"الروهينجا" بين طلقات الرصاص وغياب الضمير الإنساني !
تتوالى السنون وتتعاقب الأيام ولا يزال المسلمون في معظم بقاع الأرض يئنون تحت وطأة التعذيب والاضطهاد الديني والقمع والعنف غير المسوَّغ، فهنا القدس محتلة ومغتصبة من عدو غاشم لا يرقب في مؤمن إلًّا ولا ذمة، يستبيح حرمات المقدسيين - سكان البلاد الأصليين، وهناك مسملو الروهينجا يتعرضون لأقسى صنوف العذاب والقهر والبغي والعداون، وإذا ما جلت بناظريك في أوروبا المتقدمة والمتحضرة، لوجدت ارتفاع معدلات الكراهية والاضطهاد ضد المسلمين إلى مستوى لم يسبق له مثيل، أما في أمريكا - هذه التي أعطت ما لا تملك لمن لا يستحق، فحدث بملء الفم عن المساجد المحرَّقة والهجمات العنصرية التي يتعرض لها المسلمون بين الفينة والأخرى ما لجريرة ارتكبوها ولا جرم اقترفوه إلا لأنهم مسلمون.
إننا لا نستطيع أن نعمم هذا الحكم على جميع غير المسلمين؛ إذ منهم من يشهد له أنه يناصر قضايا المسلمين ويهب منتفضًا للدفاع والزود عنها، إلا أن السؤال المحير حقًّا: لماذا يبقى الضمير الإنساني غائبًا وتائهًا إذا ما تعلق الأمر بقضية من قضايا المسلمين، في حين تراه يهب وينتفض قائمًا إذا ما تعلق الأمر بغيرهم؟ وما أزمة الروهينجا منا ببعيد! .. فالأزمة التي اندلعت في الخامس والعشرين من أغسطس المنصرم والتي اشتدت أوراها وعلا لهيبها في الأشهر التالية -أدت إلى مقتل الألوف من مسلمي الروهينجا - رجالًا ونساءً وأطفالًا ورضعًا - وإلى نزوح مئات الآلاف منهم إلى بنغلاديش ليعيشوا في مخيمات لا تقي حرًّا قائظًا، ولا تمنع بردًا قارسًا - كل هذا والعالم بما يحويه من منظمات دولية مكتفٍ بالشجب والإدانة والتنديد، فلا قرار حاسمًا مرَّر ولا خطوة جريئة اتخذ، وعليه فلم تضع هذه الحرب الهمجية الوحشية التي يقودها بوذيو ميانمار ضد المسلمين من سكان إقليم أراكان أوزارها بعد.
واليوم تطالعنا الصحافة العالمية بأن ما يربو على 6700 من مسلمي الروهنيجا- من بينهم 730 طفلًا- قد قتلوا خلال شهر واحد فقط في ميانمار- وفق التقرير الذي نشرته منظمة أطباء بلا حدود الخميس الماضي - كل هذا وحكومة البلاد لا تزال على إصرارها أن كل هذا محض ادعاء وافتراء واختلاق!.
أما عن كيفية القتل ذاتها، فقد تنوعت ما بين الرمي بالرصاص (69%) إلى الحرق بالنيران، والشيء اللافت للنظر هو أنه على الرغم من ارتفاع هذا العدد، إلا أن الطبيب سيدني وونج مدير مؤسسة أطباء بلا حدود، يجزم بأن أعداد القتلى أكثر من ذلك بكثير؛ حيث إن أطباء المنظمة لم يستطيعوا أن يقوموا بعمل مسح شامل لكل المخيمات في بنجلاديش، وعليه فإن المؤشرات تدل على أن العدد يربو على ذلك بكثير، وهو ما عزى بريش وير- باحث في منظمة حقوق الإنسان- أن يصرح "أن مثل هذه الأرقام يجب أن تهز الضمير العالمي وأن تحثه على اتخاذ إجراء؛ إذ يجب محاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال، كما يجب فرض عقوبات على الضالعين وراء هذه المجازر الوحشية".
ويبقى السؤال قائمًا: هل سينتفض الضمير الإنساني العالمي قائمًا لمناصرة مسلمي الروهينجا أم سيظل في سباته نائمًا معرضًا كل الإعراض ومكتفيًا بالشجب والاستنكار والإدانة؟! هذا ما ستزيل الأيام اللثام عنه في المستقبل القريب، وإن غدًا لناظره قريب!
5082