الجماعات المتطرفة

 

19 نوفمبر, 2017

هل تنجح الأسلحة المتطورة في مواجهة ضربات داعش؟

     من المؤكد أن تنظيم داعش الذي تعملق في فترة وجيزة، لم يكن يومًا نتاج تطرفٍ ديني فحسب، بل تقاطعت في هذا التنظيم مصالح سياسية واقتصادية ليست لأفراد أو جماعات بل لدول بعينها، ولذلك حين تغوَّل التنظيم وكاد أن يخرج عن السيطرة، سارعت تلك الأطراف للقضاء عليه في العراق؛ حيث المنبع الذي نبت منه هذا التنظيم، فضربوه في عقر داره وأعادوه لجحره، ولكن هذا التنظيم بالأخص يملك من الإمكانيات ما يجعله يتلون بلون بيئته كالحرباء، فيستطيع التحرك بحرية من مكان إلى آخر، ويغير من أسلوبه وتكتيكه على حسب ظروفه وأحواله.
وها هو اليوم ينقل معركته ويغير أسلوبه؛ فأصبح يسير على درب تنظيم القاعدة، ولكن مع فوارق جوهرية، تتمثل في إعلان الخلافة من قِبَل قائد التنظيم "أبو بكر البغدادي"، ووجوب انطواء جميع المسلمين تحت لوائها؛ لإقامة الخلافة الواجبة من وجهة نظرهم على عكس تنظيم القاعدة الذي لم يفعل ذلك.
كما أن تنظيم القاعدة هو الأخطر والأقوى؛ فهو يجيد التخطيط جيدًا في حدود قدراته وإمكاناته، ويعتمد على سياسة الحرب المُمتدة، بخلاف تنظيم داعش الذي يعتمد على التضخيم والتهويل من خلال سلاحه الإعلامي، وعلى الجانب العقدي توجد فوارق كبيرة جدًّا بين التنظيميين، ولعل أهمها موقف تنظيم القاعدة من قضية تكفير المخالف؛ حيث لا تكفر القاعدة جموع المسلمين، ولا تحكم بالكفر على أحد إلا بشروط معينة عندهم، فالتكفير عندهم موجود ولكن بحجم أقل مما هو عند داعش الذي يكفر جموع العالم إلا من بايعه.
وكذلك يعتمد تنظيم القاعدة على عناصر نشأت وتربَّت على عقيدة التنظيم وفكره، بخلاف تنظيم "داعش"، فإنه يخدع الشباب والمتحمسين للدين بشعارات برَّاقة تنفذ بسهولة إلى أفئدة هؤلاء البسطاء وعقولهم، وهنا مكمن الخطر وبيْتُ القصيد؛ حيث إن السلاح الذي يستخدمه داعش أصبح الإنسان بذاته، فهو يحاول تجنيد أفراد جدد عن طريق الإنترنت، فيبث في عقولهم أفكاره الهدامة حتى يصيروا سلاحًا في يد التنظيم يوجِّهه في وجه مَن شاء، أضف إلى ذلك الجماعات الإسلامية المتشددة المنتشرة في أوروبا، فهؤلاء يمثلون الحاضنة التي يمكن أن يختمر فيها أفراد يتم استخدامهم كأسلحة في يد التنظيم، مثل منفذ هجوم مانهاتن الأخير في أمريكا "سيف الله سايبوف"، كذلك عملية الدهس التي قام بها "يونس أبو يعقوب" في إسبانيا، والذي كان يبلغ من العمر اثنين وعشرين عامًا وقت تنفيذ عملية الدهس.
وصرح جده "قبوش أبو يعقوب" لصحيفة "الديلي ميل" البريطانية قائلًا: "لقد تم التغرير بحفيدي في إسبانيا؛ حيث كان شخصًا طبيعيًّا في أثناء تواجده في المغرب"، وقال: "أعتذر عن أعمال حفيدي، والجرائم التي ارتكبها يونس تتعارض تمامًا مع الثقافة والتقاليد الإسلامية"، واستطرد قائلًا: "الشيء الذي أنا متأكد منه أن حفيدنا لم يكن متطرفًا في المغرب، بل تم غسيل دماغه، أي تغيير حدث معه كان هناك في أسبانيا، هم لا يعرفون القراءة".
وهذا هو النموذج الأوضح عيانًا على استغلال داعش للبيئة الحاضنة (الجماعات المتطرفة)، واستغلال الشباب الخاوية عقولهم من أي حصانة فكرية أو دينية أو حتى اجتماعية، وخير دليل على هذه البيئة الحاضنة تلك المنطقة التي كان يعيش فيها أفراد الخلية المذكورة؛ حيث إنها منطقة فقيرة مهمشة ومعزولة، حتى "يونس وأخوه" كانا لا يستطيعان القراءة أو الكتابة بالعربية، وكان هذا هو حال أغلب أعضاء الخلية الاثني عشر باستثناء الإمام والذي يعتبر العقل المدبر للعملية.
ومما يؤكد هذه الفَرضيّة دراسة حديثة أجرتها الأمم المتحدة وفقًا لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية؛ فإن دراسة نشرت لمكتب مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، كشفت أن "معظم الشباب الذين يغادرون منازلهم للقتال من أجل الجماعات الإرهابية في سوريا مهمشون اجتماعيًّا وسياسيًّا، ومستوى تعليمهم منخفض، ويفتقرون إلى أي فهم أساسي للمعنى الحقيقي للجهاد أو حتى للعقيدة الإسلامية.
أما بالنسبة للنموذج الثاني وهو التجنيد عن طريق الإنترنت، فإن الحادث الإرهابي النمساوي هو خير دليل على ذلك، فقد قام رجل بطعن زوجين مسنين، وتبين بعد ذلك أن هذا الرجل تم تجنيده عن طريق الإنترنت، فقد نشر موقع "Tag24" خبرًا بعنوان: "مقتل زوجيين مسنين على يد مشتبه بصلته لداعش"، حيث أعلن وزير الداخلية النمساوي "فوفلجانج زوبتكا" عن وجود صلة لمنفذ الحادث بتنظيم "داعش" الإرهابي، ولعل هذا يكون هو الهجوم الدموي الأول الذي له صلة واضحة ومباشرة بالدوافع الإسلامية المتطرفة في النمسا؛ حيث إن المُنفذ يُعدّ من المؤيدين والمتعاطفين مع التنظيم، وقد تبيّن من خلال البحث عبر المواقع الإلكترونية انتمائه للتنظيم.
وهذان الصنفان إن أمكن مراقبتهم وتلاشي خطرهم، فكيف يمكن الوقاية والحذر من أناس ليس لديهم أي ميل للتطرف أو الإرهاب، ولا يوجد لهم أية علاقة تنظيمية بداعش، فما بين عشية وضحاها يمكن إقناع أي شخص سواء كان مسلمًا أم غير مسلم؛ فكم من الدواعش المشاركين الآن في القتال في سوريا كانوا من غير المسلمين، وسرعان ما اعتنقوا الإسلام واعتنقوا معه تلك الأفكار الدخيلة، فصار اعتناقهم للإسلام اعتناقًا لأفكار داعش ومعتقداتها، ومن هنا أصبح ذلك الغربي أو الأمريكي أو الأسيوي سلاحًا داعشيًّا، يستمد وجهته من أوامر قادة التنظيم عبر الإنترنت، أو عبر عناصر التنظيم الذين يحملون نفس الفكر ويعتنقون نفس العقيدة ويحيطون به.
فمتى كانت إستراتيجية التنظيم استقطاب أتباعه إلى أرض المعركة - هبوا من كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ تلبيةً لأمر دينهم -لا لأمر أميرهم- كما يظنون، ومتى كانت إستراتيجية التنظيم تعتمد على الذئاب المنفردة وهي الإستراتيجية القائمة الآن، فإن التنظيم يعتمد على توجيه أتباعه الذين لا تربطهم صلة تنظيمية بالتنظيم بعمل عمليات فردية أو جماعية، يكون الأساس فيها الإنسان من غير سلاح أو بسلاح بسيط جدًّا متوافر ويحقق الغرض من تلك العمليات، وهو النكاية والتشتيت ونشر الرعب والفزع في تلك البلدان، كوسيلة للضغط على الحكومات؛ للتراجع عن المشاركة في التحالف ضد التنظيم.
وفي الحقيقة فإن الاستعدادات التي تتخذها الدول الغربية للوقاية من ضربات داعش المتتالية لن تُفلح أبدًا، ولو كانت تلك الاستعدادات باستخدام أكثر الوسائل والأسلحة تقدمًا ما دام تنظيم داعش قادرًا على تجنيد المزيد والجديد من أفراد لم تكن لهم سابق صلة تنظيمية أو فكرية بهذا التنظيم من هنا أوهناك، فالخطر الآن – للأسف - أصبح الإنسان الذي استطاع التنظيم أن يحوله إلى سلاح يصوبه تجاه من شاء وقتما شاء، والحل يكمن في تحصين العقول بالفكر والاعتماد على المواجهة الفكرية، والعمل على التخلص من تلك البيئة الحاضنة التي يعتمد عليها التنظيم في الإيقاع بضحايها وجعلهم فريسة سهلة للتطرف والإرهاب.

وحدة الرصد باللغة العربية