القضية الفلسطينية

 

16 مايو, 2018

تداعيات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف في عيون الصحافة الإسبانية

     تباينت الآراء والتصريحات وطريقة التناول لما يحدث في فلسطين عبر الصحف ‏الإسبانية بين مؤيد لما أقدمت عليه الإدارة الامريكية بنقل سفارتها إلى القدس كعاصمة للكيان الصهيوني، وبين مستنكر ورافض لهذه الإجراءات التعسفية، والمجازر الوحشية التي تقترفها قوات الاحتلال الصهيوني تجاه الفلسطينيين، الذين خرجوا للتظاهر رفضًا لتلك القرارات الجائرة.
بداية سلّطت صحيفة "السالتو دياريو" الإسبانية الضوء على المجازر الإسرائيلية في تقرير لها ‏تحت عنوان "إسرائيل تذبح العشرات من الفلسطينيين عشية الذكرى السبعين للنكبة"، حيث استنكرت الصحيفة الجرائم الوحشية التي أودت بحياة العشرات من الفلسطينيين في يوم شهد احتجاجات واسعة النطاق ضد نقل الولايات المتحدة الأمريكية لسفارتها من تل أبيب إلى القدس والذي يتزامن مع الذكرى السبعين للنكبة، التي أُعلن فيها عن قيام دولة الكيان الصهيوني الغاصب. وأشارت الصحيفة إلى أن أعداد الموتى والمصابين في تصاعد مستمر جرّاء الهجوم الوحشي الذي قامت به القوات الإسرائيلية باستخدام الأعيرة النارية، وقنابل الملوتوف المسيلة للدموع، والرصاصات المطاطية.
وأشارت الصحيفة إلى أن التجاوزات الإسرائيلية لم تقتصر على قمع المتظاهرين فحسب، بل امتدت إلى قصف المباني والمنشآت شمالي غزة، مما تسبب في سقوط العديد من القتلى، وتدفق الجرحى على المستشفيات التي لم تسلم كذلك من عمليات القصف الجوي. ورأت الصحيفة أن نقل الولايات المتحدة لسفارتها من تل أبيب إلى القدس هو بمثابة ضرب بالقانون الدولي عرض الحائط، وتجاهل لإجماع المجتمع الدولي على بطلان هذا القرار، وفي الوقت ذاته رأت أن هذه الخطوة تُمثل دعمًا واضحًا للسياسات الاستيطانية للكيان الصهيوني التي تزعم أن القدس عاصمة لها. كما استنكرت الصحيفة تجاهل السلطات الأمريكية لعمليات القمع التي تقوم بها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين، والمضي قدمًا في افتتاح مقر السفارة الأمريكية في القدس بمشاركة نجلة الرئيس الأمريكي ونائب وزير الخارجية الأمريكي بالإضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وفي المقابل نشرت صحيفة "لابانجوارديا" الإسبانية تقريرًا لها تحت عنوان "مقتل ما لا يقل عن  58 شخصًا بسبب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس"، وبالنظر فيما عرضته الصحيفة تعليقًا ونقلاً للأحداث الدامية نجد أنها تُبرز تلك الأحداث من خلال سردها لما حدث من تظاهرات في غزة والضفة الغربية ضد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في اليوم الذي تحتفل فيه إسرائيل بالذكرى السبعين للإعلان عن قيام الدولة الإسرائيلية. ورأت الصحيفة أن تلك المظاهرات غير منطقية، مبررةً ذلك بأن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أكد على أن نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل سوف يساعد على التقدم في عملية السلام، إلا أن هذا اليوم تحول إلى أكثر الأيام دموية منذ عام 2014. واكتفت الصحيفة بوصف ما حدث أنه عبارة عن تجمع الآلاف من الفلسطينيين وسيرهم تجاه الجيش الإسرائيلي المتمركز في أماكنه، وقيامهم بإحداث العديد من أعمال الشغب والفوضى مما دفع القوات الإسرائيلية إلى تفريق المتظاهرين. وفي عنوان جانبي كتبت الصحيفة على لسان أحد المتظاهرين "غدا سوف يكون يوم ألم وحزن لمكافأة أرواح الشهداء". وفي عنوان جانبي آخر نقلاً عن أحد المتظاهرين "فلنذهب إلى القدس ضد نقل السفارة الامريكية، فالقدس هي عاصمة لفلسطين وكلنا متحدون ضد القرارت الأمريكية". بل وصل الأمر إلى ادعاء الصحيفة بأن معظم البلدان ترى أن نقل السفارات هو الطريق الأمثل للوصول إلى اتفاق نهائي للسلام بين جميع الأطراف اليهود والمسلمين والمسيحيين. ومما لا شك فيه أن تلك التصريحات تعكس بشكل كبير توجه الصحيفة التي يبدو أنها تنحاز لمن يبدلون الحقائق ويزيفون التاريخ.
وقد أشار موقع التلفزيون الإسباني إلى قتل الجيش الإسرائيلي عشرات المتظاهرين الفلسطينيين في غزة احتجاجًا على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وأشارت الصحيفة إلى تظاهر ما يقرب من أربعين ألف فلسطيني على المناطق الحدودية، ورد القوات الإسرائيلية بالغازات المسيلة للدموع وبالأعيرة النارية الحية. إلا أن الموقع عرض التصريحات من الجانبين دون انحياز لأحد، حيث قالت إن الفلسطينيين اعتبروا ما يحدث مجزرة بمعنى الكلمة، بينما يرى الإسرائيليون أن ما يقومون به هو من باب الدفاع عن النفس والأرض. كما نقل تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي أكد على أن من حق أي دولة الدفاع عن أراضيها لإضفاء الشرعية على ما ترتكبه القوات الإسرائيلية من انتهاكات بحق الشعب الفلسطيني. وهذه التصريحات لا شك أنها تأتي في نفس السياق الذي يزيف التاريخ وهو مبني على مبدأ إعطاء من لا يملك لمن يستحق.. فأين كانت هذه الدولة المزعومة منذ سنوات!!
وبعد ذلك نقل الموقع الردود العالمية التي تناقلتها وكالات الأنباء، والتي كان من بينها تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة الذي وصف ما يحدث بـ"الوضع المقلق"، بينما وصف المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ما يحدث بـ"الصدمة" جرّاء سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى، مطالبًا القوات الإسرائيلية بضرورة وقف استخدام القوة الغاشمة. كما أورت الصحيفة إدانة فرنسا أعمال العنف التي اقترفتها القوات الصهيونية المسلحة ضد المتظاهرين، وتقدم ألمانيا والمملكة المتحدة والكويت بطلب إلى مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة لبحث تدهور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
وقد نوّه الموقع إلى أن المظاهرات العارمة وإدانات المجتمع الدولي للقرار الأمريكي لم تعد عائقًا أمام الإدارة الأمريكية من نقل سفارتها إلى القدس، وقد جاءت كلمات نجلة الرئيس الأمريكي معبرة عن المشهد أثناء مراسم افتتاح السفارة الأمريكية بالقدس، حيث قالت: "باسم الرئيس الأمريكي رقم 45 نرحب بكم لأول مرة من مقر السفارة الأمريكية في القدس عاصمة إسرائيل". وفي الوقت ذاته تقّدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بالشكر للرئيس الأمريكي على شجاعته ووفائه بالوعود التي تقدم بها للإسرائيليين!!!
بينما كان التقرير الذي أعدته صحيفة "إلموندو" الإسبانية حول ما يحدث في فلسطين من أكثر الأخبار قراءة على مدار اليوم والذي جاء بعنوان "الجيش الإسرائيلي يقتل 55 فلسطينيًا ويصيب أكثر من ألفي متظاهر". ونوهت الصحيفة إلى وجود ثمانية أطفال أقل من 16 عامًا من بين القتلى، في الوقت الذي نشر فيه الرئيس الأمريكي تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، صرّح فيه أن "هذا يوم عظيم لإسرائيل" ورد عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن القرار الأمريكي لنقل السفارة يؤكد على حقيقة بسيطة وكبيرة، وهي أن القدس كانت العاصمة الأبدية للشعب اليهودي في الثلاثة آلاف عام السابقة، وعاصمة الدولة الإسرائيلية خلال الـ70 عامًا الأخيرة، مشيداً في الوقت ذاته بدولتي جواتيمالا وباراجواي على نقل سفارتيهما إلى القدس في الأيام المقبلة. ولا شك أن هذه التصريحات تأتي في إطار خطة طمس الهوية العربية عن القدس.
بينما جاءت صحيفة "إلدياريو" الإسبانية بخبر تحت عنوان "مقتل 58 فلسطينياً بنيران إسرائيلية" حيث أشارت الصحيفة في ثنايا الخبر إلى قيام الجنود الإسرائييين بفتح النيران تجاه المتظاهرين في المنطقة الحدودية، وقد أسفر ذلك عن سقوط عشرات القتلى وآلاف الجرحى، في الوقت الذي لم تُسجل فيه أية حالة إصابة من جانب الجنود الإسرائيليين، في إشارة من الصحيفة إلى الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة ضد الفلسطينيين العزل، الذين خرجوا للتظاهر ضد القرار الجائر الذي أدانه المجتمع الدولي. ووصفت الصحيفة ما قامت به القوات الإسرائيلية بالقوة المفرطة وغير المبررة.