الروهينجا

ثلاثون يومًا من العنف والتهجير ضد مسلمي الروهينجا

ثلاثون يومًا من العنف والتهجير ضد مسلمي الروهينجا

مرّت ثلاثون يومًا كاملة، منذ اندلعت أعمال العنف الممنهجة ضد أقلية الروهينجا، التي بدأت بحملات دَهم واسعة النطاق، شنّها الجيش البورمي مدعومًا بمسلحين بوذيين، على مناطقِ المواطنين الروهينجا المسلمين بولاية راخين، حيث شنّ الجيش البورمي غاراتٍ على منازل الروهينجا وأحرق الكثير منها.
بل إن الأقمار الصناعية قد التقطت صورًا لقرى كاملة قد أُحرِقت عن آخرها، بعد أن تمّ تهجير أهلها، ليَهيموا على وجوههم في دروب التِّيه والتشريد إلى مستقبل مجهول لا يدرون ما الله فاعل بهم فيه، ولعل الصور التي ما زالت تطالعنا بها الصحف السيارة والمواقع الإلكترونية منذ بداية هذه الحملة الظالمة الممنهجة، تعطينا فكرة عما يمر به إخواننا في الإنسانية قبل الدين، من معاناة ومآسٍ يشعر العاقل بالحرج من مجرد القول: إن مثل هذا يحدث في القرن الحادي والعشرين.

Image

          صورٌ مأساوية لمسلمي الروهينجا، الذين يَفرّون من الإبادة العِرْقية والمذابح الجماعية التي مات جَرّاءها الآلاف، واضطر أكثر من ربع مليون إنسان منهم إلى النزوح إلى بنجلاديش المجاورة، حيث يعيشون مشردين بلا مأوى أو طعام أو شراب.


ومن يطالع هذه الصور يشعر وكأنها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ وما قبل الحضارة، وكأن الفطرة انتكست والبشر قد ارتدوا على أعقابهم، وتقهقروا إلى أدراك الانحطاط والوحشية.  
وإلى غير وجهة.. إلى مصيرٍ مجهول.. إلى المستقبل المُلَبَّدَةِ سماؤه بغيوم اليأس والتشريد والتِّيه، يَفِرّ مسلمو الروهينجا من الجحيم،  والمذابح الجماعية التي يتعرضون لها ليلَ نهارَ، ومن الإبادة العِرْقية التي يذوقون ويلاتِها بلا ذنبٍ أو جَريرة.
في عصر الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، ما زال الإنسان المسلم في ميانمار يفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة، إلى مكان يأوي إليه ليأمن فيه على نفسه وأهله. بل إنه عصر المعايير المزدوجة،و الكيل بمكيالين، بل بمكاييلَ، عصر يُذبح فيه الآلاف، ويُهجّر فيه ما يقرب من نصف مليون إنسان من وطنهم ليواجهوا مصيرهم المحتوم.

Image


ثلاثون يومًا من الإدانات والتنديد والشجب من العديد من المؤسسات والهيئات والدول،حيث صرّحت الأمم المتحدة في بيانٍ لها؛ أن أقلية الروهينجا هي "أكثر الأقليات اضطهادًا في العالم"، وأضافت: أن ما يحدث في حقهم هو "نموذجٌ مثاليٌّ للتطهير العِرْقيّ"،كما عَبّر عددٌ من زعماء العالم عن شجبهم ما يحدث في ميانمار.
واستدعت بعض الدول سفراءَ ميانمار لديها احتجاجًا على ما يجري، كما أن المسلمين في عدد من البلدان حول العالم، نظّموا تظاهراتٍ مُناهِضَةً لهذه الأعمال الوحشية، ولكن المُحصّلة صفرية في نهاية الأمر. فلم تُغيّر كل هذه الجهود "اللفظية" من واقع الأمر شيئًا، بل إن أعداد المُهَجّرين في تزايُدٍ مستمر حتى يومنا هذا.
بل إن بعض الجهات، داخل ميانمار وخارجها، تحاول أن ترسم لهذه الأزمة صورة وكأنها بين طرفين متكافئين متنازعين، أحدهما على حق، وهو الجيش البورمي مُمثِّلًا للدولة في جانب، في مقابل جيشِ الخلاص الروهينجي في أراكان على الجانب الآخَر؛ في محاولةٍ لإشعار المتابع للقضية وكأن الدولة تحاول الدفاع عن نفسها ضد متمردين يَسعَوْنَ لتقويضها. ولكن المتابع للأزمة من بدايتها يدرك، بلا عناء أو مزيد بحث، أن هذه رؤية مغلوطة، بل ومُختلَقة.
ولقد سعى الأزهر الشريف قبل أن تتفاقم الأوضاع إلى الوصول إلى تسويةٍ بين الجانبين، ودعا جميع الأطراف في ميانمار إلى مؤتمرٍ تحت رعاية الأزهر، وبرئاسة الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، و حضر بالفعل ممثلون عن مختلِف الأطراف واجتمعوا معًا لتدارُس الوضع والوصول إلى تسوية.
وألقى فضيلة شيخ الأزهر كلمةً إليهم جميعًا؛ بأن يُخلِصوا النياتِ ويَستحضروا رُوح الأديان جميعًا، الداعية إلى السلام والتعاون والعَيش المشترَك، وأخذ شيخ الأزهر على عاتقه نشر قضية المضطهدين في ولاية راخين في كل محفلٍ محلي أو إقليمي أو دولي يحضره. وما مؤتمر "طُرُق السلام" الذي عُقد في ألمانيا منذ أيّامٍ قليلة خَلَتْ، عنّا ببعيد، فقد التزم فيه شيخ الأزهر المصارحة الكاملة دون مواربة لكي يضع العالم أجمع بجميع قادته ومنظماته ومؤسساته أمام مسئولياته الأخلاقية والإنسانية تُجاهَ شعبٍ يُباد ويُطرد من أرضه ،ويهيم على وجهه في صحراءَ مقفرةٍ لا نجاة منها إلا بتكاتف الجهود، واستشعار المسئولية، والمسارعة إلى إحياء الإنسانية.  


وحدة رصد اللغة الإنجليزية

 

الموضوع السابق التَّسامُح الدّيني بِكَنَدا
الموضوع التالي أطفال سوريا بين اللجوء والفقر
طباعة
3381