القضية الفلسطينية

 

06 سبتمبر, 2022

ابتزاز صهيوني.. "مقابر الأرقام" و"بنك الجلد" تنتهك القوانين الدولية والمعايير الأخلاقية

     تصاعدت وفق تقرير وزارة الإعلام الفلسطينية، معدلات احتجاز سلطات الاحتلال الصهيوني جثامين الشهداء الفلسطينين في الثلاجات خلال السنوات الماضية؛ حيث ارتفعت الحصيلة من (36) شهيدًا في فبراير 2019م إلى (72) شهيدًا في فبراير 2021م، ثم إلى (93) شهيدًا في فبراير 2022م، وصولًا إلى (105) شهيد محتجز في ثلاجات الاحتلال أبريل 2022م.

وبحسب معطيات الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، فقد وصلت أعداد الجثامين في مقابر الأرقام([1]) إلى نحو (256) شهيدًا، بينهم (9) أطفال، و(3) سيدات، و(9) أسرى قد أمضَوا مُدَدًا مختلفة في سجون الاحتلال؛ أحدهم الشهيد الأسير "أنيس دولة" من قلقيلية، حيث تحتجز سلطات الاحتلال جثمانه منذ عام 1980م حتى الآن، وتوفي في سجون الاحتلال نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمد (القتل البطيء). وتشمل القائمة أسماء الشهداء: "عزيز عويسات"، و"فارس بارود"، و"نصار طقاطقة"، و"بسام السايح"، و"سامي العمور"، و"سعدي الغرابلي"، و"كمال أبو وعر" وكان آخرهم الأسير "داود الزبيدي" الذي استشهد في شهر مايو الماضي.

وبدأت أولى فصول جريمة احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين، عام 1948م، فوَفق التقارير الصهيونية؛ احتجزت سلطات الاحتلال خلال حرب فلسطين، جثامين أكثر من (80%) من الشهداء الذين قُتلوا برصاص الجيش أو في عمليات فدائية، وحجب المعلومات عن أماكنِ احتجاز أغلب الجثامين، بل والأخطر من ذلك سرقة أعضاء هذه الجثامين.

وقد أظهرت صور العديد من جثامين الشهداء المحتجزين في ثلاجات الاحتلال، اختفاء بعض الأعضاء وإعادة خياطة الجروح بشكل يوحي أنه تعرضت للشق. وكانت وزارة الإعلام الفلسطينية قد نشرت فيديو بعنوان: "حتى جلودهم" يناقش قضية سرقة الاحتلال الصهيونى أعضاء جثامين الشهداء الفلسطينيين، ويوثّق اعترافات أطباء تابعين للكِيان المحتل بالحفاظ على شكل الجثمان كاملًا ظاهريًّا، لكن الحقيقة أنهم يسرقون كل شيء ويغلقونها بالغراء حتى لا تُكتشف الجريمة.

وفي كتابها: "على جثثهم الميتة"، كشفت الطبيبة "مئيرا فايس" عن تفاصيل جريمة سرقة أعضاء الشهداء الفسطينيين وكتبت:" في الفترة (1996- 2002م) كنت أقوم ببحث علمي في معهد الطب الشرعي بتل أبيب، وشاهدت كيف كانت تتم سرقة الأعضاء من جثامين الفلسطينيين. كانوا يأخذون أعضاء من الجسد الفلسطيني، قرنيات، وجلود، وصمامات قلبية، ولا يمكن لغير المهنيين أن يتنبهوا لنقص هذه الأعضاء، حيث يضعون مكان القرنيات شيئا بلاستيكيًّا، ويأخذون الجلد من الظهر بحيث لا ترى العائلة ذلك. ثم تستخدم الأعضاء -التي تتم سرقتها مِن قبل بنوك الأعضاء الأخرى في دولة الاحتلال- من أجل الزرع، وإجراء الأبحاث وتعليم الطب".

Image

ووثق فيديو آخر اعترافات إحدى الطبيبات، بامتلاك الكيان الصهيوني ما يعادل (170) مترًا مربعًا من جلود الشهداء. كذلك اعترف المدير السابق لمعهد الطب الشرعي بأنه استخرج بعض الأنسجة والأعضاء من جثامين الشهداء الفلسطينيين في أثناء عملية تشريح الجثث. وافتضح أمر بعض هذه الجرائم حين اكتشفت الأسر وجود غرز جراحية في جثامين أبنائهم. يذكر أن الكيان الصهيوني كان قد أسس ما يُعرف باسم (بنك الجلد) عام 1985م، بموجب فتوى مجلس الحاخامات الرئيسي، وذلك لعلاج جنود الاحتلال الذين أصيبوا بحروق، خاصة خلال الانتفاضة الثانية. وقد ساهم هذا البنك وفق مصادر طبية متخصصة بعلاج الحروق في إنقاذ حياة الكثير من جنود الاحتلال، وذلك بالطبع على حساب الشهداء الفلسطينيين.

دوافع صهيونية أخرى وراء احتجاز الجثامين

تكشف الشواهد والأدلة الفلسطينية والصهيونية عن وجود دوافع أخرى لاحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين غير سرقة الأعضاء؛ منها:

  صفقات تبادل الأسرى

 يستخدم الاحتلال احتجاز جثامين الشهداء ورقةً تفاوضية سياسية بوصفها نوعًا من الضغط والابتزاز السياسي، مقابل تلبية شروط معينة، مثلما احتجز الكِيان الصهيوني جثماني الشهيدين: "محمد فروانة" و"حامد الرنتيسي"؛ من أجل الإفراج عن الجندي الصهيوني المختطف آنذاك "جلعاد شاليط". وكانت المحكمة العليا قد أصدرت في سبتمبر 2019م قرارًا يُجيز للقائد العسكري احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين، ودفنهم مؤقتًا لغرض استخدامهم أوراقًا تفاوضية مستقبلًا.

وفي ديسمبر من العام الماضي أقر وزير الدفاع "بني غانتس" سياسة عدم تسليم جثامين منفذي العمليات الفدائية، بغض النظر عن نتائج العملية أو عن الانتماء الفصائلي للشهيد، ليسارع أعضاء في الكنيست باقتراح قانون يسمح لشرطة الاحتلال احتجاز جثامين الشهداء، في ظل غياب أي أساس قانوني يعطي الشرطة تلك الصلاحية التي تنتهك القوانين والاتفاقيات الدولية والإنسانية.

وخلال السنوات الأخيرة، جرى الكشف عن أربع مقابر تقع داخل أراضي عام 1948م، الأولى بداخل منطقة عسكرية عند ملتقى حدود فلسطين ولبنان وسوريا، وتضم رفات مئات الفلسطينيين واللبنانيين الذين قُتلوا في حرب 1982م وما بعدها. والثانية في منطقة عسكرية مغلقة أيضًا بين أريحا وغور الأردن، ويحيط بها جدار، وبوابة حديدية معلق عليها لافتة كبيرة كُتب عليها بالعبرية: "مقبرة لضحايا العدو". والثالثة في غور الأردن، والرابعة في قرية "وادي الحمام" شمال طبرية. وكانت سلطات الاحتلال قد أنكرت في البداية وجود هذه المقابر، لكن سرعان ما اعترفت بوجودها بعد صفقات تبادل الأسرى أو رفات جنوده.

في كل عام، يُكتشف قبر جماعي يمتلئ بالجماجم والعظام، يدل على مذبحة وإبادة ارتكبها الكيان الصهيوني، وكان آخرها قبر جماعي اكتُشف في "إيلات" للجنود المصريين الذين قُتلوا بعد وقوعهم في الأسر خلال حرب 1956م؛ والمقابر الجماعية والفردية هي أكثر مما كشف عنه، لكنها اندثرت أو أُخفيت، وضاعت الجثامين كما ضاعت الأسماء في غَمرة الصراع، وفرض الأمر الواقع بالقوة المُفرطة.

التخوُّف من تحول الجِنازات لمُظاهرات

إنَّ تشييع الشهداء المحتجزين يشعر أهاليهم بقيمة وكرامة الشهيد، وتكثر الدعوات بدعم أكبر لأهالي الشهداء المحتجزين، وتعمل على تكثيف المشاركة في وقفات المطالبة بالإفراج عن الجثامين والمشاركة في الجنازات المهيبة.

ووَفقًا لمنسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، فإن الاحتلال يخشى من جنازات شهداء القدس بسبب تحولها إلى مظاهرات وطنية كبيرة؛ لذا يفرض شروطه، ويتعمد الإفراج عن الجثامين في وقت متأخر من الليل، وأما مَن يخالف شروط الاحتلال في تشييع جثامين الشهداء، تُفرض عليه غرامات مالية كبيرة.

ويرفع الفلسطينيُّون دعاوى للمحاكم الصهيونيَّة لاستعادة جثامين الشهداء منذ التسعينيات، وأمام هذه الدعاوى المتعاقبة، يدَّعي الاحتلال أنَّ مراسم تشييع الشُّهداء قد "تُهدِّد الأمن وسلامة الجمهور (جنود الاحتلال والمستوطنين)، وبالتالي فإنَّ الإفراج عنهم منوطٌ بشروطٍ على الجِنازات اتباعها.

كما يهدف الاحتلال إلى عقاب عائلات الشهداء وذويهم، بهدف ردعهم ومضاعفة أحزانهم، وردع من بقي منهم حيًّا، حتى لا يفكِّر في الدفاع عن أرضه، وحرمانهم من كرامة الدفن وَفق الشرائع السماوية والمبادئ الإنسانية.

معاناة العائلات الفلسطينية

في ظل تشديد الإجراءات التي تفرضها سلطات الاحتلال لتسليم الجثامين، وخاصة في القدس المحتلة، والتي تشمل التسليم بعد منتصف الليل، واشتراط الدفن المباشر، منع عوائل الشهداء أو السلطات الفلسطينية من إجراء تشريح للجثامين، وبحضور عدد محدود من الأقارب، إضافة الى دفع الأهل غرامة تصل إلى (ستة آلاف) دولار، تتخذها السلطات "الصهيونية" وسيلة لابتزاز أهالي الشهداء، الذين يعيشون في قلق وخوف ولهفة أمل اللقاء الأخير. فهُم يشعرون بالألم طيلة فترة الاحتجاز، ويتمنون الإفراج عن جثامين أبنائهم وتشييعهم.

 وانطلاقًا من الجرح العميق والأسى الذي تعاني منه عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى سلطات الاحتلال، أطلقت العائلات في شهر يونيو 2022م حملة شعبية بعنوان: "بِدْنا أولادنا"؛ لاستعادة جثامين أبنائهم المحتجزة في ثلاجات الاحتلال ومقابر الأرقام. جاء ذلك خلال وقفة بميدان المنارة في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، شاركت فيها عائلات وأقارب الفلسطينيين المحتجزة جثامينهم، وانتهت بمسيرة رفعوا خلالها صور أبنائهم.

وانطلاقًا من مسؤولية مؤسسة الأزهر تجاه القضية الفلسطينية، كان مرصد الأزهر قد حذَّر في تقرير له من قبل بأن "مقابر الأرقام"؛ هي الصندوق الأسود لجرائم الكِيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، ولطالما حذَّر من احتجاز رفات جثامينهم، ومن حظر الاحتلال الدخول إليها؛ سواء من قبل ذويهم أو من مؤسسات حقوق الإنسان، لتبقى تلك المقابر طيَّ الكتمانِ والنسيان، ولا تُنشر أيةُ معلومات شخصية تتعلق بهؤلاء الشهداء.

 وأكد المرصد، أن احتجاز جثامين الشهداء عملٌ غير إنساني، ومحرمٌ في الشرائع السماوية، ومخالفٌ لكل الأعراف والمواثيق الدولية، وأن "مقابر الأرقام" هي إهانة لإنسانية البشر، في حياتهم وبعد موتهم، ويستصرخ مرصد الأزهر الضميرَ الإنساني، والمجتمع الدولي بمؤسساته كافة، للإفراج عن جثامين الشهداء؛ فمِن العار أن يَصمُت المجتمع الدولي على تلك الإهانة والجريمة النكراء، في ظل انعدام إنسانية هذا الكِيان الصهيوني المستبد، وحرصه على معاقبة الفلسطيني والعربي حيًّا أو ميتًا، بشكل يعبِّر عن حقده، وإجرامه، وعنصريته.

وحدة الرصد باللغة العِبرية

 


[1] - مدافن سرّية محاطة بالحجارة دون شواهد، ويُكتفى بتثبيت لوحة معدنية أعلى القبر تحمل رقمًا معينًا بديلًا عن أسماء الشهداء، ولكل رقم ملف لدى الجهات الأمنية المسؤولة يشتمل على المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد.


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.