ٢٠١٧، عندما قام مدمن مخدرات مقامر، بإشعال النار في كازينوا في منتجع وورلد بمانيلا، في الفلبين، وأطلق النار على مرتادي المكان ثم قتل نفسه، أعلن داعش مسئوليته عن الحادث، وقال إن منفذه جيسي كارلوس، ويبلغ من العمر 42 عامًا، تحول إلى الإسلام قبل شهور من الحادث، من دون أن يخبر أحدًا.
ثم كشفت التحقيقات أنها كانت كذبة كبيرة، بعد ذلك يتبنى "داعش" مسئولية حادث "لاس فيغاس"، الذي نفذه "ستيفين بادوك"، ويزعم أنه تحول للإسلام منذ عدة أشهر؛ على الرغم من أن جميع التقارير تفيد أن بادوك كان مقامرًا سكِّيرًا، وأنه قتل نفسه بعد تنفيذ الهجوم و لم يعتنق الإسلام أبدًا.
كثير من الكذب مختلط بكثير من الدعاية والإعلان، وسيل من المقاطع الصوتية والمرئية والمقروءة، يلقيها التنظيم في عقول الناس، وأصبح نقل ذلك الكذب، وتداول أخبار الإرهاب والترويع، وبث الخوف والفوضى - ديدنَ الكثير من منصات الإعلام العالمية، وبات ذلك سبقًا صحفيًا وإحرازًا للتقدم الإعلامي.
وإلا فما معنى أن تنشر صحيفة كبيرة، لها اسمها على الصعيد الدولي مثل صحيفة "Express" البريطانية خبرًا تحت هذا العنوان: "التهديد الإرهابي: داعش يخطط لشن هجمات الغازات السامة على وسائل النقل العامة"، ثم يتناول الموقع تكهنات من يسمون "بالخبراء"، عن أن الإرهابيين يخططون لشن هجمات الغازات السامة، على القطارات، وأنفاق المترو، والطائرات في جميع الدول الأوروبية، وأن أجهزة الأمن في حالة تأهب عالٍ تحسبًا لشن تنظيم داعش هجومًا بالأسلحة البيولوجية.
وتحذر الصحيفة من أن التنظيم ربما يستهدف وسائل النقل العامة، أو أماكن تواجد السياح مثل المتاحف والمعارض، وأن الجواسيس حذروا أجهزة الأمن من احتمالية استخدام داعش أسلحة كيميائية، وأن هذه الخطوات تأتي في سياق سعي التنظيم الإرهابي للبحث عن وسائل موثوق بها لشن هجماتهم، عقب سلسلة هجمات الشاحنات والسكاكين.
ونحن إذ نرصد هذه الأخبار، نتسائل مَن المستفيد مِن نشر خبر مثل هذا لم يَعْدُ كونه تكهنات وتوقعات ليس عليها دليل؟ وهل تخدم فكرة نشر خبر كهذا الشأن العام البريطاني وأجهزة الأمن، أم تثير الرعب والخوف والإرهاب في قلوب مرتادي الأماكن العامة، ومستخدمي وسائل النقل والمواصلات والمترددين على الأماكن السياحية؟ وهل يساعد هذا الخبر في مواجهة داعش وإرهابه في بريطانيا أم أنه يضيف إلى رصيده؟
ما زلنا نؤكد على أن التغلب على القوة العسكرية للإرهاب من أسهل ما يكون، وأنه من الصعب جدًّا قتل الفكرة في العقول واستئصالها من القلوب، وأن التنظيمات الإرهابية عندما تنهزم عسكريًّا، تعود أدراجها لتمارس ضربها على وتر الأفكار، والعالم إذا لم يدرك أن الحرب إنما هي حرب أفكار، سيخسر كثيرًا؛ حيث إن الفكرة هي نشر الرعب وبث الخوف وزعزعة الاستقرار، وتشكيك الناس في دولهم ومؤسساتهم، فهل نفوّت عليهم هذا أم نساعدهم في نشره وترويجه؟
عينة أخرى من التقارير والأخبار تم رصدها من هذا القبيل، فقد أوردت عدة مواقع إخبارية عالمية، خبر توعد تنظيم داعش الإرهابي، لكأس العالم في روسيا، المقرر أن ينطلق بعد 7 أشهر؛ حيث أطلقت إحدى الوكالات الإعلامية التابعة لداعش ملصقًا يروِّج للإرهاب، من خلال استخدام صورة لاعب برشلونة الشهير ميسي، وهو واقف خلف القضبان وعيناه تذرفان دمًا، وذلك في محاولة منها لنشر الخوف بين المشاركين في البطولة والمشجعين لها.
وكان التنظيم كان قد نشر قبل أسبوع واحد صورة لمقاتل داعشي، يحمل سلاحًا وقنبلة عليها شعار التنظيم الأسود، ويقف أمام استاد لكرة القدم، وقد تضمن الملصق أيضًا الشعار الرسمي لبطولة كأس العالم عن هذا العام.
وفي ملصق آخر مشابه، ظهر شخص مسلح ومقَنَّع يحمل سلاحًا ومواد متفجرة بالقرب من استاد لكرة القدم في روسيا.
وبما أننا لم نستغل الإخفاقات المتكررة والكذبات، التي روجها تنظيم داعش؛ لهز كيانه وزعزعة هيبته في قلوب أتباعه والمؤيدين له، فينبغي ألا نكون عونًا له في أداء رسالته في الحياة وهي "الإرهاب".
إن الإسراف في تناول أخبار داعش وملصقاته وتصريحات قادته، والتهويل من المقاطع الصوتية والمرئية التي يبثها من حين لآخر، يخدم داعش في تلك المرحلة التي يحاول فيها أن يلملم جراحه ويتدارك ما يمكن إدراكه، ولا يمنع هذا من اتخاذ الحيطة والحذر وجميع التدابير اللازمة؛ لتأمين التجمعات البشرية والمنشأت الحيوية في كل الأحوال وبغض النظر عن وجود تهديد من عدمه.

وحدة رصد اللغة الإنجليزية