الجماعات المتطرفة

 

15 سبتمبر, 2022

هل تستعيد التنظيمات الإرهابية نشاطها من جديد؟


     مع الإعلان عن سقوط تنظيم داعش الإرهابي رسميًّا في 2017م، ظن البعض أن القضاء على داعش هو إيذان بأفول التنظيمات المتطرفة -خاصة مع ما كان يبدو من قوة هذا التنظيم للدرجة التي دعته إلى إعلان نفسه دولة حسب زعمهم- لكن الواقع أن التنظيم الإرهابي لم ينته بالكلية منذ هذا التاريخ، بل ظلت بقاياه تعمل وتتحرك في الخفاء في محاولة لإعادة الظهور مرة أخرى. ومع التطورات التي شهدها عالمنا مؤخرًا على الصعيد السياسي والاقتصادي بدأت مؤشرات تلوح في الأفق تنذر باحتمالية صعود جديد ليس لداعش فقط، بل وحتى تنظيم القاعدة الذي تشير التقارير إلى أنه يحاول معاودة الظهور بقوة من خلال الأذرع التابعة له في أماكن أخرى، والجدير بالذكر أن العامل المشترك في هذه التقارير سواء الخاصة بالقاعدة أو داعش- هي "إفريقيا".
فحسب موقع "Voanews"، أفادت البيانات الاستخباراتية للدول الأعضاء في مجلس الأمن أن تنظيم القاعدة الإرهابي أصبح هو البديل لداعش، وأن القاعدة أصبحت أكثر قدرة على التواصل مع أذرعها خارج أفغانستان. لكن المثير في هذه التقارير أنها ذكرت أن القاعدة تفضل ذراعها الإفريقي "حركة الشباب الصومالية" بقيادة "أحمد ديري أبو عبيدة"، ويبدو أن العامل الاقتصادي هو المحرك الأكبر لهذا التفضيل. فبحسب التقرير الذي نشره موقع "Bloomberg"، فإن حركة الشباب الصومالية تنفق سنويًّا (24) مليون دولار على الأسلحة والمتفجرات؛ إذ تتمكن الحركة سنويًّا من تحقيق عائدات تتراوح بين (50) مليون دولار إلى (١٠٠) مليون دولار، وهو ما أشار إليه تقرير Voanews بأنَّ ذراع التنظيم بالصومال يستخدم بعضًا من عائداته السنوية لدعم القيادة الرئيسة لتنظيم القاعدة بشكل مباشر.
كذلك لا يمكن إغفال الدور المتعاظم لجماعة دعم الإسلام والمسلمين (GSIM)، والتي يقودها "إياد أغ غالي" والتي أعلنت مبايعتها للقاعدة في 2017م. فعلى سبيل المثال تبنت الجماعة مسؤولية الهجوم الانتحاري الدموي الذي وقع بأحد المعسكرات الإستراتيجية بالقرب من العاصمة مالي يوم الجمعة 22 يوليو 2022م.
أما تنظيم داعش الإرهابي، فإن كافة المؤشرات تشير إلى أنه قد يُحوَّل وجهته إلى إفريقيا. فبحسب موقع Foreign Policy، فإنه إذا كان الشرق الأوسط هو مهد تنظيم داعش، فإن إفريقيا هي المكان الذي يشهد فيه التنظيم طفرة كبيرة مؤخرًا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كبار المسؤولين والدبلوماسيين الأميركيين في مجال مكافحة الإرهاب التقوا بنظرائهم من دول أخرى في مدينة مراكش المغربية في مايو الماضي ٢٠٢٢م في اجتماع سنوي للتحالف الدولي لهزيمة داعش. وقد ذكر المشاركون في الاجتماع أن منطقة الساحل في إفريقيا هي الآن موطن الجماعات المتطرفة الأخطر والأسرع نموًا، حيث شكلت منطقة جنوب الصحراء الكبرى 48% من الوفيات الناجمة عن الإرهاب العالمي في عام 2021م، وفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2022م. كما تشير التقديرات إلى أن أتباع تنظيم داعش في غرب إفريقيا يبلغون حوالي (5000) مقاتل في جميع أنحاء نيجيريا والنيجر وكذلك الكاميرون المجاورة. وهناك فرع آخر، ألا وهو "تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى"، والذي يعمل بالقرب من خليج غينيا، ويضم ما يقدر بـ (1000) مقاتل، كما يُقدر عدد مقاتلي تنظيم الدولة في موزمبيق بنحو (1200) مقاتل، إضافة إلى أتباع التنظيم في كل من ليبيا، والصومال.
وفيما يخص الشأن الليبي، فيبدو أن التنظيم يفكر في تكثيف نشاطاته في الأراضي الليبية. فوفقًا للعديد من التقارير، نشر التنظيم عبر حسابات منسوبة إليه خلال شهر رمضان الماضي ١٤٤٣هـ صورًا لعناصره هناك تحت عنوان: "يوميات جنود الخلافة في رمضان"، وكأن التنظيم يحاول اجتذاب عناصر –سواء عناصر جديدة أو قديمة تابعة له- لهذا البلد، موهمًا إياهم أن التنظيم يتمتع بقوة واستقرار في الأراضي الليبية. وإذا أضفنا إلى ذلك ما أوردته الجريدة التابعة للتنظيم خلال شهر يوليو ٢٠٢٢م من دعوة للانضمام للتنظيم في إفريقيا، وقبل ذلك الإعلان عن ولايتين جديدتين لـه بمنطقة الساحل في مارس، وفي موزمبيق خلال مايو 2022م؛ فيمكن اعتبار أن التنظيم يحاول الولوج لقلب القارة الإفريقية، مستغلًّا حالة عدم الاستقرار في بعض دولها.
وطبيعي أن تنظيمًا بعقلية داعش يحاول بسط نفوذه، وإنعاش أحلامه عبر أفريقيا، حيث يستغل الاضطرابات التي تشهدها بعض دول القارة الإفريقية، وما ينتج عن ذلك من غياب أمني، وتدهور اقتصادي، وسهولة التحرك من بلد لبلد، وكلها عوامل تجيد التنظيمات المتطرفة التعامل معها، واللعب عليها، هذا فضلًا عن التمويلات المالية التي يستفيد منها التنظيم من خلال بعض الدول الإفريقية. فبحسب تقرير موقع "Bloomberg" الذي أشرنا إليه أعلاه بشأن مصادر تمويل تلك التنظيمات، فقد كشف تقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن تنظيم داعش الإرهابي ما زال يحظى بالدعم المادي من مواليه بجنوب إفريقيا، حيث يقوم مُوَالو التنظيمات المتطرفة في أوغندا وكينيا بعمليات غسيل أموال، لدعم الجماعة الموالية لتنظيم داعش في الكونغو. فعلى الرغم من خسارة التنظيم لأراضيه في سوريا والعراق، فإنه لا يزال يسيطر على تدفق التمويل لأذرعه عالميًّا، ويتم تمرير تمويل أذرعه الإفريقية عبر مكتب التنظيم في الصومال.
وفي ضوء هذا النشاط البارز لداعش، لا يمكننا غض الطرف عن مؤشرات استعادة التنظيم الإرهابي لبعض نفوذه في سوريا، خاصة بعد الهجوم على سجن غويران بالحسكة، الأمر الذي يعد من بوادر محاولات تنظيم داعش استعادة قوته في سوريا، حيث هاجم مقاتلو التنظيم السجن بسيارة محملة بالمتفجرات ما مكن أكثر من (100) من المُوالين للتنظيم من الفرار، كما أشادت داعش بالعملية باعتبارها انتصارًا، حيث تمكنت من تحرير العديد من القادة، ومهاجمة سجن يخضع لحراسة مشددة. ومن الواضح أن التنظيم بات يسعى لإعادة ترتيب صفوفه مجددًا من خلال الاستفادة من التراجع الأخير للعمليات العسكرية ضده في سوريا. كما أنه أضحى يشن هجمات تودي بحياة العشرات، ويأسر ما تبقى مما يزيد نفوذه.
وثمة ملمح آخر ربما يكون تمهيدًا لعودة ظهور داعش بقوة على الساحة الدولية مرة أخرى، وهو التطورات العسكرية، والسياسية، والاقتصادية فلا شك أنها تمثل فرصة ذهبية لداعش من أجل لملمة أوراقه، وإعادة ترتيب صفوفه، خاصة في ظل انشغال القوى الكبرى عن مكافحة الإرهاب ولو بقدر ما. أضف إلى هذا التوابع العديدة لمثل هذه التطورات على العالم بأسره، سواء من حيث خلق مساحات من الفراغ الأمني في بعض الأماكن، أو التأثير الاقتصادي الذي طال الجميع، وهي أمور تمثل بيئة خصبة للإرهاب.
كل هذه المعطيات جعلت مسؤولي مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة خلال جلسة إحاطة مشتركة عقدت في التاسع من أغسطس ٢٠٢٢م يقررون –بحسب ما أورده موقع GTSC Homeland Security- أن التهديد الذي يشكله مقاتلو تنظيم داعش الإرهابي ومُوَالُوه لا يزال "عالميًّا ومتزايدًا".
وعليه؛ صرح رئيس مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة "فلاديمير فورونكوف"- في أثناء تقديم تقرير الأمين العام الخامس عشر- بأن تنظيم داعش وأذرعه لا يزالون يستغلون ديناميكيات الصراع، وهشاشة الأمن، والشعور بعدم المساواة للتحريض على الهجمات الإرهابية، والتخطيط لها وتنظيمها، مضيفًا أنهم يستغلون الإجراءات المتبعة جراء كوفيد-19 والفضاء الرقمي، لتجنيد المزيد من المتعاطفين.
إذن، لا يمكن الجزم أو الاطمئنان بأن التنظيمات الإرهابية قد أفل نجمها، أو ذهب خطرها، بل لا بد من إدراك أن تلك التنظيمات لا تزال تستطيع العودة للظهور بقوة مرة أخرى، ما لم تتواصل الجهود الأمنية والعسكرية والسياسية لتتبع فلول هذه التنظيمات.

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.