الروهينجا

النسوية الإسلامية في فرنسا

النسوية الإسلامية في فرنسا

«النسوية الإسلامية» هي واحدة من أبرزِ الاتجاهاتِ المثيرةِ للجدلِ في فَرَنْسا،إذ عادةً ما تُقابَل بالرفضِ الشَّديدِ من قِبَلِ الحركاتِ النسويةِ الفَرَنْسيَّةِ علمانية المنزع لأنهم يروْنَ في المصطلحِ ضدَّيْنِ لا يجتمعانِ ؛ النسوية رمزُ التحرُّرِ، والتدين رمزُ التقيُّدِ والطاعة والانصياع. كما يتحفظ بعضُ المسلمين والمسلمات في فرنسا على استخدام هذا المصطلح نظرًا للصبغةِ الغربيةِ التي يحملها، مما قد يتعارض مع خصوصيتهم الثقافية وهويتهم الدينية. وفي المقابل، يرى عددٌ كبيرٌ من المسلماتِ في فرنسا في هذه الحركةِ ضرورةً عصريةً لمكافحةِ الصور النمطية السلبية عن المسلمات، والدفاع عن حقوقهن في المجتمع الفرنسي، وإظهار مدى اندماج المسلمات في شتى مناحي الحياة في فرنسا. وبغض النظر عن إشكاليةِ المصطلحِ، يمكننا القول بأن «النسوية الإسلامية» -كأي اتجاهٍ نسوي -تُعنَى بحقوقِ المرأةِ المسلمةِ في إطارِ قوانين الدولة الفرنسية، وتهتم بالمساواةِ بين الجنسين من منظورٍ إسلامي، وتأصيل فكرة أنَّ الإسلام لا يحول أبدًا أمام المشاركة الفاعلة للمرأةِ المسلمةِ في المجتمع.

ومن بينِ أشهرِ الناشطاتِ النسويات الإسلاميات في فرنسا نجد أسماء المرابط[1]، وهي طبيبة متخصصة في تشخيص أمراض سرطان الدم، وباحثة وناشطة نسوية، فهي رئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام التابع للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب، وهي رئيسة للمجموعة الدولية للدراسات والتفكير في النساء التي يقع مقرها في برشلونة. لها عدة مؤلفات بالفرنسية والعربية من أبرزها : "مؤمنات ونسويات، نظرة أخرى حول الأديان"، "النساءوالرجال في القرآن: أية مساواة؟"، "عائشة،زوجة النبي أو الإسلام بصيغة المؤنث ؟"، "القرآن والنساء: قراءة للتحرر"، "النساء، الإسلام، الغرب : الطريق نحو العالمية". ترى أسماء المرابط أنَّ إشكالية المساواة بين الجنسين في الإسلام توجد في التأويلات والتفسيرات الفقهية وليس في النص القرآني حيث أن التاريخ الإسلامي قد شهد تراكمات لتأويلات مختلفة وأحكام فقهية دعمها منذ عقود فقهاء، لدرجة أنها "أصبحت مرجعًا أوليا يسبق النص القرآني،وتتحول بذلك إلى أحكام دينية راسخة". كما تركز أسماء المرابط على إبراز الشخصيات النسائية في التاريخ الإسلامي، وإبراز دورهن الريادي في مختلف أنشطة المجتمع المسلم، لتبديد القوالب النمطية التي أعطيت للمرأة الشرقية المسلمة وبيان الدور الحضاري الذي ينبغي أن تلعبه المرأة المسلمة اليوم، والذي ينبع من صميم إسلامها.

« اتخاذ فاطمة بنت النبي محمد مثالًا يُحْتَذى به وليس الثائرة الفرنسية أوليمب دو غوج يبدو أمرًا منطقيًا » (إحدى النسويات المسلمات في فرنسا).

 

ومن أبرز الشخصيات النسوية في فرنسا كذلك زهرة علي، مؤلفة كتاب "النسويات الإسلامية"[2] الذي صدر في فرنسا عام 2012، وهي باحثة دكتوراه في كلية الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية (EHESS) في فرنسا، وفي المعهد الفرنسي للشرق الأوسط. تحارب زهرة علي فكرة الإسلام الظلامي والقديم، وتقول أنها من صناعة الطموحات الاستعمارية الأوروبية كما يقول إدوارد سعيد في كتابه حول الاستشراق، حيث بدأ النداء بـ "تحرير المرأة" من الموروثات الإسلامية الظلامية. وبسؤالها عن إمكانية وجود نسوية إسلامية، ذكرت زهرة علي بأن النسوية كحركة اجتماعية وسياسية وفكرية تهدف إلى مقاومة النظام الأبوي التسلطي توجد في المجتمعات الإسلامية منذ أمد طويل مثلما توجد في المجتمعات الغربية ؛ فالنسوية الإسلامية هي حركة تمكنت من الاعتماد على النصوص الدينية، بعد ضبط فهمها، والرجوع إلى سياقاتها، لتعزيز دور المرأة المسلمة في المجتمع وتمكينها من إثبات وجودها وتحقيق شخصيتها المميزة. وتصرح زهرة علي بأن المعركة مزدوجة بالنسبة لها ؛ فهي تناضل ضد العنصرية والموروث الاستعماري للفكر السائد وللنسوية الغالبة في فرنسا، وتناضل داخل الإطار الإسلامي من أجل إبراز قيم المساواة في الموروث الإسلامي على وجه العموم والفقه الإسلامي على وجه الخصوص.

هناك كذلك حنان كريمي، وهي باحثة دكتوراه بجامعة استراسبورج، وأحد أبرز الأصوات النسوية الإسلامية في فرنسا، ولها نشاط إعلامي واسع ووجود جيد على مواقع التواصل الاجتماعي. تقدم حنان كريمي نفسها على أنها باحثة ومناضلة تحث النساء المسلمات، وكذلك النساء اللواتي يتبعن ديانات أخرى، على الجرأة على نقد بعض الأحكام الدينية عندما يتم استغلالها لخدمة الهيمنة الأبوية. تقول حنان كريمي أن الإسلام ليس دين الرجال، فقد كان كذلك دين النساء، لكنه ذلك خفت بمرور الزمان". تؤمن حنان بدور المسجد، وترى فيه وسيلة مهمة لكسر الحاجز المفروض على الفتيات المسلمات نتيجة لبعض الموروثات المتعلقة بدول المنشأ، وشغلت منصب المتحدثة الرسمية لـ "تجمع المسلمات في المسجد" في فرنسا عام 2013. تشارك حنان كريمي في العديد من الفاعليات[3] التي تنادي بالمساواة ورفض العنصرية، وبالحق في ارتداء الحجاب في المدارس، وتتعامل بشكل يومي مع المواد، والتصريحات، والأفلام التي تقدم أفكار مغلوطة - من وجهة نظرها – تجاه المرأة بشكل عام، والمرأة المسلمة بشكل خاص.

ومن بين الشخصيات النسوية الإسلامية ذات الحضور القوي في فرنسا نديلا باي، إحدى مؤسِّسات تجمع "الأمهات جميعًا متساويات" والتي تدافع من خلالها عن الأمهات المسلمات خصوصًا اللواتي يتعرضن لمضايقات وربما اعتداءات أثناء تجوالهن في الشارع أو ذهابهن للمدرسة لاصطحاب أطفالهن. ترى نديلا أنَّ الدين الإسلامي هو مصدر روحها النضالية من أجل المرأة. يُذكر أنه في عام 2014، تم استقبال نديلا وفريقها في وزارة التعليم الوطني بفرنسا.

بالإضافة إلى هذه الشخصيات، هناك أيضًا مليكة حمادي التي تحمل دكتوراه في علم الاجتماع من كلية الدراسات العليا في العلوم الإنسانية (EHESS) في باريس، والمؤلفة المشاركة لكتاب "نسويات إسلامية" (Des Féminismesislamiques). تقوم مليكة حمادي حاليا بعمل أبحاث حول النسويات الأوروبيات المسلمات في السياق ما بعد الاستعماري بهدف عمل دراسة وتحليلات مفصلة حول النسوية الإسلامية استنادًا على دراسات الحالة التي أجريت في أوروبا. مليكة حمادي هي أيضًا محاضرة منذ عشرات السنوات في موضوعات تتعلق بالإسلام الأوروبي، والنسوية الإسلامية، والهوية الإسلامية النسائية في أوروبا، وتعد من المتخصصات في مجال النسوية الإسلامية حيث لها العديد من المقالات والمؤلفات في هذا الصدد من أبرزها كتاب "الإسلام والنسوية" (Islam et féminisme) الصادر بالفرنسية عن دار l’Aube.

يضاف إلى هذه القائمة من الشخصيات النسوية الإسلامية الفاعلة في فرنسا الناشطة أسمهان شودر، عضو جمعية المشاركة والروحانية المسلمة PSM، التي تقوم بالعديد من المداخلات والفاعليات المتعلقة بالحجاب، لاسيما حق أمهات التلاميذ اللواتي يرتدين الحجاب في عدم التمييز في التعامل معهم من قِبَلِ المدرسة، وهي مؤلفة مشاركة لكتاب "الفتيات المحجبات يتحدثن" (Les filles voiles parlent) الصادر عن دار نشر La Fabrique الفرنسية عام 2008. 

في ختام هذا التقرير الوصفي للحالة النسوية الإسلامية في فرنسا عبر ذكر أبرز الشخصيات الفاعلة في هذا المجال، يمكن القول بأن الدور القوي الذي تلعبه المسلمات الفرنسيات في فرنسا لإثبات وجودهن في المجتمع وكسر الصور النمطية السلبية المنتشرة في وسائل الإعلام الغربية والمتناقلة في بعض الموروثات العربية والشرقية، يستحق كل إشادة وتقدير، لاسيما وأنهن يجابهن تحديات كثيرة تقتضي منهن عملا دَءووبًا ومتواصلاً للحدِّ من حالاتِ التمييز ضد المسلمات، ومساعدتهن على الحياة بشكل طبيعي في إطار قيم المواطنة والمساواة واحترام الآخر.

 

 

[1]http://www.asma-lamrabet.com/

[2]http://leplus.nouvelobs.com/contribution/649493-je-suis-musulmane-et-feministe-ne-soyez-pas-surpris.html

[3]https://www.deuxiemepage.fr/2016/03/08/hanane-karimi-interview/

الموضوع السابق مقابر المسلمين في إسبانيا بين الواجب الشرعي والتباطؤ الرسمي
الموضوع التالي مشكلة جديدة تواجه اللاجئين
طباعة
5418