الروهينجا

التَّسامُح الدّيني بِكَنَدا

التَّسامُح الدّيني بِكَنَدا

"في كندا يَجِبُ أنْ نَذْهَبَ إلى ما هُوَ أبْعَدُ مِنَ التَّسامُحِ"

                                                                         جاستن ترودو (رئيس وزراء كندا)

 

       تأتي هذه الدراسة ضمن سلسلةٍ من المتابعات والتقارير، التي يُصدرها "مرصد الأزهر العالمي" عن قضايا المسلمين في شتّى بقاع العالم، ونخص هنا "كندا" بهذا التقرير.

نحاول من خلال هذه الدراسة استقراءَ مستوى التسامح الديني بكندا من أكثرَ من منظورٍ، بُغْيَةَ استكشافِ مجتمعٍ هو من أكثر المجتمعات تعايُشًا،حيث يُعَدّ المجتمعُ الكندي من أكثر المجتمعات انفتاحًا وقَبولًا لثقافة التعددية، سواءً على مستوى اللغة، أو الثقافة، أو الدين، أو العِرْق أو حتى الانتماء السياسي.

كما تقول بعضُ الشواهد؛ إنَّ كندا لم تكن تعرف -إلى وقتٍ قريبٍ- ما يُسمّى بمصطلح "الإسلاموفوبيا"، لكن لم يلبث الوضع المجتمعي أن طرأت عليه بعضُ التطورات، متأثرًا بموجةِ انتشارِ الجماعات المتطرفة، وما أحدثته من زيادة الرُّهاب المجتمعي من كلِّ ما له عَلاقةٌ بالإسلام.

  • التسامح الديني على المستوى المجتمعي:

   بشكلٍ عامٍّ، يعيشُ المسلمون في كندا حالةً من أرْوَعِ حالاتِ التسامُح والتَّناغُمِ المُجْتَمَعي، الأمرُ الذي جعلَ من هذه الدولةِ الوِجْهَةَ الأولى للمهاجرين واللاجئين من جميعِ بِقاعِ العالَم.

   وكمثالٍ لدرجةِ التَّواءُم الذي يعيشُه المسلمون داخل مجتمعِهِم الكَنَدي، نذكرُ ثلاثَ حالاتٍ مما تَمَّ رصدُهُ من خلالِ وحْدَةِ الرَّصْدِ باللُّغَةِ الفَرَنْسيَّةِ بِمَرْصَدِ الأزْهَرِ:

  1. نشَر مؤتمرُ الأساقفة الكاثوليك الكنديين، كُتَيِّبًا يَهدِفُ إلى مساعدةِ الكاثوليك على فَهْمِ جيرانِهِم المسلمين بطريقةٍ صحيحةٍ، ويُعَزِّزُ التَّفاهُمَ والحِوارَ بين مُخْتَلِفِ السُّكانِ. كما يَعْرِضُ الكُتَيِّبُ أصولَ الإسلامِ، وتيّاراتِهِ الرئيسةَ الحاليّة، وأيضًا تشابُهاتِهِ واختلافاتِهِ فيما يتعلقُ بالمَسيحية، ويُقَدِّمُ لَمْحَةً عامّةً عن حوارِ الأديانِ والاقتراحاتِ للمساهمةِ فيه.

2-  تولّى أحمد حسين حقيبة وزارة الهجرة واللاجئين في الحكومة الكندية -هذا المحامي والناشط المجتمعي الذي وصلَ إلى كندا في سِنِّ المراهقةِ كلاجئٍ من مَقَديشو عاصمة الصومال- أصبح أوَّلَ وزيرٍ كنديٍّ مسلمٍ من أصلٍ صومالي، كما تمّ انتخابُه مِنْ قَبْلُ عضوًا في مجلسِ العمومِ الكندي في عام 2015م.

3-  مذيعة مُحَجَّبَة تُقَدِّمُ نشرةَ أخبارٍ مُتَلْفَزَة في كندا: تناقلتْ وسائِلُ الإعلامِ خبرًا حولَ تقديمِ "جينيلا ماسا"  المذيعة المحجبة، لنشرةِ الأخبارِ التليفزيونيةِ لأوَّلِ مَرَّةٍ في كندا، وهي امرأةٌ كندية من أصلٍ بَنَمي، عَمِلَتْ

مُنْذُ عام 2015م كمُراسِلَةٍ. وتُعَلِّقُ "ماسا" قائلةً: "أنا سعيدةٌ أنْ أعْمَلَ في قناةٍ ترى أهميةَ تعيينِ موظفينَ من أصولٍ مختلِفة، والذي يَعْكِسُ تنوُّعَ المُجْتَمَعاتِ التي نتحدثُ عنها".

 

 

  • قَلَقٌ مِنْ تَغَيُّرِ السَّيْكولوجيَّةِ الاجْتِماعيَّةِ الكَنَديَّةِ المُتَسامِحَةِ:   

من المعروف أنّ كندا من أقلِّ دولِ العالم في معدلاتِ التَّطَرُّفِ الدّيني ومظاهرِ "الإسلاموفوبيا"، لكن ربما بدأ هذا الأمرُ في التغيُّر بعضَ الشيء في الفترةِ الأخيرةِ، ممّا يُنذِرُ بتغيُّرٍ في السيكولوجية الاجتماعية الكندية المتسامحة، ويرجع ذلك إلى عِدّةِ أسبابٍ، لَعَلَّ من أهمِّها:

Image

  1. الفِكر المتطرف الذي ضرَبَ العالَم بأسِرِهِ، وأصاب كندا أيضًا (كما أَشَرْنا سابقًا).
  2. مَوْجَة الهجرة واللجوء، حيث أخذتْ كندا، كغيرها من باقي دولِ الغربِ، حِصّتَها من المتطرفين الذين خرجوا من الأراضي الكندية؛ لينضمّوا لصفوفِ "داعش" بالعراقِ وسوريا، حيث يُقَدِّر جهازُ المخابرات الكندي عددَ الكنديين الذين انضموا إلى هذه الجماعةِ الإرهابية، بنحو 180 كنديًّا أو يزيد؛ لأن هناك بعضَ المتطرفين الذين يسافرون إلى سوريا دونَ عِلْمِ السُّلُطات الكندية.

كما لا يَقتصر تواجُد المتطرفين على صفوفِ تنظيم "داعش" فقط، بل انضمّ بعضُهم إلى جماعاتٍ إرهابيّةٍ أخرى في دولٍ متعدّدة.

وقوبلت موجةُ التَّطَرُّفِ هذه ببعض ردودِ الأفعالِ، من قِبَلِ بعضِ الكنديين غيرِ المسلمين، فبعدَ أن كانت كندا لا تعرفُ مصطلحَ "الإسلاموفوبيا" ولا يُذْكَرُ فيها، بدأتْ تتأثّر نِسبيًّا بمُجريات الواقع العالمي؛ لتظهرَ آثارُ هذه الأحداث ضدّ مُسْلِميها –على سبيلِ المثال– في شكلِ هجومٍ استهدَفَ مركزًا إسلاميًّا بمقاطعةِ "كيبك"، الذي وقَع في التاسع والعشرين من يناير الماضي، وأسْفَرَ عن مقتلِ 6 من المسلمين.

مثلُ هذه الأحداث تُعطي بعضَ مؤشّراتِ الإنذارِ حولَ مستقبلِ المسلمين (لا سيّما المهاجرين واللاجئين) في هذا البلد، كما تطرح عددًا من التساؤلات يأتي على رأسها: هل سَتُوَلِّدُ مَوْجاتُ اللجوءِ (التي هي في معظمها من المسلمين) حالةً من الرُّهابِ المُجْتَمَعي ضِدّ المسلمين؟ هذا ما نخشى أن تُجيبَنا بالإيجاب عليهِ الأيّامُ المُقبِلة.

          من ناحيةٍ أخرى؛ أثيرت في الآونة الأخيرة حالةٌ من الجدلِ حولَ النِّقابِ، فقد نشَر عددٌ من المواقع الإخباريّة ما أثير مؤخرًا في كندا حولَ قضيةِ ارتداء النِّقابِ، والذي ذُكِرَ فيه أنَّ الرَّغْبَةَ المُلِحَّةَ في تغطية الوجه أصبحت قضيّةً مُثارَةً في تورنتو منذُ بدايةِ الحملات الانتخابية الكندية. حيث كانت السيدة "زنيرا أشاق" هي السيدة الأولى التي تتحدى قانونَ الحكومةِ الجديدَ الذي يمنع النساء من تغطية وجوههن أثناء "مَراسم المواطنة"، الذي من خلاله يَحلف المواطن الكندي اليمينَ للحصول على الجنسية الكندية. لقد ذهبتْ هذه السيدةُ إلى حفلِ "مراسم المواطنة" مرتديةً النقاب قائلةً: إنَّ هذا القرارَ شخصيٌّ وليس من حقّ الدولة. يُذكر أن "زنيرا" حصلتْ على حُكْمٍ بذلك من المحكمة؛ مما دفَع الحكومةَ الكندية إلى الاستئناف أمام المحكمة العليا.

 

• التَّسامُحُ الدّيني على المُسْتَوى القانونيّ والتَّشْريعيّ:

           اعترفتْ كندا بالدّينِ الإسلاميّ كواحدٍ من الأديانِ الرَّسْميَّةِ بها في عام 1973م. وكَفَلَ القانونُ الكندي للمسلمين حريّةَ ممارسةِ الشَّعائِرِ الدينيةِ وإقامةِ دورِ العبادةِ بعد الحصولِ على ترخيصٍ من الحكومةِ. كما كَفَلَ لهم الحريةَ في الاحتفالِ بأعيادِهِم الدينية وإقامةِ مآتمِ العزاءِ الخاصّة بهم؛ بل إنّ القانونَ الكنديّ يُجَرِّمُ مَن يَنتهِكُ حَقَّ ممارسةِ العِبادَةِ للكنديين والمقيمين في كندا.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                             

  وتَجْدُرُ الإشارَةُ هُنا إلى أنَّ قضايا المسلمين هي مَحَلُّ نِقاشٍ بَرْلَمانيٍّ مُتَكَرِّرٍ؛ فعلى سبيلِ المثال نشَر عددٌ من المواقعِ الإخباريةِ ما قامتْ به النائبةُ (اقرأ خالد)، عن الحزبِ الديمقراطي الحاكم في كندا، من تقديمِ مشروعِ قانونٍ إلى البرلمانِ الكندي في مطلع 2017م يُدينُ كافّةَ أشكالِ "الإسلاموفوبيا" المُمَنْهَجَة. هذا المشروعُ الذي لَقيَ دعمًا من الحزبِ الحاكمِ والحكومةِ الكندية، لقي منافسةً من حزبِ المُحافظين المُعارِض، الذي تواردتْ أنباءٌ عن تجهيزِهِ مشروعَ قانونٍ آخَرَ، بدلًا من مشروعِ الديمقراطيين. لكن مجلس العموم الكندي قامَ بتمريرِ مشروعِ قانونِ "103" الذي يقضي بإدانة "الإسلاموفوبيا" والتمييز على أساسِ الدّين. وقد حَظي القانونُ بتأييدِ جميعِ أعضاء الحزب الديمقراطي ومُعظَمِ أعضاء الحزب الليبرالي، بينما أَبدى أغلبيّةُ أعضاءِ حزب المحافظين اعتراضَهُم على هذا القانون. يأتي ذلك بعد شهورٍ من المناقشات، فيما اندلعتْ مظاهراتٌ مؤيِّدَةٌ ومُعارِضةٌ لهذا القانون جابتْ جميعَ أنحاء كندا، بَيْدَ أنّ المعارضين للقانون يَرَوْنَ أنه يضَعُ حدًّا لحريّةِ التعبيرِ ويُمَيِّزُ الإسلامَ بمعاملةٍ خاصّةٍ في القانونِ الكندي.

ويأتي هذا القانونُ عَقِبَ حادثِ "كيبك" الذي وقَعَ في التّاسِعِ والعِشْرينَ مِنْ يناير الماضي والذي أَسْفَرَعن مقتل 6 من المسلمين. وقالتْ عضو مجلسِ العُمومِ (اقرأ خالد) بعد تَمريرِ هذا القانونِ الذي قَدَّمَتْ مُقْتَرَحَهُ في الخامس من ديسمبر 2016: "أشْعُرُ بسعادَةٍ كبيرةٍ عَقِبَ التَّصْديقِ على هذا المُقترَح"، مطالبةً الحكومةَ الكندية بالتالي:

• إدانة "الإسلاموفوبيا" وجميعِ أشكالِ التمييزِ الدّيني وأحداثِ العنصرية المُمنهَجة.

• إنهاء المُناخ العامّ المُتزايِد من الكراهيةِ والخوفِ.

          هذا؛ وقد رفَضَ الليبراليون محاولةَ ديفيد أندرسون، عضوِ حزب المحافظين بالمجلس، إزالةَ كلمةِ "إسلاموفوبيا" وتبديلها بـ"إدانة جميع أنواع الأحداث العنصرية الممنهجة والتمييز الديني للمسلمين أو اليهود أو المسيحيين أو السيخ أو الهندوس أو أتباع أيِّ ديانةٍ أخرى". وادّعى "أندرسون" أنّ كلمةَ "إسلاموفوبيا" غيرُ مُحَدَّدَةٍ ومن الممكن أن يُساءَ فهمُها ويَنتج عنها التأثيرُ على حريةِ التعبير.

  • التَّسامُحُ الدّيني على المُسْتَوى السّياسي والحُكومي:
  • Image

        بطبيعةِ النّمو الديموغرافي المُتَسارِع لِمُسْلِمي كندا، باتَتْ مشاركةُ مُسْلِمي كندا في الحياةِ العامة فاعلةً بعكسِ الحِقَبِ الماضية. ويعودُ السَّبَبُ كما يُصَرِّحُ الدكتور جاسر عودة، الأستاذُ الزائرُ بجامعة كارلتون في أوتاوا في كندا؛ أنّ اليومَ قد نشَأَ جيلٌ مسلمٌ كنديٌّ يُقَدِّرُ أهميةَ المشاركةِ في الحياةِ العامّةِ والسياسيةِ في كندا، فقد شَهِدَت الانتخاباتُ الكنديةُ في أكتوبر 2015م فوزَ الحزبِ الليبرالي بزعامَةِ جاستن ترودو ووصولَ عشرةٍ من المسلمين إلى مَقاعِدِ البرلمان وتَوَلّي مريم منصف -مسلمة من أصولٍ أفغانية- منصبَ وزيرة شئون المؤسسات الديمقراطية والاجتماعية في كندا.

          من ناحيةٍ أُخْرى، يحاولُ عددٌ من مُرَشَّحي الانتخاباتِ الكنديةِ على كافّةِ الأصْعِدَةِ كَسْبَ ثِقَةِ هذه الكُتْلَةِ الانتخابيةِ؛ نَظَرًا لتَزايُدِ عددِ المُسْلِمينَ في كندا بشكلٍ يُمَثِّلُ قُّوّةً انتخابيّةً لا يمكن أن تُغْفَلَ.

  كما أنَّ الحكومةَ الكنديةَ الحاليّةَ تتعاملُ بشكلٍ لائقٍ مع ملفِّ الإسلامِ والمسلمين؛ ولْنَضرِبْ مثالًا على ذلك: أنَّها أَقَرَّتْ مُصْطَلَحَ "داعش" بدلًا عن مصطلح "الدولة الإسلامية"، فقد صَرَّحَ وزيرُ الأمنِ العام الكندي "رالف جودال" أنَّ "هذه الجماعةَ ليست إسلاميّةً ولا دولةً، وسَتُطْلِقُ الحكومةُ الكنديةُ عليها، من الآنَ فصاعدًا، اسمَ المُختصَر العربي لها "داعش". وأكّدَ المتحدثُ الرَّسْمي باسمِ الحكومةِ الكندية، "سكوت باردسلي"، يومَ الخميس 25 من أغسطس 2016م، عَبْرَ البريد الإلكتروني، أنَّ مصطلحَ "داعش" هو المُفَضَّل الآنَ مِنْ قِبَلِ الحكومةِ بأكْمَلِها.

          أَضِفْ إلى ذلكَ: إقرارَ الحكومةُ الكنديةُ إنشاءَ عددٍ من المدارسِ التي تُدَرِّسُ اللغةَ العربيةَ والدِّينَ الإسْلامي يَوْمًا واحِدًا في الأسبوعِ لأبناء الجاليات الإسلامية والعربية في كندا، وتنتشر هذه المدارسُ الرسمية في كلِّ ولايات ومقاطعات كندا. هذا فضلًا عن المدارس الإسلامية الخاصة التابعة لجمعياتٍ ومؤسساتٍ مجتمعية ومدنية والتي مَنَحَتْها السلطاتُ تراخيصَ مزاولةِ التَّعْليمِ وتدريسِ الدِّينِ الإسْلامي ضِمْنَ مَناهِجِها.

 وقد يكون من المناسبِ للمَقامِ أن نُلْقيَ الضَّوْءَ على بَعْضِ الشَّواهِدِ الحَيَّةِ  - من مواقفَ لرئيس الحكومة - على ما قُلْناهُ:

  1. رئيسُ الوزراءِ الكَنَدي الجَديدُ يَرْتَدي جِلْبابًا لِيُكَرِّمَ جُمْهورَ النّاخبينَ مِنَ المُسْلِمينَ

          شارَكَ "جاستن ترودو" مجموعةً من الجاليةِ الباكستانية طعامَهَا في أحَدِ المساجدِ في كندا احتفالًا بفوزِهِ في أعقابِ الانتخاباتِ التشريعيةِ الأخيرةِ في بلادِهِ (وهذه ليست المَرّةَ الأولى التي يُشارِكُ فيها "ترودو" في نشاطاتٍ لِمُسْلِمي كَنَدا، فَقَدْ سَبَقَ لَهُ أنْ قامَ بِزياراتٍ عِدَّةٍ لأكثرَ مِن مسجدٍ في البلاد).

  1. رئيسُ الوزراءِ الكَنَديُّ يُهَنِّئُ المُسْلِمينَ بِحُلولِ شَهْرِ رَمَضانَ

          نشَرَ عددٌ من المواقِعِ الإخباريّةِ خبرًا حولَ تَقْديمِ رئيسِ الوزراء الكندي "جاستن ترودو" التهنئةَ لِمُسْلِمي كندا والمسلمين حولَ العالم بِمُناسَبَةِ حُلولِ شهرِ رمضانَ المبارك. وقال "ترودو" في بيانٍ لَهُ: "إنَّ المُسْلِمينَ سَوْفَ يبدءونَ اليومَ رِحْلَةً رُوحيّةً مِنَ الصَّلاةِ والصَّوْمِ والتّأمُّلِ لِمُدَّةِ شهرٍ والاحتفال بنزولِ القُرْآنِ على النبي محمد".

  1. رئيسُ الوزراءِ الكَنَدي يُدافِعُ عَنِ البُرْكيني:

          دافَعَ "جاستن ترودو" عن حَقِّ المرأةِ المُسْلِمَةِ في ارتداءِ لباسِ البَحْرِ، معتبرًا أنُّهُ رَمْزٌ لِـ"قَبولِ الآخَرِ" في مُجْتَمَعٍ مُنْفَتِحٍ، وقالَ: "نعم، بالتأكيد، هناك (...) جَدَلٌ كما هو الحالُ دائمًا، والنقاشاتُ ستتواصل"، مُشَدِّدًا في المُقابِلِ على أنَّهُ "في كندا يَجِبُ أنْ نَذْهَبَ إلى ما هُوَ أبْعَدُ مِنَ التَّسامُحِ".

  • التَّسامُحُ الدّيني عَلى مُسْتَوى المؤسَّساتِ:

          اقترحتْ لجنةُ حقوقِ الإنسانِ في عام 2014م الحَدَّ من حريةِ التَّعْبيرِ في هذا الإطارِ المَعْنيّ بازدراء الأديان. ومنذ ثلاثة أشهر "صَوَّتَ البرلمانُ الكَنَدي بالإجماع على اقتراحٍ بمحاربةِ ظاهرةِ "الإسلاموفوبيا"؛ وقد جاء هذا نتيجةَ الالتماس الذي تَقَدَّمَ به "سامر المجذوب"، رئيسُ المُنتدَى الإسلامي في كندا. وقد صَرَّحَ الأخيرُ بأنَّه "من الآنَ قد أدينت ظاهرة الإسلاموفوبيا، وهذه ليست النهايةَ، بل البداية".

وفي يناير 2017م أَطلقَ عددٌ من المُنَظَّماتِ الكندية حملةَ "Break the behaviour" لمواجهة "الإسلاموفوبيا". "لِنُغَيِّرْ من سلوكياتنا" هذا هو شعارُ حملةِ "Break the behavior" وهي حملةٌ توعويّةٌ جديدةٌ أطلقَها يومَ 23 يناير تَحالُفٌ من المنظمات وهي: مجلس أونتاريو لوكالات خدمة المهاجرين (OCASI)، والمؤسسة العربية الكندية (ICA)، والمجلس الوطني لمسلمي كندا (NCCM)، ولجنة أونتاريو لحقوق الإنسان (CODP).

          خَصّصت الحملةُ موقعًا على شبكة الإنترنت تدعو فيه الزّوارَ إلى التوقيعِ على تَعَهُّدٍ باستنكارِ ظاهرةِ "الإسلاموفوبيا". ونقرأُ على هذا الموقع: "أونتاريو هو المكان الذي يجدر أن يشعر كلُّ فردٍ به بأنَّهُ في منزله، ولن أَمْتَهِنَ أبدًا كرامةَ مواطني أونتاريو. وبالتّالي فأنا أتعهد بالعملِ على رفْع الظلم والوصولِ إلى الرّخاء العامّ".

          ويُذَكِّرُ التحالُفُ بأن كندا ليست في مأمنٍ من ظاهرة "الإسلاموفوبيا"؛ حيثُ تضاعفت الأعمالُ المعادية للإسلام خلال السنوات الثلاثة الأخيرة. كما يُذَكِّرُ التحالفُ المواطنين بالانضمام إلى حركة "من أجل أونتاريو خالية من العنصرية".

  كما نشَرتْ بعضُ المواقع الإخبارية تحقيقًا صحفيًّا حول الندوة التي عقدتها جمعيةُ المسلمين بفانكوفر بكندا بهدف إزالة الغموض عن الإسلام، حيث أرادت جمعية المسلمين بكندا وضع الأمور في نصابها وإزالة الغموض عن الإسلام في ندوةٍ حضر فيها 200 شخصٍ، وندّدَت الجمعية بالخلط بين الإسلام والإرهاب.

  • التَّسامُحُ الدّيني يَتَجَلّى مَعَ  اسْتِقْبالِ اللَّاجِئين السّوريين:
  • Image

في الحقيقةِ، ضرَبَ المجتمعُ الكندي  -المُتَّسِمُ بالتعددية- أروعَ الأمثلة في الرّحابة المجتمعية تُجاهَ الأفراد والأُسر اللاجئة، رُغْمَ اختلاف الثقافة واللُّغة والعادات. ومما يشهد لهذه الحقيقة ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من مشهدٍ لأطفالٍ كنديين من أعراقٍ مختلِفة يُرَحِّبون بأقرانهم من أبناء اللاجئين السوريين القادمين إلى كندا.

          ومنذ الرّابع من نوفمبر 2015م، استقبلتْ كندا 33,239 ألفَ سوري. وتشيرُ الأرقامُ الأخيرةُ إلى أن 22,296 لاجئًا سوريًّا تقدموا بطلباتٍ للهجرة، ومن أصل هذا العدد، هناك 172,500 شخصٍ من المفترض أن يحصلوا على تراخيصَ بالعمل خلال العام 2017م أي بزيادة 12 ألفًا عن العام 2016م، بحسَب أرقام وزارة الهجرة .وبالنسبة إلى اللّاجئين، من المقرر أن تستقبلَ كندا 40 ألفًا منهم عام 2017م أي بتراجُعِ 16 ألفًا عن 2016م، و84 ألفًا آخَرين (بزيادة أربعة آلاف) في إطار لَمّ شَمْل الأُسَر .كما أعلن وزيرُ الهجرة الكندي السابق "جون ماكولوم"؛ أن بلاده تريدُ استقبالَ 300.000 مهاجرٍ في عام 2017م على غِرارِ عام 2016م، على أن يكونَ عددُ اللّاجئين أقلَّ من المهاجرين؛ وذلك لأسبابٍ اقتصاديةٍ. وكان رئيسُ الوزراء الليبرالي، "جاستن ترودو"، قد أعلن فورَ تولّيه منصَبه إعادةَ تحفيزِ الهجرة إلى بلاده، خصوصًا من خلال استقبال لاجئين.

           كما نشَر موقع "french.cri.cn" خبرًا حولَ ترحيبِ كَنَدا بالفارّين من الحرب والإرهاب، حيث صرّح رئيس الوزراء الكندي، "جاستن ترودو"؛ أن بلاده ستستضيف "الأشخاصَ الفارّين من الاضطهاد، والإرهاب، والحرب"، بغَضّ النظرِ عن دينهم. كما نشَر السيد "جاستن ترودو" تغريدةً على صفحته الخاصّة، على موقع التواصُل الاجتماعي "تويتر"، عبارةً عن: صورةٍ له وهو يُرَحِّبُ بأحد شباب اللاجئين السوريين، قائلًا "كندا تُرَحِّبُ بالفارّين من الاضطهاد، والإرهاب، والحروب، بغَضّ النظر عن دينهم؛ فالتنوُّعُ هو سِرُّ قوتنا، كندا تُرَحِّبُ بكم".

ومن الجديرِ بالذِّكْر؛ِ أن "جاستن ترودو"، منذ تولّيه منصبَ رئيسِ وزراءِ كندا في 2015م، قد استقبلتْ بلادهُ ما يَقرُبُ من 000,40 لاجئٍ سوريٍّ...

          لكن مع هذه الرّحابة العامّة، وقعتْ بعضُ حالاتِ الاعتداءِ التي لا تَعدو كونَها فرديّةً تُجاهَ بعضِ اللاجئين، فكما ذكرْنا آنِفًا قد شَهِدَ شهرُ يناير 2016م اعتداءً بغازِ الفلفل استهدفَ مجموعةً من حَوالَي 30 لاجئًا سوريًّا خلالَ حفلٍ نُظِّمَ لاستقبالِهِم في فانكوفر، غربي كندا.

خاتمة :

           حاوَلْنا في هذا التقريرِ إلقاءَ الضَّوْءِ عَلى بعضِ المَحاورِ الّتي تعكس لنا صورةً عامّةً عن التَّسامُحِ الدّيني بكندا، وقد تَبَيَّنَتْ لنا عِدّةُ أمورٍ هامّةٍ على عِدّةِ أصعدةٍ:

  • تَجرِبةُ المسلمين بكندا تُعَدُّ تجربةً فريدةً من نَوْعِها فيما يتعلقُ باستيعابِ المسلمين. ساعَد في نجاحِ هذه التجربة وجودُ إرادةٍ اجتماعيةٍ قويةٍ تتجه نحو استيعابِ الجميعِ وقَبولِ التَّعَدُّد الثقافي والدّيني. هذه الإرادة المجتمعية ألقت بظلالِها على اتجاهاتِ السياساتِ العامةِ للدولةِ فيما يتعلقُ بتنظيمِ شئونِ المسلمين بها.
  • في الحقيقةِ؛ لقد دَفَعَتْ كندا نصيبَها من فاتورة التَّطَرُّفِ والإرهابِ التي يدفع ثمنَها العالَمُ كلُّهُ الآنَ. لكنَّ الأخطرَ في الأمرِ هو التأثير الخطير لهذه المشكلة على السيكولوجية الاجتماعية العامة لدى الكنديين، والمتسمة باستيعابِ الجميع، فظهور بعض أشكال "الإسلاموفوبيا"، التي لم تكن موجودةً من قَبْلُ، يَدُقُّ ناقوسَ الخطر داخلَ مجتمعٍ ضرَبَ للعالَم أروعَ الأمثلة في التعايُش، الذي ربما وصَل إلى درجةِ الذوبانِ.
  •  تشهد الفترةُ الحاليّةُ – في ظِلِّ حكومةِ "جاستن ترودو"– نزوحَ عددٍ كبيرٍ من اللّاجئين والمهاجرين، لاسيما وأنَّ الحكومةَ تُمارِسُ أقصى درجاتِ الحمايةِ والتنظيمِ لهم، لكن لا يخفى أنَّ هناك اختلافاتٍ كبيرةً في طبيعة هؤلاء المهاجرين واللاجئين، لاسيما اللاجئين المنحدرين من مناطقِ النزاع في سوريا والعراق، والذين قَدِموا كندا بمشكلاتٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ وصحيةٍ واقتصاديةٍ غاية في الصعوبة. هذا التغير له أبعاده وتأثيره، حيثُ ظهرَ في شكلِ بعض مظاهر "الإسلاموفوبيا" ضدهم، ولا ندري ما تحمله الأيام من مُستجدّات.

     ولعل تساؤلًا يُطْرَحَ في هذا السياق: ما الذي جعَلَ النسيجَ الاجتماعي في كندا بهذا القَدْرِ من التَّسامُحِ والقَبولِ لثقافةِ التعددية؟ لعل ما نَسرُده من الأسبابِ التالية يجيبُ على ما طرحناه من تساؤلٍ :

  1. تتميزُ هذه الدولة بأنَّ جميع قاطنيها ليسوا من السكان الأصليين، فالجميع متشاركون في كونِهِم "قادمين إلى كندا".
  2. الدَّولةُ لها تَوَجُّهٌ عامٌّ لاستجلابِ واستيعابِ المهاجرين على اختلافِ تَوَجُّهاتِهِم.
  3. تَنتهجُ الحكوماتُ الكنديةُ سياسةً مُعتدِلةً ومُنفتِحةً تُجاهَ الجميعِ.
  4. فِكرةُ الدّينِ والتَّدَيُّنِ في كندا ليستْ من القضايا الساخنةِ على السّاحةِ، بل لا تَعدو كونَها انتماءً وتَوَجُّهًا شخصيًّا وتَنَوُّعًا أيديولوجيًّا مقبولًا، بل مقبولًا جدًّا.

 

وحدةُ رصدِ اللُّغَةِ الفَرَنْسيَّةِ

الموضوع السابق دور المسلمين فى الانتخابات النيابية بألمانيا
الموضوع التالي ثلاثون يومًا من العنف والتهجير ضد مسلمي الروهينجا
طباعة
3771