الجماعات المتطرفة

 

23 أكتوبر, 2022

معوقات تعليم أطفال اللاجئين وأثرها على الاندماج في اليونان

     كان ولا يزال حق الإنسان (بغض النظر عن العمر) في التعليم جزءًا أصيلًا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م؛ حيث تنص المادة (26) على أنه (لكلِّ شخص الحقُّ في التعليم. ويجب أن يُوفَّر له التعليمُ مجَّانًا، على الأقل في مرحلتيه الابتدائية والأساسية، ويكون التعليمُ الابتدائيُّ إلزاميًّا). كما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1989م، اتفاقية حقوق الطفل التي دخلت حيز التنفيذ عام 1990م، وقد تعهدت الدول الموقعة على هذه الاتفاقية بحق الطفل في التعليم، والتأكيد على إلزامية التعليم الأساسي وإتاحته للجميع بالمجان. كذلك صدر عن المنتدى العالمي للتربية عام 2015م (إعلان إنشيون) حيث تعهدت الدول المشاركة بتنفيذ جدول أعمال جديد للتعليم، ووضع رؤية جديدة مستقبلية تحت عنوان: (التعليم حتى عام 2030م).
وقد كان الإسلام سابقًا بالدعوة إلى التعليم والتعلم، فقال سبحانه وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. لكن الأوضاع في مخيمات اللجوء للأسف صعبة؛ حيث ينصب التفكير بالأساس على توفير سبل الحياة وتلبية المتطلبات الأساسية للأفراد من طعام وشراب وملابس وغيرها، ولذلك يحتل الاهتمام بالتعليم المرتبة الأخيرة على قائمة متطلبات. وفيما يلي سوف يدور الحديث عن إشكالية تعليم أطفال اللاجئين في اليونان.
حق التعلم في التشريع اليوناني:
وردت مسألة تعليم اللاجئين القُصَّر في التشريع اليوناني، تحت مسمى: (الدخول والإقامة والاندماج الاجتماعي لرعايا البلدان الثالثة في الأراضي اليونانية) من القانون رقم (3386) لعام 2015م، ويتيح للأطفال التسجيل في المدارس اليونانية حتى في حال لم تتوفر جميع المستندات القانونية المطلوبة. كذلك يوائم المرسوم الرئاسي رقم (220) لعام 2007م بين التشريعات اليونانية وقرارات التوجيه 2003/9 / EK لمجلس أوروبا، بشأن منح القصَّر واللاجئين القصَّر غير المصحوبين بذويهم - فرصة الحصول على التعليم بموجب نفس الشروط التي تُطبق على اليونانيين. بعبارة أخرى لكل قاصر مصحوب بذويه أو غير مصحوب بذويه، الحق في التعليم، طالما لا يوجد إجراء تنفيذي معلق ضده أو ضد والديه.
ويسعى نظام التعليم اليوناني - على غرار الدول الكبرى الأخرى في العالم الغربي- إلى تطبيق سياسات تعليمية جديدة في إطار جهود تلبية احتياجات اللاجئين والمهاجرين. وقد حذر السيد "لوران شابويز" مُنسق فريق استجابة اليونيسف لشؤون اللاجئين والمهاجرين في اليونان، من خطورة تنشئة جيل من الأطفال يفتقر للمهارات اللازمة، على مستقبل اليونان وقال: "التعليم حق أساسي لكل طفل أمله الوحيد هو إعادة بناء مستقبله. لا يمكننا التخلي عن هؤلاء الأطفال. بل على العكس علينا أن نعيدهم إلى المدرسة، ونسمح لهم بالتواصل والتفاعل مع الأطفال اليونانيين. إن ذلك أمرٌ حيوي للصحة العقلية والسلامة النفسية للأطفال اللاجئين والمهاجرين، وسوف يعيد تنشيط مسار نموهم، ويعيد لهم الشعور بالاستقرار".

مسارات تعليم أطفال اللاجئين في اليونان:

هناك نوعان من المدارس في اليونان بموجب القانون والدستور، الأول: المدارس الحكومية الرسمية العادية. الثاني: المدارس الجامعة بين الثقافات المتنوعة، وهى مخصصة لاستيعاب الطلبة من اللاجئين. لكن بشكل عام يستوعب نظام التعليم اليوناني أطفال اللاجئين عبر ثلاثة مسارات تعليمية:
• مباني رياض الأطفال التي تتبع مراكز الاستقبال وتحديد الهوية في مخيمات البر الرئيسي.
• فصول بعد الظهر في المدارس العامة والتي تم تخصيصها فقط لتعليم اللاجئين.
• فصول الاستقبال الصباحية داخل المناطق التعليمية في بعض المدارس العامة.
وتلعب هيئة منسقي تعليم اللاجئين دور حلقة الوصل بين نظام التعليم اليوناني وعائلات اللاجئين للعمل على إدماجهم داخل المجتمع. لكن التعارض بين تحديد مدارس جامعة بين الثقافات وإشكالية الدمج، دفع وزارة التعليم والبحوث والشؤون الدينية إلى إعادة النظر في القانون عام 2016م بهدف تعزيز الروابط بين المدارس الجامعة للثقافات المختلفة والمدارس اليونانية العادية. وتقدمت لجنة حكومية بمقترح خطة عمل لتعليم اللاجئين، وإنشاء وحدة معنية بالتنفيذ في وزارة التعليم والبحوث والشؤون الدينية اليونانية. وعليه برز نوعان رئيسيان من خدمات التعليم النظامي، هما:
1. إلحاق بعض الأطفال بالمدارس العادية، وهذا النوع تم تخصيصه لخدمة الأطفال المهاجرين.
2. يختص النوع الثاني بإنشاء صفوف استقبال جديدة في مدارس عادية قريبة لخدمة الأطفال اللاجئين الذين يعيشون في مواقع إيواء مفتوحة، حيث يلتحق الأطفال فيها بدروس ما بعد الظهر، ويتابعون فيها برنامجًا خاصًّا لتعلم اللغتين اليونانية والإنجليزية وتكنولوجيا المعلومات والرياضيات والموسيقى والتربية البدنية.
ومع استمرار التجربة تمكنت الجهات المعنية في نهاية السنة الدراسية 2017م-2018م من تسجيل نحو (62%) من الأطفال تتراوح أعمارهم بين (5 -17) عامًا من غير المصحوبين بذويهم المقيميين بالملاجئ، في مراحل التعليم النظامي. في حين بلغ معدل تسجيل الأطفال في الفئة العمرية (5-6) سنوات حوالي (76%) مقابل (42%) الأطفال بين (16- 17) 1عامًا، وذلك على الرغم من عدم توافر إحصائيات رسمية لمعدلات التسرب المدرسي.


معوقات تعليم أطفال اللاجئين في اليونان:

تبدو التدابير الحكومية السابقة غير كافية بسبب مجموعة من المعوقات أبرزها: نظرة المسؤولين اليونانيين إلى الطلاب اللاجئين باعتبارهم عبئًا مضافًا على المدارس اليونانية. ووفق "منظمة دعم اللاجئين في منطقة بحر إيجه" الأخير، فقد رفض المسؤولون قبول طلبات تسجيل أطفال مخيم (ريتسونا) الذي يبعد عن العاصمة أثينا حوالي (80) كيلومترًا، بذريعة ضعف القدرة الاستيعابية للمدارس، ومخاطر الصحة العامة وبخاصة خلال جائحة كورونا.
كذلك لا تبدو حال أطفال اللاجئين في الجزر اليونانية، أفضل من العاصمة أثينا. ووفق الإحصائيات الرسمية، فقد سجل الأطفال في الجزر اليونانية أدنى معدلات الالتحاق بالمدارس. وعن معاناة أطفال اللاجئين في الجزر اليونانية مع التعليم، يحكي طفل سوري يقيم بخيمة مقابلة لأحد مراكز استقبال اللاجئين في جزيرة "ساموس" عن مأساته اليومية قائلًا:" عندما تغرب الشمس ويحل الظلام، أحاول استذكار دروسي في الخيمة. بعض المنظمات منحتنا مصابيح، نظرًا لعدم توفر التيار الكهربائي. في الأشهر الأولى لقدومي إلى هنا كنت أجد بعضًا من وقت الفراغ، فكنت أمارس لعبة كرة القدم أو أذهب للجري. لكن منذ تم رفض ملف اللجوء الخاص بنا أجد نفسي أقضي الكثير من الوقت في التفكير في مستقبلنا. إنني لم أعد أشعر بطفولتي".
وبحسب منظمة (أنقذوا الأطفال) والمجلس اليوناني للاجئين، لم تتجاوز نسبة الملتحقين بالتعليم (15%) في مباني الإيواء على البر اليوناني، فيما بلغت النسبة (3%) فقط في مراكز الاستقبال وتحديد الهوية على الجزر اليونانية، رغم أن التعليم الحكومي للمقيمين باليونان بما فيهم اللاجئون وطالبو اللجوء الذين تتراوح أعمارهم بين (5 - 15) عامًا، إجباري بنص القانون. وكشفت إحصائيات العام الماضي عن تسجيل نسبة ضئيلة جدًّا من أطفال اللاجئين وطالبي اللجوء والبالغ عددهم (26) ألف طفل. وتجدر الإشارة إلى تأثير تفشي جائحة كورونا على صعوبة تسجيل أطفال اللاجئين وطالبي اللجوء بالمدارس الحكومية بسبب الإجراءات الاحترازية الصحية، وأبرزها تعطيل العملية التعليمية. أضف إلى ذلك نقص تقنيات التعليم البديل "التعليم عن بُعد" من حواسيب وشبكة إنترنت وغيرها، وعدم توفرها في مراكز إقامة المهاجرين واللاجئين.
في المقابل حصل الأطفال فوق (15) عامًا، على عناية خاصة فيما يتعلق بدروس اللغة والأنشطة الرياضية والفنية وبرامج التدريب التقني والمهني، مع فرصة للالتحاق بالمدارس الفنية والمهنية وغيرها من المدارس الحكومية، أو مواصلة تعليمهم في المدارس الثانوية، بعد اجتياز مرحلة تعلم اللغة اليونانية. يُذكر أنه يتم توفير برنامج دراسة مكثف لتعليم اللغة اليونانية للمراهقين الذين تزيد أعمارهم عن ثمانية عشر عامًا والذين أكملوا مرحلة التعليم الأساسي في وطنهم أو كانوا طلابًا ويرغبون في استكمال دراستهم الجامعية في اليونان. علمًا أن عدم تعلم اللاجئين اللغة اليونانية يُعد من أهم معوقات اندماجهم، خاصةً أنه وكما هو معروف فإن عدم معرفة لغة التدريس أو لغة الصف الدراسي يُشكل عائقًا منيعًا أمام قدرة الطلاب اللاجئين على المشاركة الفعّالة والتعلم والتواصل مما يُشكل حاجزًا يحول دون إدراجهم في نظم التعليم، ولا سيما عندما يكون الأطفال أكبر سنًّا. الأمر الذي ينتج عنه عزوف الأطفال اللاجئين عن الالتحاق بالتعليم النظامي مما يعيق عملية دمجهم في المجتمع.


فرص التعلم وتأثيرها على اندماج اللاجئين:

إن عملية دمج الطلاب اللاجئين الذين يعيشون في البيئات الحضرية تمت بسهولة في المدارس الرسمية الصباحية ولم تكن هناك مشكلات تذكر. لكن على الجانب الآخر فإن تحديد مدارس منفصلة لتعليم اللاجئين كان له الأثر السلبي، فبدلًا من أن يُسهم في الحد من رهاب الأجانب، ساهم في استهداف المدارس التي خُصصت لتعليم اللاجئين. وعانى المعلمون في تلك المدارس في سبيل إنجاح العملية التعليمية، وكانت تجربة تعليمية منعزلة لا تعبر عن الوضع الطبيعي.
إن الأطفال الذين تلقوا تعليمهم داخل المدارس الصباحية المنتظمة كانت لديهم القدرة على التفاعل والمشاركة الإيجابية بخلاف من تم تعليمهم في مدارس مسائية مُتعددة الثقافات لا يوجد بها طلاب يونانيون. ومن ناحيةٍ أخرى لا بد هنا من أن نُشير إلى أن المدارس المسائية هذه تُقدم فقط للطلاب شهادات حضور، بينما نظيرتها الصباحية تمنح الطلاب شهادات انتقال بين الصفوف، وأيضًا شهادات إتمام المراحل التعليمية، مما يُسهل عليهم انتقالهم إلى المراحل المتقدمة من التعليم، واستكمال باقي أوراق إقامتهم مما يساعدهم في الحصول على فرص عمل للاستمرار في البلد والاندماج.
ثم إذا انتقلنا للحديث عن الإنجازات التعليمية لطلاب المدارس المسائية التي تقتصر على الطلاب اللاجئين نجدها محدودة للغاية نظرًا لعدم تفاعلهم مع المجتمع اليوناني المحلي، ومن ثمَّ تكون لديهم مشكلة في تطوير مهاراتهم اللغوية. وهو الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الدافع لدى الطلاب من أجل مواصلة مسيرتهم التعليمية، وبهذا أصبح يُنظر إليهم على أنهم لن يستمروا في إقامتهم داخل اليونان، بل على أنهم في مرحلة عبور إلى بلدٍ آخر.

ختامًا

إذا كان هدفنا هو المحافظة على الحق الطبيعي للطفل اللاجئ في التعليم داخل اليونان، ومساعدته للحصول عليه وفقًا لكل القوانين والأعراف المُتبعة، فلا بد لنا من محاولة تذليل المعوقات والصعوبات التي تقف حائلًا أمام حصوله على هذا الحق. لهذا يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ضرورة مخاطبة الجهات المعنية داخل الدولة المُستضيفة من أجل تذليل عقبات تسجيل الأطفال اللاجئين في المدارس الحكومية لمواصلة تعليمهم عبر مراحله المختلفة، وأن يكون الهدف الرئيس لأية سياسة تعليمية هادفة في تلك البلدان، هو دمج الأطفال اللاجئين في المدارس الحكومية مع نظرائهم من أطفال البلد المُستضيف إضافة إلى دعمهم المستمر.
كما أنه على تلك الدول إعداد برامج توعوية لأبنائها من أجل تقبل الآخر بهدف تهيئة البيئة التعليمية المناسبة لأطفال اللاجئين، مع ضمان وصول الأطفال اللاجئين بشكل سلس ومستمر إلى نظام التعليم الحكومي، وذلك بتوفير الفصول الكافية لأعدادهم دون عزلهم، جنبًا إلى جنب مع تخصيص أعضاء هيئة التدريس لهم ووسائل نقل مناسبة تنقلهم من محل إقامتهم إلى تلك المدارس. فضلًا عن ضرورة العمل من أجل القضاء على كل أشكال التمييز والفصل بين أطفال اللاجئين وأطفال البلد من أجل المحافظة على الصحة النفسية لأطفال اللاجئين، وضمان اندماجهم في مجتمعهم الجديد، مع الحرص الشديد على تعليم أولئك الأطفال لغة البلد المُستضيف بكل الوسائل المُتاحة والمُمكنة لضمان تفاعلهم الإيجابي واندماجهم داخل المجتمع المُستضيف.

وحدة رصد اللغة اليونانية