لماذا تُصِرّ بعض المِنَصّات الإعلامية على التحيُّز ضد المسلمين؟
تتشكّل تصوُّرات الكثير من الأشخاص في هذا الزمن وآراؤهم بناءً على تأثُّرهم ببعض الوسائط الإعلامية؛ حيث تترسّخ في عقولهم بعض الصور النمطية الجامدة، عن أشخاصٍ أو أديان أو شعوب معينة؛ استنادًا إلى ما يحصلون عليه من معلومات من وسائل الإعلام المختلفة.
ومن ثَمّ؛ يكون لِزامًا على هذه الوسائل الإعلامية، التزام الحيادية والموضوعية فيما تعرضه من معلوماتٍ، وما تقوم به من تغطيات؛ إذ إنها تتحمّل مسئوليةً جسيمة تتعلّق بتشكيل الرأي العامّ، وتكوين معتقداتٍ وآراءٍ لدى قطاعاتٍ واسعة من البشر، يعتمدون اعتمادًا، قد يكون كاملًا في بعض الأحيان، على هذه الوسائل فقط، في بناء مواقفهم وتَوَجُّهاتهم.
بَيْدَ أنّ الناظر في التغطية الإعلامية لبعض المؤسسات الصحفية والقنوات الفضائية؛ يجد تحيُّزًا واضحًا ضد الإسلام والمسلمين، من خلال تركيز بعض وسائل الإعلام على كل ما مِن شأنه أنْ يُشَوِّه صورة الإسلام، ويسيءَ لسُمْعة المسلمين على مستوى العالم.
ففي دراسةٍ جديدة، أُعِدّت في جامعة ألاباما، وُجد أن الهجماتِ الإرهابيّةَ التي يرتكبها مسلمون متطرفون، تَحظى بتغطيةٍ إعلامية تزيد بنسبة 357% عن الهجمات التي يرتكبها أشخاصٌ غيرُ مسلمين؛ حيث وُجد أن الهجماتِ المرتكَبةَ بواسطة أشخاصٍ غيرِ مسلمين، أو التي لم تُعرف الهُوِيَّة الدينية لمرتكبيها، تمّت تغطيتها في 15 عنوانًا صحفيًّا، بينما تمّت تغطية الهجمات التي ارتكبها مسلمون متطرفون في 105 عنوانٍ صحفي.
وقد وضع الباحثون بعض العوامل التي تساعدهم على القياس، وهي: نوع الهجوم، وعدد الوَفَيَات، وهل تمّ القبض على مرتكبي الهجوم أم لا؟ من أجل الوصول إلى إحصائياتٍ نهائية.
وقد استخلص الباحثون النتائج بناءً على دراسة الهجمات الإرهابية التي وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية، في الفترة بين 2006 و2015، وَفْقًا لقاعدة بيانات الإرهاب العالمي (Global Terrorism Database)، والمُفارَقة: أن التغطية الإعلامية لا تتطابق بأيِّ صورةٍ مع واقع الأمر، حيث أظهرت النتائجُ: أن الإرهابيين البِيضَ المنتمين إلى اليمين المتطرف، قد ارتكبوا ضِعْفَ عدد الهجمات الإرهابية التي ارتكبها المتطرفون المسلمون تقريبًا، في الفترة ما بين عامي 2008 و2016.
وتعليقًا على هذه الدراسة، قال إيرين كيرنز، رئيس الفريق البحثي: "لقد قسمنا العمل وَفْقًا لنوعين مختلفين من المصادر، ووجدنا أن المبالغة في التغطية تحدث بشكلٍ أكبرَ في الصحف القومية، أكبر منها في الصحف المحلية."
ومن المقرر أن تُنشر الدراسة قريبًا في مجلة جاستس كوارترلي (Justice Quarterly).
ومن خلال مطالعة مثل هذه الدراسات، للمرء أن يتساءل: ماذا تفيد هذه الجهود المبذولة لمحاربة التطرف على مستوى العالم إذا كانت هناك قُوى لا يهمها في نهاية المطاف إلا أن تعطيَ صورةً غيرَ حقيقية للأوضاع؟ أليس من الأَجْدى أن تكون هناك خُطّةٌ مدروسة تُنَفَّذ جَنْبًا إلى جَنْبٍ مع الخُطَط الموضوعة لمحاربة الجماعات المتطرفة؛ بحيث تُسهِم هذه الخُطّة في القضاء على كلِّ ما مِن شأنه أن يُوَلِّد مَظالِمَ جديدةً، تدفع إلى خلْق دوراتِ عنفٍ جديدة، ومن ثَمّ؛ تجعلنا ندور في حَلْقةٍ مُفْرَغة؟
إن بناء تصوُّرٍ حقيقي للمشكلات ومُسَبِّباتها، يُسهِم إسهامًا كبيرًا في الوصول إلى حلولٍ جادّة وحقيقية لها، ويساعد في إرساء السلام، وخلْق حالةٍ من السلام المجتمعي، والتعاون المشترك، تُيَسِّر بدورها القضاءَ على كل أشكال التطرف والإرهاب.
1429