الجماعات المتطرفة

 

04 سبتمبر, 2022

في باكستان.. المنظمات الإرهابية تعادي مستقبل الأطفال

     تكثف مختلف البلدان جهودها في تحصين المواطنين ضد الأمراض والأوبئة المختلفة، وذلك من خلال توفير أمصال مضادة للعديد من الأمراض المتوطنة وحماية المواطن قدر الإمكان، وتزداد أهمية اللقاحات حين تتعلق بإنقاذ الأطفال من أمراض عديدة خطيرة قد تُفضي إلى الموت بسبب ضعف المناعة؛ نتيجة تأخر موعد الحصول على اللقاحات المطلوبة.

 وتعلل التنظيمات الإرهابية على اختلاف مذاهبها الدينية، منع تطعيم الأطفال؛ لأنه يتعارض مع الإرادة الإلهية، ويتسبب بحسب هذه التنظيمات في عقم الأطفال. في حين أن فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب شيخ الأزهر كان قد أفتى بأن "التطعيم ضد شلل الأطفال ... واجب شرعي"([1])

لذلك فإن المسوغ الشرعي الذي تقدمه التنظيمات الإرهابية للحيلولة دون انتشار وباء شلل الأطفال لا أساس له من الصحة، وإنما تهدف سواءً عن طريق القتل المباشر، أو عن طريق منع الفرق الطبية من ممارسة مهامها بالتطعيم ضد الأمراض المختلفة - إلى تحييد هؤلاء الأطفال حيث لا يمثلون أية خطورة للتنظيم مستقبلًا.

على سبيل المثال تتجدد الاعتداءات بين الحين والآخر على فريق حملة التطعيم ضد مرض شلل الأطفال في باكستان، بشكل يهدد الأمن والاستقرار المجتمعي، ويسهم في تفشي ظواهر الكراهية والعنف بين أبناء المجتمع الواحد. ففي العام 2012م هاجمت عناصر تنظيم طالبان الباكستانية قوافل تطعيم الأطفال ضد مرض شلل الأطفال، ما تسبب في مقتل (18) متطوعًا، وثلاثة من أفراد الشرطة. وتكرر الهجوم الإرهابي في العام التالي ما تسبب في مقتل عاملة من فريق المتطوعين وإصابة أخرى في الحملة الطبية. وازدادت الهجمات في عام 2014م بعدد أن قررت الحكومة الباكستانية التوسع في حملات مكافحة شلل الأطفال، بعد تسجيل (306) تقريبًا حالة إصابة بالمرض آنذاك.   

وقد شهد العام الجاري([2]) تنفيذ عدد من الاعتداءات والهجمات المتتالية ضد القوافل الطبية في العديد من الأماكن والمناطق الباكستانية المختلفة؛ بدأت باستشهاد الشرطي "حميد خان" المكلف بحماية فريق حملة مكافحة شلل الأطفال في أثناء تأدية عمله، لكن لم تعلن أية جماعة مسلحة مسئوليتها عن الهجوم.

وفي يونيو قام مسلحون بشن هجوم على الفريق الطبي الخاص ببرنامج مكافحة شلل الأطفال في منطقة "تحصيل دته خيل" بشمال وزيرستان، أسفر عن مصرع (3) أشخاص، بينهم (2) من المتطوعين وضابط الشرطة، إضافة إلى إصابة الطفل الذي كان يتلقى اللقاح. وقد أكد ضابط شرطة المنطقة وقوع الحادث وأن المهاجمين تمكنوا من الفرار بعد الحادث، ولم تعلن أية جماعة أو فرد مسئوليته عن الهجوم.

في المقابل ندد رئيس وزراء خيبر بختون خوا "محمود خان" بهذا الحادث وأصدر تعليمات للشرطة باعتقال الجناة على الفور، مصرحًا بقوله: "إن الذين يهاجمون فرق شلل الأطفال هم أعداء مستقبل الأطفال". ويصف المسئولون الحكوميون مثل هذه الحوادث بـ(الإرهابية والمخططة سلفًا).

وتكرر الحادث مرة أخرى في منطقة خيبر بختون خواه في شهر أغسطس؛ حيث لقي شرطيان حتفهما في إطلاق رصاص من قبل مسلحين على فريق شلل الأطفال، والذي وقع بينما كانت فرق حملة شلل الأطفال منشغلة بإعطاء التطعيمات، ولم يتم كذلك الإعلان عن القبض على الجناة أو من المسئول عن هذا الهجوم. جدير بالذكر أن هذا الحادث وقع في اليوم الثاني من بدء الحملة بشكل يبرهن على وجود تخطيط مسبق للحادث، وأنه ليس مجرد حادث إرهابي عابر.

ولا ريب في أن زيادة مثل هذه الاعتداءات منذرة بالخطر، لإعاقتها وصول المساعدات الطبية لحماية الأطفال من مختلف الأمراض. ومرصد الأزهر إذ يحذر من التهاون مع تلك الحوادث وعدم اتخاذ إجراءات صارمة مع الجناة مشددًا على خطورة الأمر، حيث إن ذلك من شأنه أن يعيق تقدم البلاد وازدهارها.

 


([1])  من كلمة فضيلة وكيل الأزهر الدكتور/ محمد الضويني في "الاجتماع السنوي الثامن للفريق الاستشاري الإسلامي" نيابة عن فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب.

([2]) كان قد تم لإبلاغ عن (14) حالة إصابة شلل الأطفال في باكستان خلال هذا العام (2022م).


كلمات دالة: