الأعياد في الإسلام: نموذج الإنسانية والتسامح
تحتاج النفس البشرية إلى الترويح من حينٍ لآخَرَ؛ ولهذا شرَع الإسلام الاحتفال بالعيدين للمسلمين، وترتبط الأعياد في الإسلام بالطاعات التي يؤديها المسلم امتثالًا لأوامر الله عز وجل، فكما فرض الله صوم شهر رمضان وسَنّ قيامه، أهدى المسلمين بعده عيد الفطر، لتسعدَ القلوبُ وتَعُمَّ البهجةُ النفوسَ؛ حتى قال العلماء: إن إظهار الفرح والسرور في العيد من آداب هذا اليوم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن العيد: (لتعلمَ اليهود أن في ديننا فُسْحَةً، إني أُرسلتُ بحنيفيّةٍ سمحة).
ومن يتأمل احتفالاتِ المسلمين بعيد الفطر بعد شهر الصوم والعبادات، الذي اعتاد المسلمون فيه التزاور والتكافل ومساعدة المحتاج، فضلًا عن تدريب النفس على الصبر وحُسْن الخُلُق؛ يرى المتشددين والمتنطعين بعيدين كلَّ البُعْد عن رُوح الإسلام وتشريعاته، فالإسلام الذي يتفق مع الفطرة البشرية، ويتناسق مع متطلبات الروح الإنسانية، ليس منهجًا يفرض على الناس التزمت والإسراف في التشدد.
وبينما تلوح مظاهر التطرف والإرهاب من تعذيبٍ وسفك للدماء وإشاعة للفوضى، وإثارةٍ للرعب وقتل للأبرياء ونشرِ صورٍ لعملياتِ قتلٍ وحرق، تتعدد مظاهر الاحتفال عند عموم المسلمين بين أداء صلاة العيد والتزاور، وتبادُل التهاني والخروج للأماكن العامة، والتنزه وإدخال السرور على الأطفال ومشاركة الأهل والأصدقاء، فضلًا عن إخراج زكاة الفِطْر التي تُمَثِّل نوعًا من التكافل والتعاون، حتى بين الفقراء، إذ يبحثُ كلُّ فقيرٍ عمّن هو أشدّ منه فقرًا، في مشاهدَ إنسانيةٍ رائعة، تعكس للمتأمل صورةَ الإسلام الحقيقية، وتواجه -دون شك- تلك الصورةَ المغلوطة التي تُرَوِّج لها أيادي التطرف والإرهاب.
أما الجانب الآخر الذي يستوقفنا في احتفالات المسلمين بالعيد، فهو مرتبط بالمسلمين الذين يعيشون في بلادٍ ذاتِ أغلبيّةٍ غيرِ مسلمة؛ كالولايات المتحدة وكندا ودول أوروبا وأمريكا اللاتينية، ويتلخّص في رُوح الاندماج والتعايش التي يُمَثِّلها هؤلاء المسلمون داخل البلدان التي يعيشون فيها.
وقد أدّى المسلمون في تلك البلدان شعائرَ العيد واحتفلوا به، وشاركهم غيرُهم من الجيران ومن ممثّلي بعض الأحزاب وأعضاء البلديات التي يعيشون فيها، وكانت المساجد قد فتحت أبوابها لمشاركتهم الإفطارَ الجماعي، والأمسياتِ الثقافيّةَ خلال شهر رمضان.
وفي هذا السياق؛ اهتمت وسائل الإعلام باحتفالات المسلمين بالعيد، وأوردت الفعالياتِ التي قاموا بها في مختلِف أنحاء إسبانيا، مع إبراز مظاهر التعايش والاندماج، وقد أشارت وسائل الإعلام إلى احتفال المسلمين بعيد الفطر في أنحاء البلاد، وما تَقَدَّمَ به اتحاد الجمعيات الإسلامية من شكرٍ للمجتمع الإسباني؛ على استيعابه للمسلمين واحترام طقوسهم في صيام شهر رمضان، وما قدّمته إسبانيا من تسهيلاتٍ لهم خلال هذا الشهر.
وأشارت الصحف كذلك إلى احتفال المسلمين بالعيد في جزر الكناريا بإسبانيا، وذكرتْ أن عمدة المنطقة شارَك المسلمين في الاحتفال بالعيد، وحضر الخُطبةَ معهم.
ومن مظاهر الاندماج كذلك: ما أوردته المواقع عن المسلمين في كولومبيا؛ حيث تَجَمَّعَ العديد من المسلمين بالمراكز الإسلامية أول أيام عيد الفطر المبارك، وبعد أداء صلاة العيد حرَص القائمون على هذه المراكز على إعدادِ إفطارٍ جماعيّ لجميع المُصَلّين، وغيرِهم ممن حضروا إلى تلك المراكز في الساعات الأولى، ليشهدوا صلاةَ العيد، ويُشارِكوا إخوانَهم من المسلمين احتفالاتِهم.
وهناك أَوْجُهٌ كثيرة لما تعكسه شعائر المسلمين من صورٍ واضحة لسماحة الإسلام واندماج المسلمين مع غيرهم، بعيدًا عمّا يحاول البعض إلصاقه بالإسلام من تشدُّدٍ وغلوّ يصل إلى اتهامه بالإرهاب؛ بسبب أفعال قِلّةٍ من المنتسبين إليه، في تَغافُلٍ عن صوَر التعايش والسلمية التي يُمَثِّلها المسلمون في كل أنحاء العالم.
ويعتقد "مرصد الأزهر"؛ أن هذه الصور للطقوس والاحتفالات، تُسهِم بشكلٍ ملحوظ في تغيير الصورة النمطية عن المسلمين في الواقع الغربي، ويأمُل أن تعكس صورةً من صور التحضُّر والرُّقيّ داخلَ المجتمعات المسلمة وخارجَها.
وحدة الرصد باللغة الإسبانية
2082