هجمة استيطانية غير مسبوقة بمباركة دولية، تجتاح أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، تبتلع كل شيء دون رادعٍ؛ في كلِّ بقعة من أراضي الضفة الغربية، بمعنى آخَر؛ هي كخلايا السرطان، التي تنتشر وتنهش الجسد الفلسطيني، دون أن نستطيع استئصالها، أو نجد لها علاجًا، على الأقل، يساعد على وقف انتشارها.
فقد كشفت مصادر عبرية مطّلعة، أن إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أعطت الضوء الأخضر للكِيان الصهيوني بتكثيف البؤر الاستيطانية في الأراضي المحتلة، مشيرةً إلى أن ما تُسَمَّى وزارة "الإسكان والبناء" الإسرائيلية نشرت إعلانًا عن مناقصة لبناء 459 وحدة سكنية في مستوطنة "معاليه أدوميم"، في إطار مشروع "سعر مخفض للقاطن"، ووَفْقَ المناقصة؛ سيتم بناء 459 وحدة سكنية في خمس مناطق مختلفة، ويشار إلى أن كتيّبات المناقصة تمّ نشرها في 28 يونيو الماضي.
وذكرت المصادر العبرية أن رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" اتصل شخصيًّا، الخميس الماضيَ، بــ "بني كسرائيل"، رئيس مستوطنة "معاليه أدوميم"، وزفَّ إليه خبر التصديق على بناء 459 وحدة سكنية. وقد جاء في الملصق الذي وضعه "نتنياهو" على صفحته بالفيس بوك، موجِّهًا إياه إلى رئيس مستوطنة "معاليه أدوميم": "أود أن أزفَّ إليك خبرًا مُحَبَّبًا إلى قلبي وقلبك؛ فقد صدَّقتُ على بناء وحدات سكنية في "معاليه أدوميم"، علمًا أنها لن تكون الأخيرة؛ بل سيكون هناك المزيد والمزيد...".
وفي وقت سابق، أعلن وزير الأمن الصهيوني "أفيجدور ليبرمان"؛ أن المجلس الأعلى للتخطيط في الضفة الغربية سيُصَدِّق خلال هذا الأسبوع، على بناء ما يقرب من 2500 وحدة سكنية جديدة، على أن يتم الشروع في تنفيذها بمجرد التصديق عليها، كما سيصدّق على بناء ما يقرب من 1400 وحدة سكنية لتنمية وتعزيز عمليات التخطيط السكني في أكثر من 30 مستوطنة بالضفة الغربية.
وبدوره، توجّه رئيس المدينة الاستيطانية "معاليه أدوميم" بالشكر إلى رئيس الحكومة ووزير الأمن، قائلًا: "لقد حان الوقت لاستكمال البناء في "معاليه أدوميم"، بعد الحصول على موافقات على المستوى الدولي والمحلي".
ولم يقتصر هذا المرض العُضال على التصديق على بناء تلك الوحدات الاستيطانية السكنية الكبيرة على أراضي الضفة الغربية، بل كشفت صحيفة "هآرتس العبرية"، الأحد الموافق 24-6-2018، عن أن حكومة الاحتلال تواصل دعم ورصد الميزانيات للبؤر والمزارع الاستيطانية، التي بُنيت بشكل غير قانوني على أراضٍ ذاتِ ملكية خاصة للفلسطينيين في الضفة الغربية، والتي تُعَدُّ غيرَ قانونية من وجهة النظر الإسرائيلية.
وبحسب صحيفة "هآرتس"؛ رصدت حكومة الاحتلال مئات الآلاف من الشواكل، التي خصصتها لإقامة مزرعتين استيطانيتين على أراضٍ في الضفة الغربية، ليست خاضعةً لسلطة الاحتلال؛ ومن ثَمَّ تعتبرها غير قانونية. فقد نتج عن ذلك إقامة مزرعة في مستوطنة "إفرات" في منطقة "جوش عتصيون"، والأخرى في مستوطنة "جيفع بنيامين"، التي تقع في وسط الضفة الغربية. ووَفْقَ ميزانية مستوطنة "إفرات"، حوَّلت حكومة الاحتلال، العام الماضيَ، 992 ألف شيكل إلى المزرعة الاستيطانية هناك.
يُشار إلى أن "مجلس المستوطنات" في الضفة الغربية هو المسئول عن إقامة هذه المزرعة الاستيطانية، فيما تُخَصِّص وزارة التعليم الصهيونية ساعاتٍ دراسيةً لطلابها في هذه المزرعة؛ حيث صادقت الجهات الاستيطانية المحلية ووزارة التعليم على التواصل مع المَزارع التي تُستخدم في "التعليم الزراعي الإيكولوجي"؛ لجلْب الطلاب المستوطنين في الضفة الغربية للتعلم والدراسة بالمزارع الاستيطانية.
وقد أشارت "هآرتس" إلى أن هاتين المزرعتين تم الشروع في تجهيزهما قبل نحو عَقْدٍ من الزمان على أراضٍ لا تملكها إسرائيل؛ علمًا بأن إسرائيل لا تستطيع البناء على أراضي الضفة الغربية أو فرض شرعية على تلك المباني على اعتبار أنها غير شرعية وغير قانونية؛ لكونها بُنيت على أراضٍ فلسطينية، وتذكر "هآرتس" أن الصور الجوية الأرشيفية، التي تحتفظ بها منظمة "كيرم نافوت"، تُظهِر أن المنطقة التي أقيمت عليها تلك المزرعة الاستيطانية مُهِّدت في الماضي من قِبَل الفلسطينيين؛ ومن ثَمَّ تكون الأرض لمن مَهَّدَها، وذلك وَفْقًا للقانون العثماني الذي كان معمولًا به في الضفة الغربية.
وقد قال "درور إِطكس"، وهو عضو في منظمة "كيرم نافوت": "مرة أخرى، تُنهب مستوطنة "إفرات" وتُنهش أراضي جيرانها الفلسطينيين، وسيدَّعون، هذه المرة أيضًا، أنها أرضٌ تابعة لإسرائيل، كما هو الحال في المكتبة، والمتنزهات، ومواقف السيارات ونادي الشباب في المستوطنة، لكن الحقيقة بسيطة، تكمن في أن مستوطنة "إفرات" هي ذراعٌ أكثرُ تعقيدًا يُستخدم لسرقة ونهب الأرض، والمشاريع التي تديرها إسرائيل في الضفة الغربية".
وكانت الجهات المحلية في تلك المستوطنات قد ادّعت أن الأراضيَ تابعة "للدولة"، فيما قالت الإدارة المدنية لصحيفة "هآرتس": إن المحكمة العليا ستنظر في قضية تلك المزارع وقضايا تتعلق ببناء منازلَ في مناطقَ قد تكون ملكيتها لفلسطينيين، وإن قرار المحكمة سيُنفّذ، وإنه لا سلطة حاليًّا لهم على تلك المزارع.
وردًّا على ذلك، قال مسئولون في مستوطنة "إفرات": "على الرغم من حقيقةِ أن الأرض ليست داخل الخط الأزرق، إلا أنها تابعة لإسرائيل؛ إذ لم يَدَّعِ أحدٌ ملكيتها على مدى عقود، لكن العمل الزراعي في الموقع لا يتناقض مع خُطّة بناء المستوطنة، وكل ما تمّ وضعه هناك هو مبانٍ قابلةٌ للنقل".
بينما رفضت وزارة التعليم الإسرائيلية الإجابة عن أسئلة "هآرتس" فيما يتعلق بدعمها ومساندتها لتلك المزارع الاستيطانية، التي تمّ بناؤها بشكل غير قانوني، وذكرت أن "المَزارع أُنشئت من قِبَل الجهات الاستيطانية المحلية، وأن الوزارة تُخَصِّص ساعتين فقط للدراسة".
وفي سياقٍ متصل، تسود قرية "ياسوف" شرقَ محافظة "سلفيت"، حالةً من القلق والضغط الشديد، بعد قرار الاحتلال استنزافَ ما تَبَقّى من أراضيها الزراعية والرعوية.
ولم يَكْتَفِ الاحتلال بإقامة أسوأ حاجز في الضفة الغربية المحتلة فوق أراضيها، وهو حاجز زعترة، وإقامة ثلاث مستوطنات؛ حتى بدأ بمصادرة 150 دونمًا من أراضيها وتحويلها إلى أراضٍ تابعة للاحتلال، إضافةً لمصادرة 70 دونمًا لأغراض أمنية، وهو ما جعل أرض القرية مستنزَفةً بالاستيطان والحواجز الإسرائيلية، وطريقًا التفافيًّا استيطانيًّا، مع وجود معسكر لقوات الاحتلال، فضلًا عن اعتداءات المستوطنين، والتي كان آخرها إغلاق طريق "ياسوف" نابلس، من قِبَل المستوطنين قبل أيام.
ويؤكّد "مرصد الأزهر الشريف" أن وتيرة الهجمة الاستيطانية تَتسارع يومًا بعد الآخَر، في ظلّ سياسة ممنهَجة لأذرع الاحتلال الإسرائيلي؛ لتهويد أغلب القرى والمدن الفلسطينية.
وحدة رصد اللغة العبرية