كانت قضية القدس ــ ولا زالت ــ تحظى باهتمامٍ بالغ من جانب الأزهر الشريف، خاصة بعد أن أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بنقل السفارة إليها، حيث أثار هذا القرار ردود فعل واسعة في جميع أنحاء الدول الإسلامية، فضلًا عن العديد من الاحتجاجات التي اجتاحات الدول العربية.
وندّد رؤساء الدول وكبار الرموز الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية بهذا القرار، واصفين إياه بأنه قرار مجحف وغير مدروس.
وبعد ذلك جاءت أحداث مسيرة "العودة الكبرى" تزامنًا مع "يوم الأرض الفلسطيني"، الذي يحييه الفلسطينيون في 30 مارس من كل عام مطالبين بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي سُلبت منهم منذ عام 1948، وفي هذه المسيرة عمّت الاحتجاجات أرجاء الدولة؛ مما أثار الخوف لدى القوات الإسرائيلية ودفعها إلى إصدار منشورات تحذر من أي أعمال تتسم بالعنف والفوضى.
لقد شهدت فلسطين مؤخرًا أحداثًا دامية نتيجةً لهذه المسيرة حيث قُتل ما يقرُب من ستين شخصًا وأصيب العشرات، وإن كان غالبية الضحايا في المرات السابقة من الشيوخ والرجال والأطفال فإن الأمر يختلف هذه المرة، حيث تَصَدّرَ المشهدَ مجموعةٌ من النساء الفلسطينات المدافعات عن وطنهن، واللاتي أَعَدْنَ للأذهان دور المرأة البارز والمميز في مقاومة الاحتلال.
ومنذ أيام، أبرز "مرصد الأزهر" الخبر الذي نشرته صحيفة (الإندبندنت) بعنوان: "النساء تتصدّر الصفوف الأولى من الاحتجاجات في المنطقة العازلة لغزة"، ومُفاده: أن مجموعة صغيرة من الفلسطينيين جابهوا نيران القَنّاصة الإسرائيليين واستطاعوا الوصول إلى السياج المحيط في الأرض المحايدة للمنطقة العازلة بغزة، وأن النساء قُمن هذه المرة بالوقوف أمام المتظاهرين من الرجال محاولين حمايتهم من النيران الإسرائيلية يوم الجمعة.
وقالت تغريد البراوي، إحدى المشاركات في هذه الاحتجاجات: لن تُطلِقَ القوات الإسرائيلية النيران على النساء بالدرجة التي تطلق على الرجال، بالرغم من أن فكرة النوع والجنس لم تنقذ 160 امرأة من نيران الاحتلال في الأسبوع الأخير من احتجاجات المنطقة العازلة.
وفي سياقٍ متصل، قامت شيرين نصر الله، إحدى المُلَثَّمات المشارِكات في الاحتجاجات، بحرق العَلَم الإسرائيلي ورفعه عاليًا، وعندما شاهدها أحد الجنود الإسرائيليين، نادى عليها في مُكَبِّر الصوت قائلًا: "إذا اقتربتِ من السياج مرة أخرى، فسنطلق النيران عليكِ"، وقالت: "إن تهديده هذا لم يشعرني بالخوف"، مؤكدةً أنها ستقوم في المرة القادمة بحرق علم الاحتلال الإسرائيلي ورفع العلم الفلسطيني.
وتابعتْ: بأن هذا الشعور الغريب بالقوة تسلل إليها عندما اقتربت من السياج، موضّحةً أن هذا الشعور استمدته من موقف "عهد التميمي"، التي احتُجزت على خلفية صفع جندي إسرائيلي أمام منزلها.
إن هذه الأمثلة تستحق حتمًا الثناء، إذ إن هؤلاء النساء لم يرهبهن الرصاص، بل إنهن على استعداد للوقوف في وجه الرصاص بلا خوف أو تردد لحماية الأراضي الفلسطينية، إن هؤلاء الفلسطينيات يَتَحَلَّيْنَ بشجاعةٍ جديرةٍ بالثناء والتذكُّر في الدفاع عن الأوطان.
إن المتابِع للمشهد بشكلٍ عامّ يجد تبايُنًا كبيرًا بين مَن يدافع عن حقٍّ مسلوب مغتصَب يريد أن يسترده وبين مَن ينخرط وراء أوهام، مثلما تفعل الكتائب النسائية لـ "داعش"، التي ذاع صيتها في العامين الماضيين، والتي يتنوّع دورها ما بين توزيع السبايا وممارسات القمع ضد النساء اللاتي يخالفن القوانين المتشددة التي سنّها التنظيم؛ زعمًا بأنهن يقمنَ بدورهن في الجهاد وإقامة الخلافة المزعومة.
فشَتّانَ بين ما تقوم به المرأة الفلسطينية المناضِلة للدفاع عن وطنها وبين ما تفعله نساء "داعش"، فهذا دورٌ نسائي وهذا دور نسائي، بَيْدَ أن أحدًا لا يمكنه إلا أن ينحنيَ أمام المشهد الأول؛ إيمانًا بصدق القضية التي تتبنّاها هؤلاء النسوة، أما المشهد الآخَر فهو مشهدٌ مؤسف ومثير للشفقة، إذا قلنا إنهن مغلوبات على أمرهن، وإلا فحكهمن حكم الداوعش؛ أنهن خارجاتٌ مارقات، لذلك فإن "مرصد الأزهر" يُشيد بهذه المواقف البطولية، ويدعو المجتمع الدولي إلى التدخل لوقف الانتهاكات الإسرائيلية، واحترام حقوق الشعب الفلسطيني.
وحدة الرصد باللغة الإنجليزية