الروهينجا

ما تشانغ تشينغ.. نموذجٌ للداعية الصيني

ما تشانغ تشينغ.. نموذجٌ للداعية الصيني

      لقد حفل التاريخ الإسلامي بالكثير من العلماء والدعاة إلى الله تعالى في كل أرجاء الدنيا، وكان من بينهم دعاةٌ للإسلام في البَرّ الصيني لا يعرف الكثير من المسلمين سيرتهم، لكن "مرصد الأزهر" يُذَكِّر دائمًا بكلِّ مَن ساهم في خدمة الإسلام ونشر الدين الحنيف في ربوع الدنيا، ويسعى جاهدًا إلى عرض بعضٍ من سِيَرهم؛ ليكونوا قدوةً تُحتذى لشباب المسلمين في العالم أجمع.
لذا حرَصت وحدة اللغة الصينية على تقديم تعريفٍ يسير، بأحد أهم هذه النماذج المشرِّفة في التاريخ الإسلامي، وعرْض سيرته وجهوده في نشر الإسلام بين أبناء الصين المسلمين في العصر الحديث، وهو العالم المسلم: (ما تشانغ تشينغ)، ذاك العالم الذي أفنى عمره في تعليم الدين الإسلامي ونشره بين المسلمين الصينيين.
وُلد الداعية (ما تشانغ تشينغ) عام ١٩٣٦، ونشأ وسط أسرة مسلمة متدينة، حيثُ كان أبوه (ما شو چين) رئيسَ المدرسة العربية الإسلامية في الصين آنذاك، ومنذ نعومة أظفاره بدأ يتلقّى العلم على أبيه، ولم يمرّ وقتٌ طويل حتى ظهر نبوغه وتفوقه في الدراسات الإسلامية؛ مما جعله يعتلي منبر الخطابة والوعظ بالمساجد، وهو لا يزال في الثالثةَ عشرَ من عمره، كما أنه استمر في طلبه للعلم بالرغم من الظروف السياسية الصعبة التي مرّت بها الصين، ففي فترة "الثورة الثقافية" كان يعمل نهارًا بمهنة صيانة الساعات، وليلًا يقوم بدراسة العلوم الإسلامية.
وقد كرّس (ما تشانغ تشينغ) حياته لطلب العلم، فقد درَس العديد من كتب التراث الإسلامي، من أهمها: كتاب "إحياء علوم الدين"، لحُجّة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله، وكتاب "شرح العقائد النسفية"، في علم التوحيد والعقيدة الإسلامية، وكتاب "رَدّ المُحْتار على الدُّرّ المُخْتار"، في الفقه الحنفي، ومكتوبات الإمام الرباني في التصوف الإسلامي، للإمام أحمد سرهندي، وكتاب "شرح الفوائد الضيائية" على "متن كافية ابن الحاجب"،  في علم النحو، وكتاب "مختصر المعاني"، للتفتازاني، في علم البلاغة، وغيرها من الكتب المشهورة.
ولقد عُيّن إمامًا لمسجد "دونغ قوان"، بمدينة "شي نيغ"، شمال غربي الصين، في ثمانينيات القرن الماضي، وتَوَلّى منصب نائب رئيس المجلس الاستشاري السياسي في محافظة "چينغ هاي"، ورئيس هيئة التعاون الإسلامية، وغيرها من المناصب العديدة.
وقد أفنى عمره في نشر العلوم الإسلامية وتخريج الكثير من الدعاة والأئمة، وكان يقضي نهاره في تدريس العلوم الإسلامية، لايُفَرِّق بين الصيف والشتاء، فعُرف عنه أنّ "المسجد" هو مسكنه ومدرسته؛ حتى صارت مدرسته وِجهةً للمسلمين في الصين.
ومن المواقف التي اشتهر بها (ما تشانغ تشينغ) بين المسلمين الصينيين، ما حدث عام ٢٠٠١، عندما خرج من الصين قاصدًا بيتَ الله الحرام لأداء فريضة الحج، وبعد عودته من هذه الرحلة المباركة عمَد إلى مسجده لاستئناف دروسه الدينية مباشرةً قبل ذهابه إلى أهله وبيته.
كما كانت له مواقفُ وطنيّةٌ بارزة، أهمُّها: ما قام به في أحداث الزلزال الذي ضرب منطقة "التبت"، حيثُ حثّ المسلمين على التبرُّع لسكان المنطقة المتضرِّرين من الزلزال، فجُمعت الكثير من التبرعات ووصلتْ إلى مُستحقّيها.
وبعد حياةٍ طويلة مليئة بالدعوة إلى الله، توفّي العالم الصيني المسلم، (ما تشانغ تشينغ)، يوم الإثنين الموافق 16 يوليو 2018، عن عمرٍ ناهَزَ 83 عامًا، أفناها في نشر تعاليم الدين الإسلامي بين الشباب المسلم، وإنّ تشييعَ الآلاف من تلامذته ومحبّيه لجنازته في مشهدٍ مَهيب؛ لَهو خيرُ دليلٍ على عِظَم ما تركه من أثرٍ بين المسلمين الصينيين من مختلِف القوميّات، ودُفن -رحمه الله- في مقابر المسلمين، بمدينة "شي نيغ".
 ويرى "مرصد الأزهر" أنّ ما قدّمه الشيخ (ما تشانغ تشينغ) في الدعوة إلى الله، هو نموذجٌ يُحتذى لجُموع المسلمين، ويؤكّد "المرصد" أن البشرية في حاجةٍ ماسّةٍ إلى تَذَكُّر من جاءوا إلى الدنيا ورحلوا عنها، وقَضَوْا حياتهم في نفع الناس وليس فيما يضرّهم.
ولا شك أن العالم الآن في أمسّ الحاجة لتَلَمُّس ذكرى مَن فهموا دينهم فهمًا صحيحًا، ولم يَجْنَحوا بفكرهم أو يَشذّوا في عقيدتهم، ولا شك أن هناك فَرْقًا شاسعًا بين مَن فهم الدين وعمل بمقتضاه ونفع مَن وراءه، وبين من شَذّ عن المنهاج القويم فأضاع حقيقة الدين الحنيف، وأشاع الذُّعْر من رُوح الإسلام السمحة، وأَضَرَّ بالإسلام أكثرَ من أيّ مُتربِّص.
إن في نموذج عالِمنا الصيني اليوم دلالةً واضحةً على أهمية أن يكون هناك رجالٌ يُكمِلون مسيرته؛ في الحفاظ على الهُوِيَّة الإسلامية في المجتمع الصيني.

 
وحدة الرصد باللغة الصينية

 

الموضوع السابق انفراجةٌ في الإشكالية القانونية حول أداء شعيرة "الأضحية" في إسبانيا
الموضوع التالي ثلاثُ مُدُنٍ ألمانية ترغب في استقبال المزيد من اللاجئين
طباعة
6228

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.