للعرب وللناطقين بالعربية تراث عظيم من الحكمة التي سُكت على مدار قرون من التجارب الإنسانية الوافرة بكل تنوعها من حيث الجغرافيا والأزمان والحوادث والأديان... فإليكم بعض جوانب الحكمة الوجيزة المنطق، الغزيرة المعنى التي تتداعى في الذهن لتوصيف الحال القائمة بسرد بعض المواقف التي حدثت منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ وما ينطبق عليها من حكم عربية.
الموقف الأول: أُخِذَتْ إسرائيل على حين غرة في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ بعملية طوفان الأقصى؛ وفي هذا تصدق الحكمة: ما أشبه الليلة بالبارحة! أي: ما أشبه بعض المواقف ببعض... كيف لا وصفعة السادس من أكتوبر ما زالت تكوي المجمع الاحتلالي المسمى "إسرائيل"، فلا يقدرون على الفكاك منها إلا باختلاق الأكاذيب عنها لتسفيهها في كتب التاريخ والعسكرية وأفلام السينما!
الموقف الثاني: الزعم بالتأمين التام والسيطرة الجوية المطلقة للمجمع الاحتلالي في أجوائه وخارجها؛ ومع ذلك نفذ أصحاب الحق في كلا التاريخين: (السادس من أكتوبر ١٩٧٣ والسابع من أكتوبر ٢٠٢٣؛ مع التسليم الكامل بالفوارق الضخمة بين العمليتين) هجومًا جويًّا كانت به البداية والفتح الإستراتيجي... وفي هذا تصدق الحكمة: إنّ الجبانَ حَتفُهُ مِنْ فوْقِه!
الموقف الثالث: تمادى المجمع الاحتلالي في غيه واطمئنانه إلى انتهاء الوجود الفلسطيني بشكل أو بآخر بفعل موات القضية، ودلل على ذلك شهود رئيس وزرائه الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل "طوفان الأقصى" بأيام، عارضًا خريطة المنطقة دون وجود للأراضي الفلسطينية – لا محتلة ولا مستقلة! والشعوب لا تستكين ولو طال الأمد، وقد بات ميقونًا أن المطالبة الخافتة مضيعة مؤكدة؛ فكان طوفان الأقصى... وعلى هذا تصدق الحكمة: إن الحديد بالحديد يُفْلَح!
الموقف الرابع: ظن المجمع الاحتلالي أن إطالة أمد الحصار على غزة وأهلها سيحول دون الرد؛ وظنوها "خَصَاصًا" (أي شريطًا ضئيلًا) مآله إلى الطرد إلى سيناء، فإذا بالشريط المستَصْغَر يأتي بشيء عجيب، وتقف مصر له سندًا وسدًّا منيعًا من التطهير العرقي والتهجير القسري... وفي هذا تصدق الحكمة: إنَّ الخَصاص يُرَى في جَوْفِها الرَّقَم (والرقم، الداهية العظيمة)!
الموقف الخامس: ظل المجمع الاحتلالي على صمته المتعمد حيال امتلاكه سلاحًا نوويًّا، ويحظى بحماية دولية في هذا الشأن على الرغم من دعوة مصر منذ عقود إلى إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل. وبعد "طوفان الأقصى" انبرى أحد معاتيه الصهيونية، هو وزير التراث عميحاي إلياهو، إلى الدعوة إلى ضرب غزة بقنبلة نووية... فكان ذلك بمثابة اعتراف بامتلاك سلاح نووي! فهدم سياسة الغموض التي التزمها المجتمع الاحتلالي لعقود! وعلى هذا تصدق الحكمة: إنَّ الْبَلاَءَ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِقِ!
الموقف السادس: يتحدث المسئولون العسكريون في المجمع الاحتلالي عن وجود عشرات الآلاف من العسكريين الذين يدعون المرض النفسي أو العضوي بعد جولة قصيرة في غزة المهيضة أصلًا، وعلى أمثالهم تصدق الحكمة: الأَوْبُ أَوْبُ نعامة! (أي: يتعجلون الرجوع هلعًا)!
الموقف السابع: الإصرار على الحل الأمني العسكري الإرهابي بكل تكاليفه الإنسانية والنفسية والمالية والسياسية أمر عجيب! والأيسر من ذلك إعطاء الحقوق لأصحابها! فكأني بهذا الإصرار في العلن يواكبه إسرار في الغرف المغلقة يقول: أما لهذا الليل من آخر؟! وعلى هذا تصدق الحكمة: إذا قَطَعْنا عَلَمًا (أي جبلًا) بدا عَلَمٌ! أي كأنها دائرة مفرغة لا نهاية لها!
الموقف الثامن: كلما ضاقت الأمور بالمجمع الاحتلالي فواجه جرائمه أمام المحكمة الدولية أو في السرديات الإعلامية، اتهم الشرفاء (مثل مصر) بمنع المساعدات عن أهل غزة! وعلى هذا تصدق الحكمة: رمتني بدائها وانسلت؛ وكذلك الحكمة: إن خصلتين خيرهما الكذب لخصلتا سوء!
الموقف التاسع: الخداع الإستراتيجي وحُسن الافتراص حيلة من لا يضاهي عدوه بالحسابات العسكرية. وهذا ما حدث في السابق واللاحق، وفيه تصدق الحكمة المعبرة على الخديعة في الحرب: إِنْ لم تغْلِب، فاخْلب! بمعنى: صواب التخطيط في الحرب، أشد من الطعن والضرب.
الموقف العاشر: كعادة الصهاينة، كلما أحرقوا ودمروا اشتطوا في الشكاية والأنين؛ وتحويل الباطل إلى حق... وفي مثل ذلك تصدق الحكمة: تلدغ العقرب وتَصيء! أو كما أبدعت العامية المصرية: ضربني وبكى، وسبقني واشتكى!
الموقف الحادي عشر: إلى الأشقاء الذين اختاروا الشقاق، تذكروا: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، و"إذا عَزّ أخوك، فهُن!"، وقول الشاعر: أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساعٍ إلى الهَيجا (الحرب) بغير سلاحِ!
المواقف كثيرة، والحِكَم والأمثال السيارة التي تنطبق عليها أكثر؛ والأخذ بالحِكَمة المستفادة من تلك المواقف أفضل وأوجب.