القضية الفلسطينية

 

08 أغسطس, 2018

قانون القومية اليهودية.. تهويدٌ وعنصريّةٌ واحتلالٌ مستمر للأراضي الفلسطينية

     منذ أيام قليلة مضت، صدّق كنيست الاحتلال على قانونٍ أَدْمى جبينَ الإنسانية كلها، لا سيما الأحرار والشرفاء الذين لا يقبلون الضَّيم، ولا يزال نبض الشرف يَنْبِض داخلهم، معلنًا الأَنَفة والإباء.
فقد كان كنيست الاحتلال بصدد إصدار قانونٍ أساسي يهدف إلى تحقيق الحُلْم الصهيوني، قانونٍ تفوح من بنوده رائحة التهويد والعنصرية والمعاداة للشعب الفلسطيني والجمهور العربي.
إنه لمن المعروف لدينا جميعًا أن الكِيان الصهيوني يسعى منذ وجوده على الأراضي الفلسطينية إلى السيطرة الكاملة عليها، بما في ذلك مدينة القدس، وَفْقَ أيديولوجيات صهيونية ومعتقدات دينية، وهو يمتلك العديد من الأدوات التي يُطَوِّعها لتنفيذ مخططاته الخبيثة، والتي يأتي على رأسها إقامة المستوطنات وتقليص الحضور العربي.
لقد سَطَتْ تلك الجماعات الصهيونية قديمًا على أرضنا؛ إما بالتهجير القسري، أو بالإغراء المادي لشراء تلك الأراضي، أو هدمها بحجة أنها مبنية بشكل غير قانوني، وتمكنت بذلك من الاستيلاء عليها، وكانت هذه المخططات بمنزلة السرطان الذي انتشر بسرعة متناهية، فبدأ يَنْهَش في الأراضي الفلسطينية؛ حتى بات العرب فوق أراضيهم يُمَثِّلون -فقط- نحو 20% من سكان الأراضي المحتلة.
وإذا كان الكِيان الصهيوني يتغنّى كثيرًا أمام العالم بالمساواة بين الأقليات، وأنه الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق؛ إلا أن هذا القانون كشف عن وجه الكِيان الصهيوني القبيح، حيث لا مساواةَ ولا عدالةَ بين السكان في موارد هذا الكِيان الصهيوني، ولا في العمل أو التعليم أو الصحة...إلخ.
لقد كان هذا القانون عبارة عن سلسلة من اقتراحات قدّمها أعضاء من أحزاب يمينية متطرفة، مثل: حزب "كاديما" وحزب "الليكود"، أمام الكنسيت، في أغسطس عام 2011م، وكانت هذه الاقتراحات تنصّ على أن "إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي"، ووَقّع على هذا القانون حينَها حوالَي 40 عضوًا تابعين لأحزاب يمينية، ولقيت هذه الاقتراحات معارضة من أعضاء ومستشارين قانونيين؛ بسبب أن هذا القانون سيُلغي التوازن بين ديمقراطية الكِيان الصهيوني ويهوديته، وعندها سُحب الاقتراح.
وفي عام 2014م، أي: بعد مرور ثلاث سنوات، قامت حكومة الكِيان الصهيوني بتقديم اقتراحات لقانون القومية، ولكن لم يكن بنفس الصيغة التي نحن الآن بصددها؛ فلم يكن يحتوي على المادة السابعة، والتي تتعلق بالاستيطان الصهيوني، ومن ذلك الوقت كان شغْل الكِيان الصهيوني الشاغل هو محاولة بَلْوَرةِ هذا القانون وسَنّه.
وعلى الرغم من أن هذا القانون في حدّ ذاته ليس جديدًا من حيثُ ممارساتُ الكِيان الصهيوني الفعلية ضد الشعب الفلسطيني؛ إلا أنه يُعَدُّ وصمة عار على جبين هذا الكِيان الصهيوني المغتصِب، الذي طالما تفاخَر وتَغَنّى بالديمقراطية وحرية التعبير في الشرق الأوسط، وهي في الأصل ديمقراطيةٌ مزيَّفة وحريةُ تعبيرٍ لا أساسَ لها.
إننا الآن أمام قانون عنصري ضد الفلسطينيين، قانونٍ ينصّ على أن حق تقرير المصير في فلسطين المحتلة هو حق لليهود فقط؛ لذلك فهو لا يتفق مع القوانين الدولية، ويتعارض مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر في الـ 29 من شهر نوفمبر عام 1947م بشأن تقسيم فلسطين إلى دولتين، ذلك القرار الذي دعا كلتا الدولتين إلى تَبَنّي دستور ديمقراطي، دستورٍ غيرِ قائمٍ على التمييز بين السكان بسبب الدين أو اللغة أو الجنس.
ولقد تَغَنّى الكِيان الصهيوني كثيرًا بهذا القرار بعد إصداره عام 1947؛ حيث إنه كان اعترافًا بوجود هذا الكِيان، وسندًا قانونيًّا دوليًّا له ثقلٌ كبير في ذلك الوقت، بَيْدَ أن إسرائيل انتهكت كل القرارات والقوانين الدولية، ضاربةً بها عُرْضَ الحائط، وخرجت علينا بما يُسَمّى: "قانون القومية".

"عبرنة" الأراضي الفلسطينية المحتلة

يسعى هذا القانون في مادته الرابعة إلى ما يمكن تسميته "عبرنة" المؤسسات وجعل العبرية هي اللغة الرسمية للبلاد؛ وذلك بالإطاحة باللغة العربية بعد أن كانت لغة رسمية، وينص على أن استعمالها سيحدده القانون، كما أنه جعل الشريعة اليهودية هي المرجع الأساسي للتشريع، على الرغم من أن التمييز الديني داخل المحاكم الصهيونية كان ولا يزال قائمًا، إلا أن الكِيان الصهيوني يحاول تقنينه عن طريق هذا القانون.
وفيما يتعلق باللغة الرسمية، دعُونا نطرح سؤالًا؛ لماذا تكون اللغة العبرية هي اللغة الرسمية على الرغم من أن اللغة الأم لكثير من اليهود هي العربية؟ إن هذا البند يُعَبِّر بصورة جليّة عن رفض كل ما هو عربي، وإثبات وترسيخ اللغة العبرية كلغة واحدة وفريدة.
إن اللغة العربية ليست لغة المواطنين العرب وحدهم، إنمّا هي اللغة الأم لغالبية مواطني إسرائيل؛ نظرًا إلى أن المهاجرين اليهود الذين قَدِموا من الدول العربية والإسلامية كانوا يتحدثونها قبل انتقالهم إلى إسرائيل.
كما نَصّ القانون في مادته الثامنة على أن التقويم العبري هو تقويم الدولة الرسمي، ويشار بجانبه إلى التقويم الأجنبي، وهذا يعني أنه قد تمّ منع وإلغاء أيّ مكانة قانونية للتقويم الهجري.
ونصّ القانون في مادته التاسعة على أن ذكرى ما يُسَمّى بـ "الاستقلال" هو عيد قومي رسمي، وهي الذكرى التي تتزامن مع ذكرى مؤلمة للفلسطينيين والعرب، ألَا وهي ذكرى نكبة فلسطين، وَيْكأنّ هذا القانون يُمَثِّل نكبة ثانية للشعب الفلسطيني ولجموع العرب في العالم، كما نصّت المادة ذاتُها على أن ذكرى المحرقة، أو ما يُطلق عليه مصطلح "الهولوكوست" أو الأحداث النازية، وكذلك ذكرى سقوط قتلى حروب إسرائيل، هي أيام ذكرى رسمية أيضًا، ومن المعروف أن حروب إسرائيل في العصر الحديث كانت جميعها ضد العرب.

تهويدٌ وعنصرية

سعى القانون إلى تهويد كل الأراضي الفلسطينية المحتلة بمادته الأولى؛ حيث عرَّف الأراضي المحتلة بأنها الوطن القومي والتاريخي للشعب اليهودي، فهو لم يضع في حسبانه السكانَ العرب -الذين هم أهل هذه البلاد الأصليين- وضرب بهم عُرْضَ الحائط، ونصّ القانون في مادته الثالثة على أن عاصمة الدولة هي "أورشليم"؛ القدس الكاملة والموَحَّدة.
وفتح القانون الباب أمام ملايين اليهود من شَتّى أنحاء العالم للانتقال إلى إسرائيل، وجَمْعهم من الشَّتات المزعوم من خلال مادته الخامسة؛ بينما أغلق الباب ذاتَه في وجه الفلسطينيين اللاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم وأراضيهم، وأبطل حقهم في العودة؛ وبهذا يسعى القانون لجعل أرض فلسطين دولةً يهودية لليهود فقط، أما أصحابها الأصليون فهم أقلية لا مكان لهم سوى التخلّي عن هُوِيَّتهم والانصهار في بَوتقة الكِيان الصهيوني.
وعَلَتْ رائحة العنصرية المقيتة ضد المواطنين الفلسطينيين بسبب هذا القانون؛ حيث نصّ على أن اليهود هم فقط من لهم حقّ تقرير المصير في الأراضي المحتلة دون منازع، وألغى بذلك حقّ الفلسطينيين في تقرير مصيرهم على تراب أرضهم.

الاستيطان الصهيوني.. ابتلاعٌ للأراضي الفلسطينية المحتلة

لقد كان المشروع الصهيوني -بالفعل- في الأراضي المحتلة منذ بداياته يَهدِف إلى الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية؛ ومن هذا المنطلق اتخذت إسرائيل موقفها تُجاهَ الفلسطينيين، وقامت بتطبيق مشروع تطهيرٍ عِرْقيّ في الضفة الغربية، ومنْع لَمّ الشَّمْل وإلغاء حقّ العودة.
وفي الحقيقة؛ لم تَقُمْ مدينةٌ فلسطينية منذ وجود الكِيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، باستثناء القرى البدوية في "النقب" و"الضفة الغربية"، وهذه القرى البدوية قامت بنفس السياسة التي اتبعتها إسرائيل؛ وهي تقليص الموارد المعيشية لسكان البدو، مثل: قرية "أبو نوار" وقرية "خان الأحمر" البدوية، وغيرهما الكثير من القرى، فالمستوطنات اليهودية -بالطبع- لم تكن موجودة هناك إطلاقًا، بل إنها جاءت نتيجة لهذا المشروع الاستيطاني الصهيوني.
ويعمل هذا القانون على تكريس وجود الاحتلال الصهيوني وإضفاء الشرعية على المستوطنات في القدس والضفة الغربية، ويشجّع على تنفيذ مخططات التهجير ومصادرة الأراضي الفلسطينية؛ حيث نَصّ في مادته السابعة على أن الكِيان الصهيوني يرى في تطوير الاستيطان اليهودي قيمة قومية، ويعمل من أجل تشجيع الاستيطان وتعزيزه.
لقد كان العرب يُمَثِّلون 93% من سكان الأراضي الفلسطينية في الفترة التي صدر فيها "وعْد بلفور" المشئوم عام 1917، ‏وبسبب السياسات الاستيطانية الصهيونية قلَّت نسبة الوجود العربي تدريجيًّا وو‏صلت إلى 20% من نسبة السكان، وشرَع الكِيان الصهيوني في التعامل مع العرب على أنهم أقلية،‏ وأصبحت مؤسسات الكِيان الصهيوني تتعامل مع العربي على أنه غائب لا وجود له.
وتستهدف عملية التجريد هذه تهميشَ العربي، وهذا التهميش هو سلوك أساسي في الإدراك ‏الصهيوني للعرب، فالصهاينة ينكرون وجود أيّ هُوِيَّة سياسية وقومية لمَن سواهم.
وأصبح الكِيان الصهيوني ذا طابع يهودي، أي: أنه تَحَوَّل من كِيانٍ يَدَّعي أن له طابعًا ديمقراطيًّا إلى كِيانٍ ‏قوميّ للشعب اليهودي، ونحنُ نتحدث هنا عن كِيان لا يَخدُم جميع مواطنيه، بل يَخدُم مواطنيه اليهود فقط، ‏بالإضافة إلى تصنيف المواطنين فيه على درجات. ‏
وختامًا: فإن هذا القانون يُعَبِّر عن ازدواجية صارخة عندما يتعرض إلى الإسرائيليين والفلسطينيين، أو عندما ينظر إلى اليهود نظرة جماعية وأنهم أغلبية، بينما ينظر إلى الفلسطينيين نظرة دونيّة وفردية على أنهم أقلية، ويُعَدُّ ذلك تمييزًا إثْنيًّا بين الفلسطينيين واليهود، وهذا التمييز يؤدّي إلى إقصائهم في كل مَناحي الحياة.
والخوف كل الخوف أن يُشتقّ من هذا القانون، والذي يُعَدُّ من القوانين الأساسية التي يقوم عليها الدستور الإسرائيلي، قوانينُ أخرى في قابل الأيام، تكون بمنزلة كارثة ومأزق للفلسطينيين، ولن يكون لهم في ذلك الوقت حَوْلٌ ولا قوة.
إن هذا القانون يُشَكِّل تهديدًا خطيرًا على الوجود الفلسطيني على أرضه المحتلة، كما أن كونه قانونَ أساسٍ سيُمَهِّد الطريق لتنفيذ مخططات صهيونية تجعل الشعب الفلسطيني غريبًا على أرضه، بل قد تصل مخططاته إلى طرد الفلسطينيين وتشريدهم والتوسع في بناء المستوطنات الصهيونية، وهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم.
ولم يكن هذا القانون هو القانون العنصري الوحيد الذي شرّعه الكنيست، بل إن هناك سلسلةً من القوانين ‏العنصرية التي لا حصر لها، قوانين تستهدف المواطنين العرب تحت سطوة الاحتلال، ومنها: قانون "الوظائف ‏العامة في الدولة"، الذي بموجَبه تُمنح الأفضلية للمواطن الذي أدّى الخدمة العسكرية في جيش الكِيان ‏الصهيوني، وقانون "النكبة"، وبموجَبه لا يمكن إحياء ذكرى النكبة داخل المؤسسات ومعاقبة المخالفين لذلك، وقانون ‏منْع الأذان، وغيرها من القوانين التي لا يَتّسع المَقام لذكر تفاصيلَ عنها.
لقد كشف هذا القانون عن وجه الكِيان الصهيوني الحقيقي، وبعيدًا عن الاستنكار والتنديد، يجب على العرب والفلسطينيين أن يعلموا أن الكِيان الصهيوني لن يُقَدِّم حلًّا أو سلامًا قائمًا على وجود دولتين؛ فلقد أَقَرّ قانون القومية اليهودية العنصري أن "إسرائيل هي الوطن القومي لليهود، وهم فقط مَن لهم حقّ تقرير المصير فيها".
وطالما أن وجود النوّاب العرب داخل الكنيست الإسرائيلي لم يُقَدِّم للفلسطينيين شيئًا، فأجدى لهم أن يقاطعوه ويُحْدِثوا فراغًا فيه، ويكون ذلك بدايةً لمرحلةٍ جديدة من الصراع مع هذا الكِيان المُغتصِب.
وينبغي على الفلسطينيين التمسُّك بحقّ العودة الكامل إلى أراضيهم، تَمَسُّكًا لا رَجعةَ ولا هَوادةَ فيه.

وحدة الرصد باللغة العبرية