الجماعات المتطرفة

 

20 نوفمبر, 2017

مدخلات صناعة الوعي الإرهابي

     تتنوع مدخلات الوعي الجمعي؛ ما بين دينية وتعليمية وثقافية، فلا تجد نظامًا سياسيًّا يبحث عن البقاء والاستمرار، إلّا وقد أحكم سيطرته على تلكم المحاور، ووضع  لها محدّداتٍ رئيسةً تعمل بموجبها، والواقع أن تنظيم "داعش" الإرهابي، أدرك هذه النقطة جيدًا؛ لأنه ربما كان الهدف الرئيس من نشأة التنظيم، هو التأسيس لقيام دولة.
ولقد وضع التنظيم عشية احتلال العراق، منظومة تعليمية تستهدف الفئات العمرية من 8 إلى 15 عامًا، باعتبارهم "الأشبال"، وتُكَرِّس لمبادئ التنظيم متخذة من العنف وسيلة لتأسيس دولتهم المزعومة، والقاعدة الأساسية التي يحرص التنظيم على ترسيخها في أذهان الطلاب، هي: "استمرار التمدُّد في أرض الله".
على سبيل المثال؛ يطرح التنظيم في كتاب الرياضيات، سؤالًا عن عدد عناصر التنظيم خلال اثنين وثلاثين يومًا، إذا كان عدد الوافدين إلى دولتهم، يُقَدَّر بمائتين وثلاثين وافدًا يوميًّا؟ هذا إلى جانبِ وضْعِ إشاراتٍ في كل الكتب الدراسية، عن نوعية الأسلحة المتنوعة التي يستخدمها التنظيم، خلال المواجهات المسلحة.
وفي المناهج الدينية؛ يتمّ تصدير الكتب بصورة أبي بكر البَغدادي، مصحوبة بأناشيد التنظيم وعدد من الأبيات الشعرية، التي قام البَغدادي بتأليفها، ويتعيّن على الطلاب حفظُها وإنشادُها مع بداية كل يوم دراسي، ثم يأتي الحديث بعد ذلك عن هجمات "داعش"، والتعريف بنوعية السرايا القتالية، و مواعيدِ الحروب، و تراخيصِ القتال، وهنا يأمر "داعش" الطلاب بحفظ مراحل تشريع القتال، وأسماء المعارك، والتفريق بين ما يسميها السرية و الفصيل القتالي.
على الصعيدين الثقافي والديني؛ عمد التنظيم إلى تأسيس مراكز ومدارس تشريع، تُعنى بالتأوُّل على النصوص الدينية، بحثًا عن مسوغ أخلاقي، يتيح لعناصر التنظيم قتل الأبرياء واغتصاب النساء، كذلك توضِّح كيفية معاملة العبيد، ومتى يجوز أن يسرق الابن أباه، ليوفر تكاليف السفر للقتال،إذ يكفي أن يفتيَ أحد "مشايخ" التنظيم، بإباحة جُرْمٍ معين؛ حتى يصبح الفعل الإجرامي ممارسةً مقدَّسة.
في السياق ذاته؛ أنشأ التنظيم عددًا من مؤسسات النشر ، المعنية بترويج مؤلفات "مشايخ" التنظيم باللغات المختلفة، وهذا يحيلنا إلى الإصدارت التي تخرج عن التنظيم، التي تتميز بالمنحى الدّعوي، إذ عمد التنظيم من خلالها إلى دغدغة مشاعر المتلقي، من خلال نشر عدد من قصص المقاتلين العاطفية، وإيمانًا من التنظيم بأهمية الأعمال الفنية، باعتبارها أحد مدخلات صناعة الوعي الجمعي؛ فقد بادر إلى إنشاء مؤسسة للإنتاج الإعلامي، تشرف على إنتاج مقاطع الفيديو، والملصقات، والنشرات، والبيانات الرسمية الصوتية والمكتوبة، بلغات أجنبية مع ترجمة مكتوبة بالعربية، وأصدرت حوالَي مئتي مقطع فيديو مصوَّر.

ثم ظهرت مؤسسات إعلامية مشابهة، استحدثها التنظيم بعد دخوله سوريا، نشرت نحو مئة إصدار،  و تختص بالإصدارات الصوتية ذات الجودة العالية؛ مثل: الأناشيد والتلاوات القرآنية.
وتُركِّز هذه الفيديوهات بشكل أساسي على الدعاية والاستقطاب؛ من خلال الترويج لفكرة توسُّع دولة التنظيم، والحديث عن الأنشطة الغذائية والرعاية الطبية، في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.
 وقد تخطّى تنظيم "داعش" الإعلامَ التقليدي إلى الإعلام الإلكتروني، لا سيما في ضوء تعاظُم دَور مواقع التواصل الاجتماعي.
ويُعَدّ تنظيم "داعش" من أكثرِ التنظيمات الإرهابية اهتمامًا بشبكة الإنترنت، فقد أدرك منذ فترة مبكرة من تأسيسه، الأهمية الاستثنائية للوسائط الاتصالية، في إيصال رسالته السياسية ونشر أيديولوجيته، ولم يعبأ التنظيم في إطار جهوده لإعادة صياغة وتشكيل الوعي الإرهابي، بالدور المهم للفنون والآداب في تشكيل الوعي الثقافي لأي أمة، أو ربما هو عمد إلى تصوير ما يقوم به من عمليات وحشية واقعية، كمشهد يبدو جزءًا من فيلمٍ ضخمِ الإنتاج؛ لبَثّ الخوف في نفس المتلقي من مصير البطل، وبالتالي الانخراط في صفوف التنظيم خوفًا من مصيرٍ مُشابِه.
في حين يقاطع التنظيم الفنون، التي تُقدِّم صورًا إنسانية للحياة اليومية التي تعيشها الشعوب، بل إنه وفي سبيل توسيع نطاق الهُوَّة بين الشعوب وهُوِيَّتها الثقافية؛ عمد إلى تخريب الآثار، ودُور السينما، والمسرح، وحارَبَ الأعمالَ والنصوص الأدبية؛ بدعوى أنها تنشر الفجور.
عمومًا لا أحدَ ينكر نجاح التنظيم في تشكيل الوعي الإرهابي (وإن اختلفت أدواته) ويكشف في الوقت نفسِه عن تَراكُم المعتقدات الفكرية، والأدبية الداعشية، وقدرتها على إنتاج هذا اللون من التطرف الوحشي، الذي دفَع الكثيرَ من الخبراء إلى إبداء مخاوفهم من عودة التنظيم الفكرية، بعد هزيمته العسكرية، وانحسار دولته في سوريا والعراق تحديدًا.
 

وحدة رصد اللغة الفارسية