القضية الفلسطينية

 

12 يونيو, 2018

سكان القدس الشرقية يواجهون إجراءات إسرائيلية تعسفية خلال شهر رمضان

     يعاني سكان القدس الشرقية من إجراءات تعسفية متواصلة تمارسها ضدهم قوات الاحتلال الصهيوني خلال شهر رمضان، فقد أفادت مصادر عبرية عن فرض حزمة من الإجراءات التعسفية الجائرة المتخذة من قبل قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين، من بينها، منعهم من التجمع والمشاركة في فعاليات احتفالية بمنطقة "باب العامود" ــ المعروف بباب نابلس أيضًا، وهو من أهم وأجمل أبواب مدينة القدس المحتلة، الذي يكتسب أهمية كبرى كونه المدخل الرئيس للمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط البراق، بل وتضييق الخناق على المعتكفين بالمسجد الأقصى.
وعلى غرار ما يجري سنويًّا، وضعت بلدية القدس لافتات كبيرة تُهنئ السكان المسلمين بشهر رمضان، حيث وُضِعت إحدى تلك اللافتات في منطقة باب العامود، التي تُعد قلب القدس الشرقية، وعلى مقربةٍ من تلك المنطقة، يقف "مروان سُمارة" يبلغ من العمر 77 عامًا مُرتديًّا طربوشًا أبيض وسترةً تقليديةً.
"سُمارة" هو بائعُ العصير المعروفُ جيدًا لكل مقدسيّ يأتي إلى هذه المنطقة، في الصيف يتجول حاملًا خزَّان التمر هندي الكبير على ظهره، فمنذ خمسين عامًا يبيع في هذه المنطقة أكياس العصير، التي تُشرب في وجبة إفطار رمضان، وعلى بسطته الصغيرة يوجد ثلاثة أنواع من الأشربة، هي الليمون والتمر الهندي والخروب، الذي يعد أكثر الأشربة رواجًا في شهر رمضان، وهو الذي دومًا ينفَد أولًا.
وحتى فترة قريبة كان يبيع مشروباته دون حدوث أية مشكلة، لكن في الأسبوع الماضي أتى مراقبو البلدية ومنعوه من القيام بذلك، في الصدام الأول بينهما أخذوا بضاعته، وأراقوا العصير في مصرف الصرف الصحي القريب، وفي المرة الثانية اكتفوا بتغريمه بـ 475 شيكلًا، وقد علَّق "سُمارة" على هذا بقوله: "أنا هنا منذ خمسين عامًا، منذ الحكم الأردني. هناك أشخاص بلغوا من العمر عتيًّا اشتروا مني عندما كانوا صبيانًا، لا أعرف ماذا يريدون؟ لديَّ ترخيص، ولا أزعج أحدًا".. بالفعل يُقدم "سُمارة" رخصة تسمح له ببيع العصير من الخزَّان الذي على ظهره لكن وفق تقدير البلدية، لا يملك رخصة لإقامة بسطة.
إن التنكيل بـ "سُمارة" يُضاف إلى مضايقات أخرى صغيرة، لكنها مهينة، من جانب سلطات الاحتلال تجاه الفلسطينيين في القدس خلال شهر رمضان، ومن وجهة نظرهم، فإن نقل السفارة الأمريكية منح سندًا ودعمًا للسلطات الإسرائيلية، والثمن يدفعه سكان القدس الشرقية على حساب تقاليدهم الاحتفالية.
هذا ما حدث أيضاً يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، عندما أتى مئات الأشخاص للمشاركة في فعاليات احتفال ثقافي، نظمه نادي شباب أبناء القدس في ساحة منطقة "باب العامود" وبعد مرور عشرين دقيقة على بدء الاحتفال؛ فرَّقته شرطة الاحتلال بالقوة.
وبشكلٍ عامٍ، ومنذ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ترى شرطة الاحتلال أن كل تجمع لشباب فلسطيني على الدرج في ساحة منطقة "باب العامود" يُعَدُّ مظاهرة غير قانونية محتملة؛ تستوجب أن تنتهي بتفريق الحضور، كذلك أصبح الجلوس على الدرج خارج نطاق القانون.
هذا التنكيل الذي تمارسه شرطة الاحتلال لَحق أيضًا "بالمسحراتية"، أولئك الفتية الذين يوقِظُون بصورةٍ تقليديةٍ الصائمين لتناول وجبة السحور وصلاة الفجر، نجد أن "المسحراتية" أدوا وظيفتهم حتى العام الماضي دون مشاكل، وكانوا جزءًا لا يتجزأ من تقاليد شهر رمضان لكن في هذه السنة كما يبدو، وفي أعقاب شكاوى المستوطنين اليهود في الحي الإسلامي؛ بدأت شرطة الاحتلال في تَعَقُّب "المسحراتية" واعتقالهم، بذريعة إحداث ضجيج.
ويتساءل "محمد حجيجي" المسحراتي في البلدة القديمة: "لماذا أتوجس خيفةً طالما لم ارتكبْ محظورًا؟" مضيفًا أن هناك فئة كبيرة يريدون هذا وثلة آخرين يحتجون.
ومن الممكن أن نضيف أيضًا إلى هذه التنكيلات والمضايقات قرار البلدية توقيع مخالفات على المصلين الذين يوقفون سياراتهم في الشوارع المحيطة بالبلدة القديمة خلال أوقات الصلاة في أيام الجمعة في شهر رمضان. وفي المقابل؛ تدعي البلدية أن المخالفات تُفرض فقط على السيارات التي تُعيق حركة المرور.
شعيرة رمضانية أخرى تواجه صعابًا كبيرة في الأيام الأخيرة؛ ألا وهي شعيرة "الاعتكاف"، التي اعتاد المسلمون أداءها في العشر الأواخر من شهر رمضان في المسجد الأقصى، حيث إن الصلاة في تلك الليالي تحظى بالقبول والاستجابة من الله لكن في كثيرٍ من الحالات منعت الشرطة المصلين الذين حملوا الوسائد والأغطية، من الدخول إلى الحرم القدسي، إلا قلة قليلة ممن استطاعوا الدخول إلى الحرم حاملين متاعهم.
ويذكر الفلسطينيون أنه على خلاف السنوات السابقة مكَّنت شرطة الاحتلال اليهود والسُيَّاح من الدخول إلى ساحات المسجد الأقصى في العشر الأواخر من رمضان.
وقد شهد يوم الخميس الماضي 7 يونيو رشقًا بالحجارة داخل ساحات الحرم، حيث رشق عدد من الفلسطينيين قوات الاحتلال التي أمَّنت مجموعة من المستوطنين لحظة دخولهم إلى ساحات المسجد الأقصى.
ويعلق الفلسطيني "أحمد صُب لبن" أحد سكان البلدة القديمة، وهو باحث في جمعية "عِير عَمِيم"، على هذا بقوله: "لم يعودوا يقدِّرون التقليد والعرف الفلسطيني، ولا يعنيهم السكان"، مضيفًا أنه منذ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ انتاب الإسرائيليين شعورٌ بأنهم قد انتصروا في هذه الحرب؛ لذا فإن الفلسطيني الذي يعيش هنا أصبح إنسانًا أقل قيمة، وكذلك أصبحت تقاليده ومعتقداته أقل أهمية.
ووفقًا لأقوال "أحمد صب لبن"؛ فإن نقل السفارة أشعل في سكان القدس الشرقية الشعورَ بأنه توجد لديهم رغبة أقوى في إظهار حضورهم الفلسطيني في المدينة، إنهم يبحثون عن كل وسيلة لإرسال رسالتهم، لكن كل محاولة للقيام بذلك يتم الرد عليها بضربة من الاحتلال.
إن هذه الإجراءات التي تستهدف الفلسطينيين تأتي في سياق التمييز العنصري والتنكيل بالفلسطينيين والتضييق عليهم، وقمع حرياتهم، وسلب حقوقهم الإنسانية، ومساسًا بحرية الديانة والعبادة لدى هذا الشعب القابع تحت الاحتلال.
ويرى مرصد الأزهر أن الاحتلال لا يستنكف عن جرائمه، ولا يراعي حرمة شهر رمضان، ذاك الشهر الكريم الذي حلَّ هذا العام على الشعب الفلسطيني وقد سُلبت منه ظاهريًّا عاصمته القدس الأبدية، لكنها محفورة في وجدانه إلى الأبد، معتبرًا فرض الاحتلال قيودًا على المصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى المبارك، في حين سماحه للمستوطنين اليهود بانتهاك ساحاته وتدنيسها، بل واعتقال المسحراتي؛ ذلك الإنسان البسيط، الذي يعد رمزًا من رموز هذا الشهر الكريم، تطاول منه على التراث الفلسطيني الإسلامي.
ويؤكد مرصد الأزهر الشريف أن كل تلك الاجراءات التي تستهدف الفلسطينيين تأتي في سياق التمييز العنصري والتنكيل بهم والتضييق عليهم، وقمع حرياتهم، وسلب حقوقهم الإنسانية، ومحو تراثهم، والمساسِ بحرية ديانتهم وعقيدتهم.