تزايُد الهجمات العنصرية ضد المسلمين في بريطانيا خلال العام المُنصرِم
مع تواصل هجوم وسائل الإعلام الغربية على المسلمين، وإصرارها على إقناع المواطن الغربي بأن الإسلام مرادفٌ للإرهاب، وربْط المظاهر الإسلامية؛ من حجابٍ أو جلبابٍ أوصلاةٍ أو مسجدٍ بالعمليات الإرهابية، تتزايد حِدّة "الإسلاموفوبيا" في الغرب، وتتوالى الأخبار التي تدل على استياء البعض من مجرد الحضور الإسلامي، أو رؤيته داخل المجتمعات الغربية.
ومن ذلك: ما أوردته صحيفة "الجارديان" البريطانية، حيث خَلَصت مؤسسة "Tell Mama" في تقريرها السنوي حول "الإسلاموفوبيا"؛ إلى أن الاعتداءاتِ على المسلمين خاصّةً النساءَ، ضربتْ رقمًا قياسيًّا جديدًا في بريطانيا خلال العام الماضي، حيث وثّقت المؤسسةُ 1201 حالة اعتداء على مسلمين خلال العام الماضي 2017، ممّا يعني ارتفاعًا بنسبة 26% في نسبة "الإسلاموفوبيا" عنها في 2016، ويُعَدّ أعلى عدد اعتداءات قامت المؤسسة بتوثيقه منذ إنشائها.
وأرجع الخبراء ذلك الارتفاع إلى تَنامي اليمين المتطرف، وزيادة عدد الهجمات الإرهابية التي نُفّذت في لندن ومانشستر؛ ممّا زاد معدلاتِ كراهية المسلمين هناك، مع إلقاء اللوم على الشرطة التي تركت -في كثيرٍ من الأحيان- المجنيَّ عليهم، دون تسجيلٍ رسمي للوقائع التي حدثت لهم.
ووقعت أكثرُ من ثلثي الهجمات –تحديدًا 839 هجمة- خارج العالم الافتراضي، أو بمعنى أصح: في الشوارع والطرقات، مقارنةً بـ 642 اعتداء خلال عام 2016، ما يعني ارتفاعًا بنسبة 31%، كما أن ثلث الهجمات خلال عام2017 وقع من خلال الاستعانة بالإنترنت؛ ممّا يعني ارتفاعًا بنسبة 16.3% عن العام السابق عليه، وهذا يوضّح أن حملاتِ الكراهية ضد المسلمين باتت آثارُها السلبية واضحةً على الصعيد الواقعي.
وقالت عقيلة أحمد، مديرة حملة "مساواة" ببريطانيا: إن هذه الزيادة صادمةٌ شيئًا ما، لكنّ بعضًا منها يرجع إلى زيادة بلاغات المسلمات، اللاتي اعتكفن فترةً من الزمن مبتعِدات؛ خوفًا من الإبلاغ عن حوادث الكراهية ضدهن.
وأوضح طاهر عباس، أستاذٌ في علم الاجتماع؛ أن هذه المُعَدَّلات تشير إلى ارتفاع الخطاب القومي ضد المسلمين ببريطانيا، وأن "الإسلاموفوبيا" تُغَذّي التطرف بين شباب المسلمين، والتطرف يُغَذّي "الإسلاموفوبيا"، التي تُتّخَذ كذريعةٍ للتطرف، لكنه في النهاية يُغَذّي اليمينَ المتطرف، والتطرفَ الراديكالي بين المسلمين، بعضهما البعض، مُنتِجيَن حملاتِ كراهيةٍ و"إسلاموفوبيا"، أكثرَ وأكثر.
وذكر التقرير؛ أن 6 من أصل 10 تمّ الاعتداء عليهم من المسلمين كانوا نساء، بينما مرتكبو جرائم الكراهية، كان 8 من أصل 10 منهم ذكورًا، تتراوح أعمارهم بين 13 إلى 18 سنة.
وأشارت إيمان عطا، مديرة مؤسسة "تيل ماما"؛ إلى أن تلك الإحصائياتِ تُلقي ضوءًا أحمرَ على الجيل الجديد من الأطفال والشباب الذكور، المُحَمَّلين بكميةٍ كبيرة من الكراهية ضد المسلمين.
وذكرت شيلنا جانموهد، مؤلفة كتاب "الجيل M: شبابٌ مسلمون يُغيّرون العالَم": "لقد شعرتُ بالتأكيد أن درجة حرارة وحجم الكراهية الصريحة ضد المسلمين قد تصاعدت، أعتقد أن عام 2017 كان عامًا صعبًا على الجميع في البلاد، والنساء المسلمات، كما يُظهِر التقريرُ، دفعن الثمن".
وأضافت "جانموهد": "الكثير من المسلمين لا يزالون ممتنعين عن الإبلاغ عن حوادث الكراهية ضدهم؛ وهو ما يعني أن الأرقام أكبرَ بكثير مما في التقرير".
وفي السياق ذاته، ذكر عمران أوان، الأستاذ المساعد في علم الجريمة، والخبير في المشاكل المتعلقة بالإسلاموفوبيا بجامعة برمنجهام؛ أن الشرطة البريطانية لاتزال غيرَ قادرةٍ على تحديد نوعية جرائم الكراهية، لافتًا إلى أن أهم عنصر في محاربة جرائم الكراهية لايزال غائبًا؛ وهو التعليم؛ فمن خلال التعليم الجيد يمكننا مواجهة حملات الكراهية، خاصّةً مع السِّنّ الصغير من الشباب، مضيفًا: "علينا أن نعرف أسباب تلك الظاهرة، ونَجتثَّها من جذورها، فمن السهل مواجهة عدم الاندماج المجتمعي، ومعرفة الآخَر، من خلال التعليم الذي لا يزال غائبًا عن المعادلة حتى الآن."
ويرى "مرصد الأزهر" أنه لا بد من تضافر الجهود من أجل مجابهة هذه الظاهرة المقيتة، التى باتت تهدّد تماسك بعض المجتمعات الأوروبية، وأوشكت أن تُمزّق نسيجها الاجتماعي، وتفتك بأواصر الصداقة والعَلاقات الطيبة بين أبناء المجتمع الواحد.
كما يؤكد "مرصد الأزهر" ضرورة تأسيس مراكزَ بحثيّةٍ علمية، تَعكُف على دراسة ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، وبحْث أفضلِ السُّبُل لمواجهتها، مشيرًا إلى أهمية الإعلام، وتفعيل دوره لتوجيه الرأي العام إلى خطورة هذه الظاهرة، وخلْق حالةٍ من الوعي لدى الناس لتجنُّب أضرارها، مع تأكيد قيَم الحرية والمواطنة والعَيْش المشترك، والتنوع والاحترام المتبادَل بين أتباع الديانات المختلفة.
إضافةً إلى التركيز على الجهود المخلصة، التي تبذلها المؤسسات الدينية المعتدلة، والتي تسعى إلى غرْس أشجار السلام ورعاية ثمار العَيْش المشترك.
وقد لاحظ "المرصد" خلال متابعته لوسائل الإعلام الغربية خلال الفترة الماضية؛ أن هناك قُصورًا واضحًا فى التغطية الإعلامية لمنتدى شباب صُنّاع السلام، الذي عُقد في بريطانيا بين جَنَبات قصر لامبث التاريخي، وقاعات جامعة كمبردج العريقة، بالتعاون بين الأزهر الشريف وأسقفية كانتربري، والذي يأتي في إطار جولات الحوار بين الشرق والغرب.
ويؤكّد "المرصد" أيضًا؛ أن نيران الكراهية سوف تطال الجميع بلا استثناء، ما لم يكن هناك إستراتيجيةٌ واضحة لمكافحتها، وتَبَنّي وسائلَ مناسبةٍ لمحاربتها.
3032