الجماعات المتطرفة

 

18 أكتوبر, 2022

هل كان من الممكن إنقاذ ضحايا داعش؟

 

     خلال الفترة التي سيطر فيها تنظيم داعش الإرهابي على مناطق واسعة من سوريا والعراق، وأعلن دولته المزعومة، انضمت أكثر من (550)[1] سيدة وفتاة أجنبية للتنظيم، وتعدَّدت طرق انضمام تلك الفتيات إلى التنظيم ما بين مجموعات اختارت الذهاب إلى هناك بمحض إرادتها ومجموعات أخرى –وهي قليلة بعض الشيء- أُجبِرَت على الذهاب سواء مرافقة لزوجٍ أو والدٍ. وفقد كثيرٌ من هؤلاء النسوة حياتهن إمَّا موتًا حقيقيًّا خلال العمليات العسكرية للتنظيم، أو معنويًّا داخل مخيمات للاجئين على الحدود السورية بين آلاف آخرين، دون مستقبل واضح أمامهن أو أمل في حياة. فماذا لو علمنا أنه كان من الممكن إنقاذ هؤلاء الفتيات اللاتي خُدعن أو استُجلبن للانضمام لصفوف ذلك التنظيم الإرهابي؟ وماذا لو أن إحدى الجهات الرسمية كان لديها المعلومات الكافية التي تمكنها من حماية تلك الفتيات اللاتي لم يَكُن بعضهن قد بلغن السن القانونية بعد، أكان يجب عليهن تحمل المسئولية والحيلولة دون وقوعهن في براثن التنظيمات المتطرفة؟ أم الصمت من أجل تحقيق هدف أكبر من مجرد استنقاذ فتيات ألقين بأيديهن إلى التهلكة؟

كشفت تقارير إخبارية([2]) -صدرت مؤخرًا- تورط إحدى الحكومات الغربية في إخفاء معلومات عن انضمام بعض من عرائس داعش للتنظيم، بل وأشارت تلك التقارير إلى أن جهاز استخبارات تلك الدولة كان لديه ما يكفي من المعلومات التي تمكنه من حماية تلك الفتيات من الوقوع في براثن ذلك التنظيم الإرهابي لكنه اختار أن يغض الطرف عن ذلك في سبيل أغراض أخرى.

لكن نعود مرة أخرى ونطرح سؤالًا مهمًّا حول مدى صدق تلك المعلومات، وهل من الممكن حقًّا أن يُغَض الطرف عن أمر بهذه الخطورة، لمجرد تأمين مصدر المعلومة؟

لقد انتشر خبر تعاون هذا الجهاز الاستخباراتي مع أحد مهربي البشر للالتحاق بتنظيم داعش في كتاب "التاريخ السري للعيون الخمس" للكاتب "ريتشارد كرباج"، ويَذكر كرباج في كتابه تفاصيل تعاون هذا الجهاز مع محمد الراشد، المهرب الذي ساعد العديد من الشباب الأوروبي على الالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي عبر المنطقة الواقعة على الحدود السورية التركية. كما تحدث الكاتب عن تعاون الجهاز مع "الراشد" بغرض التعرف على هُوِيَّات الشباب الملتحق بالتنظيم، وغير ذلك من المعلومات الاستخباراتية المهمة.

لكن ماذا فعل هذا الجهاز الاستخباراتي بتلك المعلومات التي حصل عليها نتيجة هذا التعاون، الذي لا يعلم أحد حتى الآن سببه، أو مدى ضرورته، أو مدى علمه بما كان يفعله ذلك المهرب مع الشباب وصمته المريب والمثير للريبة، بشأن معلومات كان من شأنها إنقاذ مئات، أو ربما آلاف الأرواح؟

الأدهى والأمر من كل ذلك، هو ما قاله رئيس وزراء تلك الدولة، عندما أحاطته وسائل الإعلام بأسئلتها عن تلك الواقعة، حيث لم يستنكر ما حدث، بل قال ببساطة: إنَّ جهاز الاستخبارات هذا لا بد أن يستخدم أساليب مرنة ومبدعة في عمله، مؤكدًا فقط أن جهاز الاستخبارات ملتزم بقواعد صارمة، ومبادئ وقيم يحترمها الشعب يتضمنها "إعلان الحقوق والحريات" في الدولة. فهل يشمل إعلان الحقوق والحريات التخلي عن إنقاذ أرواح بريئة في سبيل الحصول على معلومات استخباراتية لا يُعلم مدى جدواها وخاصة أن معظم هؤلاء الضحايا هم من الشباب المراهقين.

ضحايا داعش ليسوا فقط ضحايا العنف والقتل والتعذيب والاقتحامات التي اقترفها التنظيم بحق المدنيين من السوريين والعراقيين وغيرهم من عمال الإغاثة والصحفيين الأجانب؛ ضحايا داعش أيضًا هم هؤلاء الشباب المخدوعون، الذين نجح التنظيم في غسل دماغهم واستدراجهم للقتال في صفوفه أو الزواج بمقاتليه. وإذا كان لدينا السبيل لحماية الشباب من الوقوع فريسة لعمليات غسيل الدماغ أو حتى منعه عن المشاركة في ارتكاب جريمة بحق نفسه والآخرين، هل كنا لنمتنع عن طَرْق هذا السبيل بحجة تأمين المعلومات أو لأي سبب آخر "مرن".

مؤخرًا نشرت عدة منصات إعلامية أخبارًا جديدة، بعد انتهاء التحقيق مع محمد الراشد في السجون التركية وكشفه عن عقده اتفاقًا مع حكومة تلك الدولة المذكورة لمنحه جنسيتها وصفة اللجوء السياسي. فإذا غضضنا الطرف عن قرار هذه الحكومة العفو عن شخص كان مسئولًا عن تهريب من تصفهم الحكومات الغربية بـ"الإرهابيين"، دعونا نتساءل: ماذا لو كان مسئولًا عن تهريب أحد العناصر التي نفذت عمليات إرهابية داخل أوروبا، هل تعفو عنه دول الغرب وهي من كان يتشدق بالحديث عن رفض مسامحة أي من تلوثت يده بقتل أحد مواطنيها، بل ورفضها استعادة كثير منهم ومحاكمته، حتى وصل الأمر ببعض الدول إلى أن تسحب الجنسية منهم، وذلك مثل حالة "شميمة بيجوم".

وبالحديث عن شميمة بيجوم، وجب أن نذكر أن محمد الراشد هو المسئول عن تهريب شميمة وصديقتيها "قديرة سلطانة" و"أميرة عباسي" -البريطانيات- اللتين قُتلتا في غارات قوات التحالف على سوريا. أما شميمة -فكما هو معروف- نُزعت عنها جنسيتها، وهي الآن عالقة داخل أحد مخيمات اللاجئين بسوريا فيما يسعى محاميها لحث حكومتها على إصدار قرار بإعادة الجنسية إليها وإعادتها إلى بلادها لمحاكمتها هناك. والآن وقد انكشف أن هذا الجهاز الاستخباراتي كان على علم بدخول هؤلاء الفتيات إلى سوريا والتحاقهن بتنظيم داعش، هل نقول: إن يده قد تلطخت بدماء من مات منهن وأنه السبب في المأساة التي تعيشها الباقيات في المخيمات حتى الآن، مثله في ذلك مثل داعش؟!

إن حماية أمن الدول والدفاع عن مقدراتها أمر من الأهمية بمكان، ولا يمكن لأحد أن ينكره، لكن هل يمكن في سبيل تحقيق ذلك التخلي عن أمور أخرى تراها أجهزة الأمن والاستخبارات أقل أهمية من أقل أهمية من حياة الإنسان وحمايته ممن الوقوع في براثن الإرهاب؟ لو صدقت الادعاءات التي تقول بأن حكومة تلك الدولة وجهازها الاستخباري كان على علم بهويات الملتحقين من الشباب بتنظيم داعش، وصمتها عن تلك المعلومات، ألا يتعارض ذلك مع المسئولية الأخلاقية الملقاة على عاتق ذلك الجهاز والذي كان من الممكن أن تُنقذ أرواح نجح التنظيم في تجنيدها، أم نعتبر أن هذه الأرواح باتخاذها قرار الالتحاق بالتنظيم خرجت من دائرة التعاطف، وباتت مصالح الدول الأمنية القومية أعلى أهمية منهم. لكن -وكما ذكرنا من قبل- ماذا لو أن محمد الراشد ساعد في دخول أحد المدانين أو المشاركين في ارتكاب هجوم إرهابي داخل إحدى الدول الغربية، هل كانت ستصمت حكومات أوروبا عن ذلك أيضًا، أمام فكرة الأمن القومي، كما قد يدعي البعض؟ أم سيكون للأمر وجه آخر.

وحدة اللغة الإنجليزية