الروهينجا

عائدون من "داعش" .. قصةٌ واقعية ترصد المعاناة

عائدون من "داعش" .. قصةٌ واقعية ترصد المعاناة

مغامراتٌ خطيرة بل مُهلِكة وغيرُ محسوبة يفعلها بعض الأبناء بمحض إرادتهم دون تشاوُرٍ مع آبائهم وأمهاتهم، ونتائجُ يتحمل عاقبتَها الجميعُ مَن أخطأ ومَن لم يُخطئ، بل ربما من لم يُخطئ يدفع ثمنًا أفدحَ وأصعبَ ممّن أخطأ. ونحن اليومَ مع مغامرةٍ غيرِ محسوبةٍ لشابٍّ يُدعى "أوغور تشارداكتشي"، وهو مواطنٌ تركي يبلغ من العمر (34) عامًا، كان يعيش حياةً مستقرة مع أسرته في مدينة (أرضروم)، ثم ترك أسرته وانضم إلى تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق. تحكي والدته (خالدة تشارداكتشي) أن ابنها ذهب إلى مدينة "تلعفر" قبل عامين، ولا تعلم هل ذهب للعمل أم للانضمام إلى تنظيم "داعش"، أم أنه اضطُرّ إلى الانضمام إليه عندما كان هناك.
وتواصل والدته قائلةً: "ومِن أجل أن نجعله يعود إلينا مرة أخرى دبرنا له مكانًا، ليكونَ مشروعًا يعمل فيه في محافظة (تكيرداغ)، ولكن للأسف لم يَعُدْ، وقد كنا نتواصل معه أثناء وجوده بمدينة "تلعفر" عبرَ تطبيق (الواتس آب)، وعلمنا أنه تزوج من مواطنةٍ تركية من مدينة (ريزه)، وأصبح لديه طفلان، وقد طَلب منا ذاتَ مَرّةٍ أن نُبلغ المسئولين لكي يسمحوا بمروره من الحدود كي يعودَ إلينا، وقال لنا: "أخبروا المسئولين ليُمهّدوا لنا الطرق"، حيث ظل سبعةَ أشهرٍ تحت الحصار، ثم علمنا -فيما بعدُ- أنه أراد العودة وذهب لتسليم نفسه إلى "البشمركة"، وأثناء ذهابه إلى هناك أصيب في قدمه وظهره بجروحٍ جَرّاءَ قذْف الطائرات، وقد رأينا صورَه، وتلقّينا أخباره من زوجته، ثم انقطعتْ أخبارُه فجأة، ومؤخّرًا تواصلتْ زوجتُه معنا مَرّةً أخرى، وقالت لنا: إنهم سَلّموا أنفسهم لـ "البشمركة" التي قامت بتسليمهم إلى الجنود العراقيين، حيث يودَع النساءُ والأطفال في معسكر الأمم المتحدة (حمام علي) التابع لـ "الموصل"، ويتمّ التحفظ على الرجال، ومِن ثَمّ فزوجة ابني الآنَ في هذا المعسكر، وهي قلقة بشأن زوجها ونحن أيضًا كذلك، ونريد أن نعثر عليه حيًّا أو ميتًا، وقد تقدمنا بطلبٍ إلى السفارة العراقية في "أنقرة"  بشأن مساعدتنا في معرفة مصير ابننا في "تلعفر"، غير أننا لم نتلقَّ أيَّ نتيجةٍ، وسنذهب عمّا قريبٍ إلى "أربيل"، وسنَسأل عنه مسئولي "البشمركة" هناك، ونعلم أن هناك الكثيرَ من العائلات التي تعاني نفس معاناتنا".
هذا نموذجٌ من الذين قام "مرصد الأزهر لمكافحة التطرف" برصد حالتهم بعد تحرير "تلعفر" من قبضة التنظيم الإرهابي، وهناك حالاتٌ أخرى كثيرةٌ مماثلة لا يَعرف ذووهم أيَّ شيءٍ عنهم، بل لا يعرفون إن كانوا أحياءً أم أمواتًا، بل هناك أطفالٌ صغار مات آباؤهم ضمن صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي ولم يَعرف أجدادهم عنهم شيئًا، ومن ثَمّ يلجأ الأجداد إلى المسؤلين لمساعدتهم في إيجاد أحفادهم، وهناك أطفالٌ آخَرون تواصلوا مع أجدادهم وجداتهم بعد سقوط "تلعفر" وقالوا لهم: إنهم سيعودون، ثم انقطع الاتصال مرة أخرى، وذووهم في توسّلٍ دائم للمسئولين في حكوماتهم من أجل تقديم العون لهم في إيجاد أحفادهم.
وما زلنا في انتظار الكثير من القصص الواقعية عن العائدين من "داعش" دون أن يتمكنوا من العودة إلى بلادهم، وعن رحلة بحْث أسرهم المكلومة عنهم، وعن معاناةِ أهلٍ لم يُذنبوا في حقِّ أبنائهم، بل كانوا يَتمنّوْنَ لهم الحياةَ السعيدة والمستقرة.
من أجل ذلك؛ يناشد "مرصد الأزهر" الشبابَ المسلم كلَّه ويدعوه إلى عدم الانخداع بالدعوات التي تطلقها الجماعات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي، ويناشد "المرصد" المجتمعَ والأسر كلَّ  أسرةٍ على حِدَةٍ بأن تنتبهَ جيّدًا لأيِّ تَغَيُّرٍ في سلوك أبنائها، دون الحَجْر على حريتهم. حفظ اللهُ الجميعَ من كلِّ سوء.      

وحدة رصد اللغة التركية

 

الموضوع السابق التجربة الإيجابية لتعايُش المسلمين بكندا
الموضوع التالي دخول "داعش" إلى أفغانستان.. آثاره وتداعياته
طباعة
3049