القضية الفلسطينية

 

15 يناير, 2022

الأقصى في عيون مرصد الأزهر خلال 2021م

 

 

الأقصى في خطر... بات عام 2021م أكثر الأعوام انتهاكًا وتدنيسًا لحرمة المسجد الأقصى المبارك من قبل المستوطنين الصهاينة المتطرفين منذ احتلال مدينة القدس عام 1967م؛ إذ وصل عدد المقتحمين المدنسين لساحاته المباركة إلى (33,523) صهيونيًّا في سابقة هي الأولى منذ وضع الصهاينة أيديهم على الأقصى المبارك.

وتدل مؤشرات العام المنصرم إلى أن العام القادم سيحمل مزيدًا من الألم والأسى على الأقصى المبارك نتيجة الانتهاكات السافرة التي تعرض لها المسجد، ما لم يتم اتخاذ خطوات فعلية لوقف هذا الإرهاب الغاشم الذي يحاول بشتى الطرق السيطرة على الأقصى وإرضاء المستوطنين المتطرفين الذين يستخدمهم الاحتلال أداةً فاعلة في مواءماته السياسية الداخلية.

ويتناول التقرير الذي بين أيدينا، بالشرح والتحليل والتعليق، أبرز الانتهاكات والاعتداءات الصهيونية بحق الأقصى المبارك طوال عام 2021م، التي هي حصيلة للرصد اليومي والمتابعة الحثيثة التي يقوم بها "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" على مدار أيام العام لكل ما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك. فالأقصى المبارك لا يغيب عن نظر المرصد، ولا تحيد بوصلته عنه، وهو دأب مؤسسة الأزهر الشريف منذ وقوع الأقصى تحت براثن الاحتلال الصهيوني عام 1967م.

ويُفرد التقرير عنصرًا لكل نوع من أنواع الانتهاكات الصهيونية المتعددة بحق الأقصى المبارك؛ حتى يقف القارئ على جميع الانتهاكات التي يتعرض لها الأقصى، وتتكون لديه رؤية كاملة عن المخاطر المُحدقة التي تُحيط به تحت نيران هذا الاحتلال، ليتحقق بذلك الغرض الذي يرمى إليه مرصد الأزهر؛ ألا وهو تعزيز التوعية بالقضية الفلسطينية، وخلق أجيال لديها قدرٌ كافٍ من الوعي بأبعاد القضية الفلسطينية، وفي القلب منها المسجد الأقصى المبارك، ليكون السبيل الأمثل لبقاء هذه القضية حيَّة في نفوس شباب الأمة، حتى يأذن الله بنصرٍ من عنده؛ تنقشع به غيوم الإرهاب الصهيوني، وتُشرق بقدومه أنوار الحرية من جديد على أولى القبلتين.

 

الأعياد الصهيونية.. مناسبات لاستعراض القوى داخل الأقصى:

تُعد الاقتحامات التي ينفذها المستوطنون المُتطرفون تحت عباءة منظمات الهيكل المزعوم وجماعاته المتعددة أخطر أنواع الانتهاكات التي يتعرض لها الأقصى بسبب أغراضها وأهدافها الخبيثة. ويُطلق تعبير: "اقتحام" للدلالة على دخول المستوطنين الصهاينة إلى باحات المسجد الأقصى المبارك وتجولهم فيها تحت حماية أفراد شرطة الاحتلال الصهيوني، وتُنفذ الاقتحامات بشكل يومي، عدا الجمعة والسبت وأيام أعياد المسلمين ومناسباتهم الدينية، على فترتين: صباحية ومسائية؛ الأولى: من السابعة حتى العاشرة والنصف (شتاءً)، ومن السابعة والنصف حتى الحادية عشر (صيفًا)، والفترة الثانية: من الثانية عشرة والنصف ظهرًا حتى الواحدة والنصف (شتاءً)، ومن الواحدة والنصف حتى الثانية والنصف (صيفًا).

بيد أن ساحات الأقصى تشهد اقتحامات وانتهاكات غير عادية خلال المناسبات والأعياد الصهيونية، ومن خلال الأحداث المتلاحقة خلال العام المنُصرم يؤكد المرصد أن تلك الأعياد الصهيونية ليست تواريخًا يحتفي بها الصهاينة داخل المسجد الأقصى المبارك والبلدة القديمة داخل مدينة القدس المحتلة فقط، بل باتت مناسباتٍ لاستعراض القوى الصهيونية، وفرصًا لممارسة التنظيمات المتطرفة لطقوسها الاستفزازية وغير الاعتيادية، والتي تُشير من خلالها لسعيها المستمر إلى تغيير الوضع القائم داخل الأقصى المبارك، وفرض التقسيم الزماني والمكاني، واستباحة ساحاته المشرفة في أي وقت شاءوا، في مقدمات للوصول إلى المأرب الصهيوني الخبيث؛ ألا وهو بناء الهيكل المزعوم على أنقاض الأقصى المبارك.

ولذلك، جاءت أبرز محطات الاقتحامات متزامنة مع الأعياد الصهيونية طوال العام، وهو نتيجة الدور الكبير الذي تمارسه منظمات الهيكل -المزعوم- في الحشد والتحريض عبر صفحاتها المتعددة على منصات التواصل المختلفة.

وتشهد باحات الأقصى المبارك أشكالًا من الطقوس الصهيونية الاستفزازية، والتي لا تتناسب وقدسية المكان، وفي حالات كثيرة تنجم بسببها المواجهات بين المرابطين والمصلين من ناحية والمستوطنين وجنود الاحتلال من ناحية أخرى، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى سقوط ضحايا ومصابين بين صفوف المسلمين، وكثيرًا ما يتعدى ذلك إلى توتر في أرجاء فلسطين المحتلة هبّةً للدفاع عن الأقصى، وهو ما حدث عام ٢٠٢١م، وتحديدًا في شهر مايو ٢٠٢١م، وأسفر عن استشهاد نحو (241) فلسطينيًّا، معظمهم في قطاع غزة.

وفيما يلي عرض لأبرز المناسبات الصهيونية:

  1. يوم عيد البوريم- المساخر: صادف الأحد الموافق 28 فبراير 2021م؛ حيث تم اقتحام "الأقصى" في هذا اليوم من قبل (233) مستوطنًا متطرفًا، كما شهد قيام مجموعات من المستوطنين بالرقص والغناء وشرب الخمر أمام بابي الحديد والقطانين، على مرأى ومسمع من شرطة الاحتلال الصهيوني، بل واشترك أحد الجنود الصهاينة في أداء الطقوس التلمودية مع مجموعة من المقتحمين.
  2. عيد الفصح: جاء في شهر مارس واستمر لأربعة أيام، واقتحم فيه نحو (1,700) مستوطن، وحدث عدد من الانتهاكات، من بينها تقديم شروحات وطقوس تلمودية عبر مكبر صوت، وقيام مجموعات من المستوطنين بالرقص والغناء في المنطقة الشرقية من الأقصى وعند أبوابه، وتعليق ملصقات تحرض على اقتحام الأقصى، فضلًا عن اقتحام منطقة القصور الأموية جنوب المسجد.
  3. ذكرى الاحتلال الكامل لمدينة القدس «مسيرة الأعلام»: يحتفل الصهاينة بذكرى إحكام قبضتهم الغاشمة على مدينة القدس في عام 1967؛ عندما احتلت القوات الصهيونية شرقي مدينة القدس، وكانت قد احتلت شطرها الغربي عام 1948م، ويُحيي المستوطنون هذه الذكرى -الأليمة على قلوبنا- بالدعوة إلى اقتحامات موسعة لساحات الأقصى المبارك، وتنظيم مسيرة يحملون فيها أعلام الكيان الصهيوني تجوب الأقصى وشوارع البلدة القديمة ومنطقة حائط المبكى، التي تقع بالكامل تحت سيطرة الاحتلال.

وشهد هذا العام تصعيدًا صهيونيًّا خطيرًا في ذكرى هذه المناسبة، والتي حلت في شهر رمضان المعظم، حيث تكررت اعتداءات قوات الاحتلال على المصلين والمرابطين، وأسفرت عن إصابة نحو (205) مصلِّين، كما منعت إدخال وجبات الإفطار للمصلين، ومنعتهم كذلك من أداء صلاة التراويح أكثر من مرة، ومن إحياء ليلة القدر.

ورغم أن هذا التصعيد قد وصل إلى ذروته في العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم، فإن الصمود الفلسطيني كان على موعد مع محطة أخرى من محطاته التي لا تتوقف، ففشلت هذه المحاولات من الجانب الصهيوني. وكانت هذه الاعتداءات هي الشرارة التي امتد مداها إلى جميع محافظات الوطن الفلسطيني المحتل، ودفع الأقصى ثمنًا لها؛ حيث أُغلقت أبوابه لمدة (19) يومًا جراء العدوان الصهيوني.

ورغم هذا فإن سلطات الاحتلال بتأثير كبير من منظمات الهيكل، أرادت حفظ ماء وجهها أمام الانتصار والصمود الفلسطينيين، فأعادت تنظيم مسيرة الأعلام بمشاركة عشرات المستوطنين فقط، تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال، التي حولت البلدة القديمة إلى ثكنة عسكرية.  ورغم كونها لم تستمر أكثر من ساعة، بسبب الفعاليات الفلسطينية التي حاولت منع المسيرة الاستفزازية، فإنها شهدت تطاولًا من قبل المستوطنين على الإسلام وعلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  1. ذكرى خراب الهيكل – المزعوم": وهي من أبرز المناسبات الصهيونية التي يتعرض لها الأقصى للتدنيس من قبل المستوطنين، وذلك راجع لعاملين: الأول: اهتمام الصهاينة بهذه المناسبة التي يعدّونها من أبرز الحوادث المؤلمة في تاريخهم. الثاني: تقاطع تاريخ هذه المناسبة –في السنوات الأخيرة- مع عيد الأضحى المبارك أو يوم وقفته أو الأيام الأواخر من شهر ذي الحجة، وهو ما يخلق حالة من التحدي لدى منظمات الهيكل، تدفعها إلى خلق تحريض المستوطنين وحشدهم لإثبات سيطرتهم على الأقصى حالة تقاطع المناسبات الإسلامية- الصهيونية. وفي العام المنصرم، وافقت هذه الذكرى الثامن من ذي الحجة 18 يوليو ٢٠٢١م، حيث اقتحم نحو (1700) مستوطن ساحات الأقصى.

وأدى المقتحمون طقوسًا علنية داخل باحاته المشرفة، وردَّدوا النشيد الرسمي الخاص بالكيان الصهيوني. وعمدت قوات الاحتلال إلى تفريغ المسجد من المصلين أمام تلك الاقتحامات التي انطلقت من باب المغاربة؛ حيث اقتحمت قوات الاحتلال الأقصى، واعتدت على المرابطين والمصلين بداخله، وأخلتهم، وأغلقت المصلى القبلي بسلاسل حديدية، ما أسفر عن إصابة عدد من المصلين واعتقال آخرين.

  1. أما شهر سبتمبر ٢٠٢١م، فقد شهد عددًا من الأعياد الصهيونية، تسببت في زيادة حادَّة في أعداد مقتحمي الأقصى مقارنةً بالشهور السابقة والتالية له؛ إذ اقتحم خلاله نحو (6,209) من الصهاينة نتيجة محاولة المنظمات المتطرفة إعادة الزخم لمخططاتها التي تصدى لها النضال الفلسطيني في أكثر من مناسبة.

وهذه الأعياد هي:

  • عيد "رأس السنة العبرية – روش هشّاناه": وصادف الـ 7 من سبتمبر ٢٠٢١م؛ حيث اقتحم "الأقصى" خلال يومي الاحتفال نحو (572) مستوطنًا.
  • عيد "يوم كيبّور - عيد الغفران"، وافق الـ 16 من سبتمبر٢٠٢١م، واقتحم "الأقصى" خلال يومي الاحتفال (660) مستوطنًا.
  • عيد "سوكوت - المظال أو العرش": امتد من 21 إلى 27 سبتمبر ٢٠٢١م، واقتحم "الأقصى" خلال أيام هذا العيد الصهيوني أكثر من (3,746) مستوطنًا.
  • "سمحات هتوراه - فرحة التوراة": وهو ختام موسم الأعياد الصهيونية خلال هذا الشهر، ووافق يوم الـ 8 من سبتمبر ٢٠٢١م، واقتحم فيه حوالي (151) مستوطنًا.

وشهدت ساحات الأقصى خلال هذه الأعياد تدنيسًا صارخًا، تمثَّل في أداء الصلاة العلنية، والنفخ في البوق في احتفالات رأس السنة العبرية، وإدخال القرابين النباتية إلى الأقصى، ورفع علم الكيان الصهيوني ثلاث مرات يوم الـ 27 من سبتمبر٢٠٢١م. وفي سابقة أدى المستوطنون الصهاينة طقوسًا يُطلق عليها "خدمة التابوت"؛ وهي طقوس تشكل الذروة في عبادتهم التي تؤدى في "عيد الغفران".

  1. "عيد حانوكاه": وبدأت احتفالاته من مساء 28 نوفمبر ٢٠٢١م، واستمرت حتى الـ6 من ديسمبر ٢٠٢١م، ومع الاقتحامات المستمرة، وصل التجرؤ الصهيوني على أولى القبلتين مبلغه عندما طالبت منظمة "نساء من أجل الهيكل" بإغلاق الأقصى أمام المسلمين في الأعياد الصهيونية، وفتح الأقصى يوم السبت أمام المستوطنين، وزيادة ساعات الاقتحام، وتغيير اسم باب المغاربة، وتسميته "بوابة هليل،" ورفع المقتحمون اللافتات الاستفزازية، والتي كان أبرزها لافتات كُتب عليها: "جئنا لنطرد الظلام".

 

دور منظمات الهيكل في التحريض على تدنيس الأقصى:

أصبح التحريض على اقتحامات ساحات الأقصى وتدنيسها مسرحًا تمرح فيه ما تسمى بـ"منظمات الهيكل" على مدار العام المنصرم؛ إذ شهد عام 2021م قفزة ضخمة في نشاط تلك المنظمات سعيًا منها إلى فرض تقسيم زماني ومكاني داخل الأقصى المبارك. وأبلغ ما يدل على تلك النشاطات غير المسبوقة لتلك المنظمات هو عدد المستوطنين الذي صُنِّف على أنه الأكثر منذ احتلال مدينة القدس عام 1967م، وهو نتاج التحريض الواسع الذي مارسته تلك المنظمات على الأرض، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

ونستطيع أن نُجمل دور منظمات الهيكل في الحشد والتحريض على تدنيس الأقصى المبارك، في محورين يكادان يجمعان بين طياتهما جميع أنشطة تلك المنظمات وأهدافها على النحو التالي:

المحور الأول: الضغط على حكومات الكيان الصهيوني لتنفيذ المزيد من الانتهاكات:

                تُولى منظمات الهيكل وجماعاته المتطرفة اهتمامًا كبيرًا عن طريق الضغط على المسئولين داخل حكومات الكيان الصهيوني المتعاقبة، خاصةً وأن عددًا من أعضاء الكنيست ينتمون إلى تلك المنظمات، كما أن لأصوات المستوطنين المتطرفين دورًا كبيرًا في أية انتخابات تُقام داخل هذا الكيان، وبالتالي فإن أية حكومة تحسب لهم ولمطالبهم ألف حساب، وتحاول أن تنفذ لهم مطالبهم، أو على أقل تقدير لا تصارح بمعارضتهم أو لا تقف بشكل صريح حائلًا بينهم وبين ما يريدون.

ولعل ما سبق يُفسر أبرز مطالبهم العام المنصرم، والذي جاء في الـ23 من مارس ٢٠٢١م، وقبيل انتخابات الكنيست، حين وجهت رسالة إلى رئيس حكومة الاحتلال حينها، "بنيامين نتنياهو"، تطالبه فيها بالسماح بتقديم قرابين الفصح في المسجد الأقصى، مقابل تأكيدها دعمها له في المحاكمة التي يخضع لها؛ وهو المطلب الذي تسعى جماعات الهيكل المزعوم إلى تحقيقه منذ أعوام لارتباطه بمزاعمها التلموديَّة.

وعلى الرغم من أنه لم يتحقق لها الحد الأقصى من مطالبها، إلا أننا نجد أن حكومة الاحتلال مكَّنت خلال أيام احتفالات الفصح الأربعة، أكثر من (1,700) مستوطن من اقتحام ساحات الأقصى المبارك، كما سمحت لهم بتقديم شروحات وطقوس تلموديَّة عبر مكبرات صوت، فيما قامت مجموعات من المستوطنين بالرقص والغناء في المنطقة الشرقية من الأقصى وعند أبوابه، وتعليق ملصقات تحرض على اقتحام الأقصى، فضلًا عن اقتحام منطقة القصور الأموية جنوب المسجد. وكلها انتهاكات نُفذت بفضل ضغط تلك المنظمات على المسئولين المتطرفين داخل حكومات الاحتلال.

وفي شهر نوفمبر تكشَّفت جوانب من الهجمة الشرسة التي تحاول تلك المنظمات تنفيذها على الأقصى من خلال الضغط على الحكومة الصهيونية؛ حين مارست ضغطها على ما يُطلق عليها: "لجنة التعليم" بالكنيست الصهيوني؛ لإدراج المسجد الأقصى موقعًا إلزاميًّا على جدول الجولات الإجبارية في المدارس التابعة لوزارة التعليم في حكومة الاحتلال، وشملت التوصية كذلك دمج مادة دراسية إجبارية عن الأقصى المبارك في دروس التاريخ بالمدارس، بعدما كان يُدرَّس في مواد اختيارية. حيث شارك عدد من الناشطين المتطرفين داخل منظمات الهيكل في النقاش خلال الجلسة التي عقدتها لجنة التعليم برئاسة عضو الكنيست المتطرف "شارن هسكل".

وفي السياق نفسه، طالبت منظمة "بيادينو" المتطرفة، خلال لقاء موسع عقدته منظمات الهيكل مع وزير الشئون الدينية داخل حكومة الاحتلال، "ماتان كاهان"، بفتح الأقصى في جميع أيام رمضان أمام الاقتحامات الصهيونية، ما يسمح لهم بتنفيذ اقتحامات ضخمة في عيد الفصح الصهيوني، والذي سيكون في الأسبوع الثالث من شهر رمضان المُعظَّم. واقترحت المنظمة -أيضًا- تخصيص المزيد من أبواب الأقصى لاقتحامات المستوطنين، وتعديل ما يُسمى: "قانون الأماكن المُقدسة الصهيوني"، ليشمل الأقصى المبارك باعتباره معلمًا دينيًّا يهوديًّا إلى جانب حائط البراق.

المحور الثاني: خلق رواية مزيفة وترسيخها في عقول النشء الصهيوني:

                تعمل تلك المنظمات، في مسارٍ متوازٍ، من خلال المحور الثاني على خلق رواية صهيونية –مزيفة- حول المسجد الأقصى المبارك وزرعها في نفوس المستوطنين المتطرفين وفي نفوس النشء الصهيوني؛ بهدف ربطهم بالمسجد الأقصى بوصفه مكانًا مُقدسًا لديهم، وضرورة العمل على تحقيق الحلم الصهيوني ببناء هيكل "مزعوم" على أنقاض الأقصى المبارك، أو على أقل الاحتمالات داخل باحاته المباركة.

ومن أجل الوصول إلى هذا المأرب الخبيث، تسلك تلك المنظمات وأعضاؤها مسارات متعددة، فنجد أن عام 2021م قد شهد نشاطًا متزايدًا وانتشارًا واسعًا على منصات التواصل من قبل تلك المنظمات، مقارنة بالسنوات السابقة، عبر إنشاء العشرات من الصفحات التي تحمل اسم الهيكل "المزعوم"، في الوقت الذي تمارس فيه منصات وشركات التواصل تحيزًا واضحًا لصالح الرواية الصهيونية والتضييق الشديد على المحتوى الرقمي الفلسطيني.

وعلى الأرض، برزت نشاطاتها في تنظيم العديد من الدورات التي تشمل محاضرات متعددة تزرع في عقول المستوطنين المتطرفين أحقية "مزيفة" ببناء الهيكل "المزعوم" على أنقاض المسجد الأقصى، وكيفية تنفيذ الاقتحامات اليومية لباحات الأقصى، والشروط التي يجب توفرها في كل مقتحم، والتحريض على ضمان التواجد الصهيوني بداخلها. حاضر من خلالها عدد من الحاخامات والشخصيات الصهيونية المعروفة بتطرفها تجاه المسجد الأقصى المبارك، أبرزهم: "مردخاي قيدار"، و"يهودا عتسيون"، وعضو الكنيست السابق "يهودا جاليك".

وفي تطورٍ خطير، عُقدت إحدى هذه الدورات داخل باحات الأقصى المبارك، يوم الـ 29/ 6/ 2021م، على مدار ساعتين كاملتين، قدَّمها الصحفي المتطرف، "أرنون سيجال"، وشارك فيها (35) مستوطنًا، تم توزيع شهادات عليهم في نهايتها. وفي الـ12 من أغسطس ٢٠٢١م أجرى الحاخام المتطرف "يهودا جليك"، لقاءً صحفيًّا في ساحات الأقصى، تناول فيه روايات مزيفة حول الهيكل المزعوم. كما أنشد المغنى الصهيوني "يائير ليفي"، المزمور رقم (121) عند درجات البائكة الغربية الشمالية؛ وهو نشيد يزعم المستوطنون أنَّه كان يُقام عند درجات المعبد المزعوم في بداية شهر "إيلول" العـبري، علاوة على رفع صور للهيكل المزعوم داخل باحات الأقصى، والتقاط الصور التذكارية.

ولا شك أن هذه الأنشطة هي التي يُحذر مرصد الأزهر من خطورة تداعياتها في المستقبل القريب على الوضع داخل الأقصى المبارك ومدينة القدس المحتلة ككل، خاصة وأن سلطات الاحتلال تحاول صبغ الاقتحامات بصبغة المطالبة الشعبية من قبل منظمات الهيكل والمستوطنين، ويتجلى ذلك في دعوات الحشد والمُطالبة الواسعة التي تسبق أي اقتحام لساحات الأقصى المبارك.

أمَّا عن مخطط ربط النشء الصهيوني بالمسجد الأقصى المبارك عبر خلق رواية مزيفة، فقد كان نوفمبر من عام 2021م شاهدًا على أبرز تلك المخططات؛ ففي الـ 18 من نوفمبر ٢٠٢١م أوصت لجنة التعليم بالكنيست الصهيوني بإدراج المسجد الأقصى المبارك موقعًا إلزاميًّا على جدول الجولات الإجبارية في المدارس التابعة لوزارة التعليم في حكومة الاحتلال، وشملت التوصية كذلك دمج مادة دراسية إجبارية عن الأقصى المبارك في دروس التاريخ بالمدارس، بعدما كان يُدرَّس في مواد اختيارية. وأمهلت اللجنة وزارة التعليم (8) أسابيع للخروج بالاستنتاجات والإجراءات المطلوبة .

جدير بالذكر أن توصيات اللجنة جاءت بالتنسيق مع منظمات الهيكل المزعوم وجماعاته المتطرفة؛ إذ صدرت تلك التوصية عقب جلسة عقدتها اللجنة برئاسة عضو الكنيست المتطرف "شارن هسكل"، وشارك في النقاش عدد من الناشطين المتطرفين داخل منظمات الهيكل.

دور  سلطات الاحتلال في دعم التواجد الصهيوني داخل الأقصى:

                لا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إن أي تواجد لنشطاء تلك المنظمات الصهيونية المتطرفة وأفراد المستوطنين داخل الأقصى المبارك يأتي بدعم كامل من سلطات الاحتلال المتباينة والمتتالية؛ إذ لا يقتصر هذا الدور على مجرد التأمين أو التمكين فقط، إنما يتعدى ذلك - في حالات ليست بالقليلة-  إلى كون عددٍ من مسئولي سلطة الاحتلال يقودون تلك الاقتحامات، بل ونجد رأس الحكومة الصهيونية وهو يُصرح بأن حرية العبادة داخل ساحات الأقصى مكفولة للصهاينة كما هي للمسلمين، وهي أمور تؤكد -بشكل لا ريب فيه- أن تلك المنظمات الصهيونية المتطرفة ما هي إلا أدوات يستخدمها الكيان الصهيوني لتحقيق الأهداف التي يرنو إلى تحقيقها غطاءً أو ربما ستارًا لتجميل صورته أمام العالم، وعدم الربط المباشر بينه وبين تلك الممارسات التي تنفذها تلك المنظمات.

 

ويعرض التقرير –بشكل موجز- أبرز المواقف التي تعكس دور سلطات الاحتلال المختلفة في دعم التواجد الصهيوني داخل باحات الأقصى المبارك خلال عام 2021م، على النحو التالي:

  1. توفير الحماية الكاملة للمقتحمين، وتهيئة الأجواء داخل باحات الأقصى لخدمة المستوطنين المقتحمين؛ حيث سلَّط المرصد –خلال عام ٢٠٢١م- الضوء على دور سلطات الكيان الصهيوني؛ ففي الوقت الذي توفر جميع التدابير الأمنية والاحترازية لحماية المقتحمين المتطرفين، تواصل بدورها تضييق الخناق على رواد المسجد الأقصى المبارك وسدنته وحُرَّاسه، ومن ذلك على سبيل المثال: عمدت خلال تلك الاحتفالات الصهيونية بعيد الفصح في مارس ٢٠٢١م إلى تهديد المُصلين ومنعهم من المكوث في مصلى باب الرحمة والمنطقة الشرقية من الأقصى، كما اعتقلت موظف لجنة الإعمار "عمران الأشهب"، والصحفية المقدسية "منى القواسمي"، وأصدرت العديد من أوامر الإبعاد التي كان آخرها تمديد إبعاد خطيب الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، لمدة 4 أشهر.

كما اعتقلت شرطة الاحتلال أكثر من (20) من حراس الأقصى، وأبعدتهم عنه لفترات متباينة، أُصيب أكثر من (15) حارسًا بالرصاص المطاطي في أثناء اقتحام قوات الاحتلال للمسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان.

  1.  مطالبة عضو الكنيست الصهيوني المتطرف "إيتمار بن جفير"، في يونيو ٢٠٢١م سلطات الاحتلال بفرض السيادة الصهيونية على المسجد الأقصى، مؤكدًا أن مطالبهم هي فرض السيادة الصهيونية على الأقصى المبارك، ورفع علم الكيان الصهيوني داخل ساحاته، وإبعاد سلطات الأوقاف الإسلامية، مشددًا على أنهم لن يتخلوا عن المكان الذي يُعدونه –وفق رؤيتهم الباطلة – المكان الأقدس للشعب اليهودي.
  2. تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني الجديد "نفتالي بينت" :

حيث سلط التقرير الضوء على الموقف الرسمي الصهيوني تجاه هذه الاقتحامات، والذي حمل دلالات خطيرة، خاصة في ظل تشكيل حكومة صهيونية جديدة بقيادة اليميني المتطرف "نفتالي بينت"، والذي وجَّه شرطة الاحتلال إلى تأمين تلك الاقتحامات، وأصدر تعليماته بضرورة استمرار اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى بشكل منتظم وآمن يومي 17 و18 يوليو ٢٠٢١م، أي عشية الاحتفالات بعيد الأضحى المبارك.

وأكد المرصد أن أخطر التصريحات الرسمية، كان تصريح رئيس وزراء الاحتلال، الذي قال فيه: إن "حرية العبادة مكفولة لليهود كما للمسلمين داخل الأقصى"، في دلالة واضحة على نية الاحتلال الخبيثة، وتوجه الحكومة الجديدة، لفرض واقع جديد داخل ساحات الأقصى المبارك، وهو ما يؤكد بدروه أن سياسة الاحتلال العدوانية تجاه الأقصى لا تتغير بتغير الحكومات، بل تزداد تطرفًا، رغبة في تحقيق مزيد من المكاسب السياسية.

ويلفت المرصد إلى أنه رغم تراجع رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني، نفتالي بينت، عن تلك التصريحات، بعدما أعلن مكتبه أن الحديث عن حرية العبادة لليهود كان "اختيارًا خاطئًا للكلمات"، وأنه ليس هناك أية نية لتغيير الوضع الراهن في الأقصى، وأن حرية العبادة مقصورة على المسلمين فقط، بينما للصهاينة حق الزيارة (الاقتحام) تحت حراسة الشرطة.

ورغم هذا فإن المرصد يؤكد أن "بينت" ما كان ليتراجع عن تصريحاته الخطيرة إلا تحت ضغط ردود الفعل الواسعة محليًّا وعربيًّا وعالميًّا، وكذلك خوفه من سقوط حكومته الجديدة، خاصة بعدما أصدرت القائمة العربية الموحدة -شريكته في الائتلاف الحكومي- بيانًا رسميًّا يوضح أن المسجد الأقصى حق أصيل للمسلمين دون غيرهم.

  1. تصريح وزير استخبارات الكيان الصهيوني السابق، "إيلي كوهين"، في أثناء اقتحامه ساحات الأقصى رفقة (100) مستوطن في يومٍ تزامن مع يوم عرفة، حين قال: "علينا أن نفرض سيادتنا على كل مكان في مدينة القدس، وجبل المعبد أهم مكان بها".
  2. قرار ما تُسمى بـ"محكمة الصلح" التابعة للكيان الصهيوني بالسماح للمستوطنين بأداء "صلوات صامتة" داخل الساحات، وهو القرار الذي يحضُّ على تزايد وتيرة الاقتحامات وشرعنته. ويحذر المرصد من خطورة التدخل السافر من جانب القضاء الصهيوني في شئون الأقصى المبارك، وقراراته العدوانية إزاء المسجد؛ إذ يسعى من خلالها إلى تغيير الوضع القائم لخدمة المستوطنين، وتمكينهم من أداء صلوات وطقوس لا تتناسب  ذلك المكان المُقدس، مشددًا على أن محاكم الكيان الصهيوني ليست صاحبة صلاحية وليست ذات اختصاص.

ولم يفت على منظمات الهيكل "المزعوم" الاحتفاء بهذا القرار على صفحاتها عبر المنصات الإلكترونية المختلفة؛ حيث دعت المستوطنين إلى تنفيذ المزيد من الاقتحامات، وقامت بتعديل برنامج الاقتحامات اليومية ليتضمن الصلوات والطقوس عوضًا عن الاقتحامات المجردة، وقال المتحدث باسم منظمات الهيكل، "أساف فريد": إن العودة إلى الأقصى حقيقة قائمة، بعدما اعترفت بها الشرطة، ومؤخرًا أعطتها المحكمة طابعًا قانونيًّا.

  1. وفي "عيد حانوكاه"، والذي بدأت احتفالاته من مساء 28 نوفمبر ٢٠٢١م، واستمرت حتى الـ6 من ديسمبر ٢٠٢١م، أضاء رئيس وزراء الاحتلال المتطرف، نفتالي بينت، شمعة "الحانوكاه" داخل أنفاق الحائط الغربي للأقصى، وأضاء وزير الدفاع شمعة أخرى في ساحة البراق بحضور الحاخام الأكبر للكيان الصهيوني "ديفيد لاو"، وعدد من المسئولين الصهاينة. كما أشعل وزير الأديان شمعة أخرى عند مدخل الأقصى المبارك، ودعا بأن يمنَّ الرب عليهم ببناء المعبد والعودة إلى ما أسماه: "أقدس مكان للشعب اليهودي".

الحفريات: سرطان ينهش في أساسات الأقصى:

كان عام 2021م –كسابقه من الأعوام- شاهدًا على استمرار عمليات الحفريات الصهيونية أسفل المسجد الأقصى المبارك وفي محيطه، تلك الحفريات التي هي بمثابة السرطان الذي ينهش في أساسات الأقصى المبارك، وهي سياسة تتبعها سلطات الاحتلال، من خلال الجمعيات الاستيطانية، وتسير فيها بشكل منتظم وثابت، من أجل الوصول إلى مبتغاهم من هدم المسجد الأقصى المبارك -لا قدر الله ذلك- وترصد لها سنويًّا نحو (١٠) ملايين دولار، وتُسخر لهذا الغرض عدة مؤسسات، أبرزها: "صندوق تراث حائط المبكى – البراق"، و"وزارة المالية"، و"سلطة الآثار"، و"الجمعيات الاستيطانية" المنتشرة في الضفة الغربية ومدينة القدس، بيد أن سلطات الاحتلال لا تعمد إلى إجراء حفريات من شأنها أن تؤدي إلى الهدم المباشر أو التصدع الكبير، وإنما تتبع في الشـأن سياسة "النفس الطويل"، كي يبدو الأمر أنه حدث بسبب الزلازل أو العوامل الطبيعية الأخرى، في حين تستمر في مخططها بخطوات ثابتة.

ويشير التقرير في نقاط إلى أبرز ما أجرته سلطات الاحتلال في هذا الملف طوال عام ٢٠٢١م على النحو التالي:

  1. نفذت آليات الاحتلال، في شهر يناير 2021م، عددًا من الحفريات بالقرب من حائط «البراق» ضمن مشروع استكمال تهويد ساحة «البراق» وجنوب غرب الأقصى، بعد أيام قليلة من تحريض أعضاء منظمات «الهيكل» وتقديمهم عرضًا لسلطات الاحتلال بتفكيك مسجد «قبة الصخرة» لإقامة هيكلهم المزعوم، وفي الـ13 من يناير ٢٠٢١م، قام فريق تابع للاحتلال بعمل مسح وتصوير ثلاثي الأبعاد لساحات المسجد الأقصى، دون أن تفصح السلطات الصهيونية عن الغرض من ورائه، إلا إن إحدى منظمات «الهيكل» المزعوم علَّقت بأن هذا المشروع تمهيد لبناء الهيكل داخل باحات الحرم الشريف.
  2. وفي شهر أكتوبر ٢٠٢١م، تم الكشف عن واحد من أكثر الأنفاق خطورة على مدار السنوات الماضية، قامت بتنفيذه سلطات الاحتلال وجمعية "إلعاد" الاستيطانية منذ مطلع عام ٢٠٢١م، ويبلغ طوله ما بين ٢٥٠ - ٣٠٠ مترًا، وارتفاعه نحو مترين، وعرضه من متر إلى متر ونصف، بعمق ١٥ مترًا تحت الأرض، لينضم إلى سلسة الأنفاق الكبيرة التي تحفرها سلطات الاحتلال أسفل المسجد الأقصى ومحيطه، وتتركز معظمها أسفل منطقتي وادي حلوة وعين سلون، بهدف تطويق المسجد وإحداث تصدعات وتشققات في الجهات المحيطة به، وهو ما ظهرت آثاره في مناطق متفرقة.
  3. وفي نوفمبر ٢٠٢١م، ظهرت بعض نتائج هذه الحفريات، عندما أعلنت دائرة الأوقاف الإسلامية عن وقوع انهيار جزئي في منطقة باب الحديد في الواجهة الغربية للمسجد الأقصى المبارك.
  4. وفي الـ29 من شهر أغسطس 2021م، قامت سلطات الاحتلال بالبدء في ترميم جسر المغاربة الخشبي المؤدي إلى باب المغاربة، استجابة لمطالب منظمات الهيكل؛ ليُتيح لقوات الاحتلال والمستوطنين استباحة الأقصى المبارك من هذا الباب الذي يحتفظ الاحتلال بمفتاحه منذ احتلال مدينة القدس عام 1967م، وهو انتهاك سافر لسلطات "دائرة الأوقاف الإسلامية".

 

الصمود الفلسطيني:

                رغم الوضع المحزن الذي يمرُّ به الأقصى جراء تلك الاقتحامات والانتهاكات، وجراء أعداد المستوطنين الآخذة في الازدياد عامًا تلو آخر، فإن المعول الوحيد على الحفاظ على أولى القبلتين هو صمود أبناء الشعب الفلسطيني المرابطين داخل الأقصى الشادِّين رحالهم إليه، والمدافعين عنه بدمائهم وأرواحهم، إنهم الصخرة التي دائمًا ما تتحطم عليها هواجس الصهاينة وأمانيهم منذ احتلال مدينة القدس عام ١٩٦٧م.

                ونجد الابتكار وتطويع الإمكانيات على قلتها حاضرًا في فعاليات الدفاع عن الأقصى المبارك من قبل رواده والمرابطين بداخل مصلياته وساحاته المباركة، من دعوات لشد الرحال وإطلاق الحملات المختلفة لشد الرحال إليه والرباط بداخله، والتي كان أبرزها: "حملة الفجر العظيم"، و"رباط الحمائل"، وتسيير الحافلات لنقل المُصلين من أرجاء فلسطين المحتلة إلى الأقصى المبارك.

                كما تتجلى أبرز صور الحشد داخل الأقصى المبارك في صلوات الجُمَع على مدار العام، إذ يؤدي صلاة الجمعة من كل أسبوع ما بين 45 إلى 50 ألف فلسطيني داخل باحات الأقصى المبارك، فعدد من يتواجد من المُصلين في جمعة واحدة يقترب من ضعف عدد المستوطنين الذين يدنسون ساحاته طوال عام كامل، وهي رسالة واضحة للاحتلال مفادها أنه لا مكان لكم في الأقصى.

                فيما كانت أبرز محطات النضال والصمود الفلسطينيين خلال عام 2021م حين أحيا أكثر من 50 ألف فلسطيني ذكرى الإسراء والمعراج، مما أجبر سلطات الاحتلال على منع الاقتحامات التي كانت تحشد لها منظمات الهيكل في هذا اليوم.

يُعد تقاطع المناسبات (الأعياد الإسلامية والصهيونية) هي أهم المشاهد التي يظهر بها تأثير النضال الفلسطيني دفاعًا عن الأقصى، وشهد عام 2021م واحدًا من أبرز هذه المشاهد؛ حين تقاطعت المناسبة الصهيونية التي يُطلقون عليها: "يوم القدس"؛ احتفالًا باحتلال الجزء الشرقي من مدينة القدس عام 1967م، مع إقامة المسلمين لشعائر شهر رمضان المعظم وما تمثِّله من قداسة.

وبدأ الأمر حين دعت منظمات الهيكل إلى اقتحامات موسعة لباحات الأقصى المبارك في ذكرى هذه المناسبة، والتي وافقت يوم الـ 28 رمضان ١٤٤٢ه/ 10 مايو٢٠٢١م، ومهدت لذلك باقتحام كبير في ذكرى قيام الكيان الصهيوني، كما قامت شرطة الاحتلال بطرد المُصلين، وبلغت الاعتداءات ذروتها حين اقتحمت قوات الاحتلال المسجد الأقصى، ودرات بينهم وبين المرابطين اشتباكات عنيفة، أُصيب فيها أكثر من (350) فلسطينيًّا، وانتهى الأمر بإفشال اقتحام الأقصى الذي دعا إليه المستوطنون، وكانت تلك الانتهاكات هي الشرارة التي اندلعت على إثرها المواجهات في جميع محافظات فلسطين انتفاضًا للأقصى المبارك، فيما قام الاحتلال بعدوانه على قطاع غزة، وانتهت تلك الأحداث باستشهاد (٢٤٨) فلسطينيًّا بينهم 66 طفلًا، إضافة إلى إصابة  1900 آخرين. 

ودائمًا ما يُشيد مرصد الأزهر بنضال وصمود أبناء الشعب الفلسطيني ودفاعهم عن الأقصى المبارك، ويؤكد على الانتصارات الكبيرة التي تتمخض عن هذا الصمود والنضال، والتي ما كانت لتتحقق لولا ما قدمه الفلسطينيون؛ انتصارًا لمقدساتهم ولأراضيهم المحتلة، وثأرًا لكرامتهم، ودفاعًا عن حريتهم وحقوقهم المغتصبة.

وفي الختام، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أنه مستمر في العمل على التوعية بالقضية الفلسطينية، وفي القلب منها قضية المسجد الأقصى المبارك؛ كونه أحد أهم المقدسات الإسلامية في العالم أجمع، وأنه حق للمسلمين وحدهم، لا ينازعهم في شبر منه أو حبة تراب منه منازع، حتى يأذن الله بنصر من عنده، وتنال فلسطين حريتها، ويتطهر الأقصى من دنس الصهاينة.

وفي هذا الشأن، يُذكِّر المرصد كل من يتسرَّب إلى قلبه اليأس من نُصرة القضية الفلسطينية، بكلمة فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف؛ لإيقاظ الهمم، حين قال:

"والذي أعتقده اعتقادًا جازمًا، هو أنَّ كل احتلال إلى زوال إنْ عاجلًا أو آجلًا، وأنه إنْ بدا اليوم وكأنه أمر مستحيل إلَّا إنَّ الأيام دول، وعاقبة الغاصب معروفة، ونهاية الظَّالم وإن طالَ انتظارها، مَعْلُومة ومؤكَّدة".

 

وحدة الرصد باللغة العبرية

 


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.