الروهينجا

انفراجةٌ في الإشكالية القانونية حول أداء شعيرة "الأضحية" في إسبانيا

انفراجةٌ في الإشكالية القانونية حول أداء شعيرة "الأضحية" في إسبانيا

   
     مع اقتراب حلول عيد الأضحى المبارك، يشرع المسلمون -في جميع أنحاء العالم- في الاستعداد لأداء شعيرة الأضحية، التي تُعَدّ من أبرز شعائر هذا العيد المبارك.

 وربما يكون حدوث هذا الأمر طَبَعيًّا في البلدان الإسلامية ويمر دون إزعاج أو وجود قيود تُمَثِّل صعوبةً في أداء هذه الشعيرة الدينية، أما عن المسلمين في أوروبا؛ فنجد أن هناك قوانينَ في بعض البلدان ربما تُشَكِّل تضييقًا على المسلمين في تنفيذ هذه الشعيرة، منها: اشتراط بعض هذه الدول إفقادَ الحيواناتِ الوعيَ قبل ذبحها، أو صعقها بالكهرباء مباشرةً، على اعتبار أن ذلك نوعٌ من الرفق بالحيوان.

ومن منطلق اهتمام "مرصد الأزهر" بأحوال الإسلام والمسلمين حول العالم؛ تُسَلِّط وحدة الرصد باللغة الإسبانية الضوء على كل الأحداث والأخبار والقضايا المتعلقة بالمسلمين في إسبانيا، والتي من بينها قضية الأضحية، وللحديث عن هذه القضية نعطي بدايةً؛ لمحةً سريعةً عن أحوال المسلمين هناك، ففي إسبانيا يبلغ عدد المسلمين حوالَي 2 مليون مسلم، بما يُمَثِّل 4% من إجمالي عدد السكان، وَفْقًا للدراسة الديموغرافية الأخيرة لاتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا.

ويعيش المسلمون في إسبانيا حالةً من التعايش السلمي مع كافّة أطياف المجتمع كجزءٍ أصيل منه، ويتضح ذلك في العديد من الفعاليات والأنشطة المقامة للمسلمين هناك، وتجدر الإشارة إلى أن حوالَي 40% من مسلمي إسبانيا هم من الإسبان؛‏ وهو الأمر الذي يؤكّد سيادة مفهوم التعايش؛ نظرًا للتقارب الثقافي، وخلال العامين ‏الماضيين، واجَه المسلمون في إسبانيا إشكاليّةً فيما يخصّ دخول ‏لحوم الأضاحي من المغرب ‏إلى الأراضي الإسبانية، إذ كانت السلطات الإسبانية تمنع استيراد لحوم الأضاحي من المغرب؛ ‏بحُجّة ‏الحفاظ على الصحة العامة، ومخالفة قوانين الذبح، وغيرها من التعليلات التي قد تكون ‏مقبولةً شكلًا، لكنها تحتاج إلى تفصيلٍ موضوعيّ لدراستها. ‏

 

Image

 

وفي هذا السياق، اجتمع عددٌ من مُمَثِّلي الجمعيات والمنظمات الإسلامية في إسبانيا، مُكَوِّنين "جبهة الدفاع عن الهُوِيَّة" Plataforma en defensa de las tradiciones؛ وذلك رَدًّا على إجراءات الحكومة الخاصة بمنع استيراد الأغنام من المغرب، والحاصل: أن المسلمين يقومون بشراء هذه الأضاحي من المغرب ثم ينقلونها إلى مدينة مليلية الإسبانية لتطبيق هذه الشعيرة هناك، الأمر الذي منعته الحكومة الإسبانية بحلول عام 2015؛ بسبب أن المغرب كانت مُدْرَجَةً ضمن البلدان الحاضنة لوباء الحُمّى القُلاعيّة، وحينَها قرّر المزارعون استيراد الخِراف من شبه الجزيرة الأيبيرية.

وقد طالَبَ عمدة مدينة مليلية في أغسطس 2017 بالالتزام بالقوانين التي تنصّ على منع استقدام أغنام من المغرب؛ نظرًا لعدم استيفائها للشروط الصحية، كما أن إسبانيا وبقية الدول الأوروبية خالية من هذه الأمراض، وتمنع أيضًا الاستيراد من هناك؛ أي: من المغرب.

من هنا؛ عاد الجدل مرّةً أخرى، ودعا المدافعون عن عملية الاستيراد هذه إلى احتجاجات عامة بالمدينة، تنديدًا بهذه الإجراءات؛ كي تُعيدَ الحكومة النظر فيها بُغْيَةَ تنفيذ هذه الشعيرة.   

من جانبه، نشر موقع "إسلام إسبانيا"، في 2017، الشروط التي يجب توافرها في الأضاحي طِبْقًا لأحكام الشريعة الإسلامية؛ لتوعية المسلمين، وذكر الموقع أن الحكومة سمحت لمسلمي إسبانيا باستقدام الأضاحي من "مليلية"، في الفترة ما بين 1 أغسطس إلى 2 سبتمبر 2017؛ شريطةَ مطابقتها للمواصفات التي أقرّتها وزارة الزراعة، لمنْع انتشار مرض الحُمّى القُلاعيّة.

ووَفْقًا للقواعد التي كانت مستقرة حتى منتصف العام الجاري 2018، فلم يكن من المسموح مرور الأغنام إلى إسبانيا، كما وقع في العام الماضي، في بعض المناطق.

وقد حدّدت وزارة الزراعة الفترة الزمنية التي يمكن مرور الأغنام فيها إلى إسبانيا وَفْقًا للشروط المعتمدة، ومن شركاتِ تصديرٍ بعينها.

كما نشرت وزارة الزراعة مشروعَ قانونٍ بتعديل مشروع استيراد الأغنام السابق، وذلك في 19 نوفمبر 2017، لتحديد مرور الأغنام من المغرب إلى مليلية، في الفترة من 1 أغسطس إلى 22 أغسطس 2018، في مُدّةِ سماحٍ أطولَ ممّا كانت عليه في العام الماضي.

 

Image

 

ويرفض أغلب المسلمين في إسبانيا أن تكون لحوم الأضحية من الأغنام المُرَبّاة في إسبانيا؛ خشيةَ أن تكون أطعمتها مختلطةً بمَوادَّ مُحَرَّمةٍ؛ لذا يسارعون إلى استقدامها من المغرب، وذلك وَفْقًا لتصريحات مسئولين بالجمعية الإسلامية هناك، وقد طلب مُمَثِّلو سِتّ جمعياتٍ إسلامية في مدينة مليلية في إسبانيا، من رئيس المدينة، "خوان خوسيه إمبرودا" Juan José Imbroda، تشكيلَ لجنةٍ ثلاثية لحل الأزمة المتعلقة بأغنام الأضاحي.

وفي تصريحات صحفية، أوضح محمد أحمد، رئيس الجمعية الإسلامية بمدينة مليلية؛ أنه قد نقل هذا المطلب إلى رئيس المدينة بهدف تعديل بعض الإجراءات الخاصة باستقبال أغنام الأضاحي من خارج إسبانيا، وأشار إلى أنه أوصل إلى "إمبرودا" ضرورة تَجَنُّب بعض القيود المفروضة على عملية استقدام الأضاحي، بما لا يؤذي أبناء الجمعية الإسلامية بالمدينة؛ لأن الإجراءاتِ الحاليّةَ لا تساعد على إنماء رُوح الاندماج المجتمعيّ، لما تُسَبِّبُه من إثارةٍ لحساسية المسلمين هناك.  

كما أشار إلى استياء المسلمين العميق من هذه القيود وما أعقبها من تصريحاتٍ من المستشار الحكوميّ، والذي قال: "مَن لا تَرُقْهُ هذه القوانين؛ فليُغادِرْ إلى المغرب"، مؤكّدًا على أن مثل هذه التصريحات والألفاظ لا ينبغي أن تخرج من رجلٍ سياسي.

ولحل هذه الإشكالية، اقترحت الجمعيات الإسلامية تكوينَ لجنةٍ ثلاثية مُكَوَّنة من مُمَثِّلين عن المنظمات الإسلامية ومجلس المدينة ووفدٍ حكوميّ؛ بهدف التوصل إلى حلول لهذه الإشكالية.

من جانبه، أوضح السيد "‏إمبرودا" -رئيس المدينة- في تصريحاته، التي نقلتها صحيفة "مليلية أُويْ Hoy‏ الإسبانية"؛ بأنه لم يكن هناك أيّ عقبات أمام مسلمي المدينة في جلْب الأضاحي من الأسواق ‏المغربية، شريطةَ مطابقتها للشروط التي وضعتها وزارة الزراعة.

وأضاف "إمبرودا": أن حكومة مليلية ‏تبذل ما بوسعها وفي حدود اختصاصاتها؛ حتى يَتَسَنّى للمسلمين الاحتفالُ بعيدهم بأفضلِ صورة. ‏

 

Image

 

وفي الإطار القانونيّ، قضت محكمة العدل الأوروبية بالسماح للمسلمين بممارسة عملية الذبح لأضاحيهم، خلال احتفالات عيد الأضحى، دون إفقاد حيواناتِ الأضحية الوعيَ؛ ولكن ذلك بشرط أن تتمّ في المجازر المعتمدة التي تتوافر فيها معايير الاتحاد الأوروبي في الرفق بالحيوان، دون الإخلال بالحرية الدينية، وليس بالمجازر المؤقتة أو غير المعتمدة، كما حدث بين عامي 1998 و 2014.

وفي بيانٍ لها، نفت المحكمة أن يكون هذا القرار للتضييق على المسلمين أو لمنعهم من ممارسة شعيرتهم الدينية، بل أكدت أن حقهم في الحرية الدينية مكفول وأن ذبح الأضاحي في المجازر لا يُقَيِّد تلك الحرية، ولكن لا بد من أن تتمّ عملية الذبح للأضحية على أيدي جزّارٍ معتمَد وفي مكانٍ معتمَد، أي: أن الغرض من مثل هذه القرارات هو التنظيم وفتح الباب للمسلمين كي يُنَفِّذوا عملية الذبح لأضاحيهم بحرية، والامتثال لهذه الشعيرة الدينية، ولكن بضوابطَ تَتَناسب مع معايير الاتحاد الأوروبي، وتنصّ المحكمة على قَصْر عملية الذبح على المَجازر المعتمَدة، دون ممارسة ذلك في مُنْشآتٍ مؤقتة، كما كان في الماضي، وهذا الإجراء يجعل هذه الشعيرةَ خاضعةً للمتطلبات الفنية المُطَبَّقةِ نفسِها، من حيثُ المبدأُ، على جميع عمليات ذبح الحيوانات في دول الاتحاد الأوروبي.

وبعد العديد من المناقشات والأحداث التي جرت من جانب الهيئات الإسلامية هناك، حدث  نوعٌ من التغيُّر مؤخّرًا في صالح المسلمين؛ حيث قرّر وزير الزراعة والصَّيْد البحري الإسباني، السماحَ بمرور الأغنام المغربية إلى مليلية؛ لكي يتمكّنَ المسلمون من الاحتفال بعيد الأضحى المبارك.

 ويُعَدّ هذا القرار إلغاءً للقرار السابق الذي صادقت عليه الحكومة الإسبانية السابقة، ومن جانبها؛ أوضحت السيدة "صابرينا محمد"، مندوبة الحكومة في مليلية؛ أن القرار الجديد لوزارة الزراعة يُعَدّ تعديلًا للقرار الصادر في التاسعَ عشرَ من نوفمبر لعام 2015، والذي كان بمنزلة إجراءٍ وقائيٍّ ضد الحُمّى القُلاعيّة، وبعد دخول القرارِ الجديد حيّزَ التنفيذ؛ سيُلغى مفعولُ القرار الأخير المنشور في السادس من يونيو الماضي، والذي لم يكن يتيح دخول أيّ أضاحي إلى مليلية.

في المقابل، أشارت مندوبة الحكومة إلى أن المادتين 1،3 من القرار تمنعان دخول الحيوانات الحية والمُنتجات ذاتِ الأصل الحيوانيّ من سبتة ومليلية، مضيفةً –في إشارةٍ إلى القرار الوزاريّ الذي صادقتْ عليه حكومة الحزب الشعبي-: "كنّا نواجه مشكلةً كبيرة بمنع دخول الأغنام، فجاء هذا القرار الوزاريّ؛ لِيُنَظِّمَ دخولَ الأغنام إلى إسبانيا"، وأكّدت مندوبة الحكومة أن المدينة عليها أن تُمارِسَ سُلُطاتِها وتمنحَ التسهيلاتِ؛ بغرض تسجيل أكبرِ عددٍ من مراكز التجميع، وذلك بأن توَفِّر للأشخاص المتقدّمين بطلباتهم مساحاتٍ من الأرض؛ لكي يَتَسَنّى للمسلمين الاحتفالُ بعيدهم في سلام.

بدوره، يُرَحِّب "مرصد الأزهر" بمثل هذه القرارات التي تحترم التعددية الدينية، وتراعي حقوق المسلمين في ممارسة شعائرهم المتنوعة، وإقامة شعيرةٍ من شعائر الله؛ ألَا وهي شعيرة الأضحية، التي حَثَّ عليها الإسلامُ، ورَغّبَ في القيام بها؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ (الحج: 36).

 ويأمُل "مرصد الأزهر"، بشكلٍ عامٍّ؛ أن تُراعيَ الحكومةُ الإسبانية الشعائرَ الدينية الخاصّة بالمسلمين.

 

الموضوع السابق تزايُد الهجمات العنصرية ضد المسلمين في بريطانيا خلال العام المُنصرِم
الموضوع التالي ما تشانغ تشينغ.. نموذجٌ للداعية الصيني
طباعة
3598