الجماعات المتطرفة

 

20 سبتمبر, 2022

بدعوى مناهضة الإجهاض .. جيش الرب أحد وجوه الإرهاب باسم الدين

      اعتادت بعض الوسائل الإعلامية حول العالم، ربط الإرهاب بالدين الإسلامي، لكن في الواقع فالعنف طبيعة بشرية بغض النظر عن الدين أو المذهب أو العرق، والحقيقة أن الازدواجية الإعلامية في التعامل مع جرائم بعض المنتسبين إلى الديانات المختلفة ساهمت في تفشي ظواهر العنف والكراهية بين الشعوب المختلفة، والترويج إلى ارتباط قسري بين الإسلام والإرهاب. ولسنا هنا بصدد الحديث عن خطورة إساءة استغلال المنصات الإعلامية على السلم والأمن الجمعي، وإنما نريد إلقاء الضوء على وجه آخر للإرهاب وهو منظمة (جيش الرب) في الولايات المتحدة التي تسيء استغلال تعاليم الدين المسيحي في تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية، واستخدام العنف وسيلةً للوصول إلى أهداف معينة تحت شعار:  (اقتل شخصًا واحدًا ترهب ألفًا آخرين).

وتستند العلاقة بين أفراد جيش الرب إلى التزام مشترك بمجموعة محددة من المعتقدات، ويمكن وصف هذه المجموعة من المعتقدات بالطريقة التالية:

أولًا: الرب يدعو أتباعه للعمل من أجل الحفاظ على قوانينه.

ثانيًا: الإجهاض -باعتباره مبدأ أساسيًّا في عقيدة عناصر التنظيم- جريمة قتل.

ثالثًا: المسيحي الصالح مُكلف من جانب الرب بمنع الآخرين من القتل، فإنه عليه منهج الإجهاض (بوصفه جريمة قتل) بأية وسيلة ضرورية، ويصنف قتل الطبيب الذي يشارك في عملية إجهاض تحت بند (العمل الفاضل)؛ لأنه يأتي في إطار "الدفاع" عن الأطفال الذين لم يولدوا بعد. ومنذ بداية ظهوره في عام 1980م، نفذ جيش الرب العديد من الهجمات والتفجيرات التي استهدفت عيادات الإجهاض، ما أسفر عن مقتل العديد من أطباء الإجهاض في الولايات المتحدة.

وينضم الأفراد إلى جيش الرب بالمعنى المجرد من خلال استيعاب أيديولوجيته، إلى حد كبير عبر شبكة الإنترنت. ونتيجة لذلك، فإن أعمال العنف تتم من خلال التشجيع بدلًا من التوجيهات، ويقوم بها أفراد متطرفون وناشطون ذاتيًّا. لذلك يُشكل جيش الرب أيضًا نمطًا من أنماط إرهاب الذئاب المنفردة.

ومن بين مقتطفات دليل جيش الرب: "أن جيش الرب جيش حقيقي، وأن الله هو الجنرال والقائد العام. لكن لا يتواصل الجنود عادة مع بعضهم البعض. فقد التقى عدد قليل جدًّا منهم ببعضهم بعضًا. وعندما يفعلون ذلك، عادة ما يكون كل منهم غير مدرك لوضع الجندي الآخر. هذا هو السبب في أن المباحث الفيدرالية لن تتمكن من وقف هذا الجيش أبدًا. ولم نبدأ حتى الآن في القتال".  

ويحدد الدليل كيفية التعامل مع عيادات الإجهاض؛ ويفصل طرق حصار المداخل، والهجوم بحمض البوتيريك، والحرق العمد، وصنع القنابل، وغيرها من الأنشطة غير القانونية؛ بلغة لا تقتصر على مناهضة الإجهاض فقط وإنما أيضًا النظام الحاكم. يبدأ الدليل بإعلان الحرب على صناعة الإجهاض ويتابع: "إن ربنا الإله ذو السيادة الأكثر رعبًا يطلب منا سفك دم الإنسان، ليس بدافع الكراهية، ولكن بدافع الحب للأشخاص الذين تبيدونهم، نحن مجبرون على حمل السلاح ضدكم .. الانتقام لله وحده. ومع ذلك، نادرًا ما يكون الإعدام لطيفًا".

وقد بلغت اعتداءات جيش الرب على الأطباء والعيادات منذ تقنين الإجهاض في الولايات المتحدة عام 1973م حوالي (2400) حالة. وقد شارك العديد من عناصر جيش الرب في حوادث إرهابية حظيت بتغطية إعلامية واسعة. منها اتهام "إريك روبرت رودولف" بتفجير أولمبياد أتلانتا، إضافة إلى تفجير عيادة إجهاض. وكذلك إدانة "جيمس كوب" في إطلاق النار على الطبيب "بارنيت سليبيان" عام 1998م. ويُعتقد أنه مرتبط بـ(٦) حوادث إطلاق نار أخرى مماثلة وقعت بين عامي (1994- 1997م) بالدافع نفسه. وكذلك "كلايتون واجنر" الذي أعلن مسؤوليته عن إرسال أكثر من (550) رسالة تهديد بالجمرة الخبيثة إلى العيادات التي تقدم خدمات الإجهاض في عام 2001م، وقد زيل العديد منها بتوقيع جيش الرب.

كما نشر تهديدات بقتل (42) شخصًا يعملون في عيادات الإجهاض على موقع جيش الرب. وغير ذلك الكثير من الحوادث التي ارتكبها عناصر هذه المنظمة التي تنسب نفسها للرب، وتدعي القتل باسمه.

ورغم اتفاق الديانتين الإسلامية والمسيحية على تحريم الإجهاض -إلا إذا كان هناك خطر على حياة الأم-  فإنهما لا يجيزان أبدًا اللجوء للعنف والقتل لمنع عمليات الإجهاض؛ لأنه إذا اختار كل فرد من أفراد أي مجتمع طريق العنف من أجل أن يطبق ما يراه مناسبًا له ويتوافق مع أفكاره هو فسوف تتحول المجتمعات إلى غابات. إن مناهضة الإجهاض أو أية فكرة أخرى لا تكون بالقتل والتدمير، وإنما بالحوار واستعمال لغة العقل، فالعنف ضعف في العقل والحجة وفقدان للمرجعية وبعدٌ عن الدين.

 إن الأديان السماوية في جوهرها رسالة سلام إلى البشر، بل إلى الحيوان والنبات والطبيعة بأسرها. ولم يولد الإرهاب من رحم الأديان السماوية، بل هو مرض فكري ونفسي، يبحث دائمًا عن مسوغات وجوده في المتشابهات والتأويلات المغلوطة. ويثبت التاريخ والواقع المعاصر أيضًا أن بواعث الإرهاب ليست قصرًا على الانحراف بالأديان نحو مفاهيم مغشوشة مدلسة، بل كثيرًا ما خرج الإرهاب من عباءة مذاهب اجتماعية واقتصادية، بل وسياسية، وراح ضحية الصراع والحروب من هذه المذاهب والفلسفات المادية آلاف البشر بل الملايين.

والمطالع لتاريخ الأديان وتعاليمها الحقة لا يجد فيها من قريب أو بعيد أي صلة أو مبرر للاعتداء على الغير أو التذرُّع بالدفاع عن حق الله وتمرير ممارسات لا يمكن بـأي حال من الأحوال أن تسمى دينًا، وإنما إرهاب وإجرام وخروج عن القانون، فضلًا عن كونها مخالفة للفطرة الإنسانية السليمة. وفي نظرنا ليست المشكلة في الإجهاض الذي يُعد ظاهرة اجتماعية لها ضوابطها التي تحدد قبولها أو تجريمها شرعًا وقانونًا، بقدر ما هي مشكلة في ظهور منظمات وحركات أمثال "جيش الرب" وغيرها تنسب نفسها للدين وتُنصِّب نفسها مدافعًا عن الأديان وقاتلًا باسم حماية الشرائع ومتحدّثًا باسم الرب – تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

ختامًا تجدر الإشارة إلى أن التشدق بالدفاع عن الأديان وإنفاذ الشرع هو عادة التنظيمات المتطرفة على اختلاف مسمياتها وانتماءتها الدينية، الأمر الذي يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الفكر الظلامي يخرج من مستنقع واحد، وأن أصحاب الأفكار المتطرفة يتبارون في تبني النظريات الفاسدة والمزاعم الواهية والتبريرات الزائفة بما أصابهم من فراغ فكري وخلل أصاب القلب والعقل فما كان منهم إلا التخبط والانحراف عن الفطرة الإنسانية السليمة والبعد عن تعاليم الأديان السمحة التي ما جاءت إلا بهدف إقرار السلام للبشرية جمعاء.

وحدة البحوث والدراسات