الدبلوماسية الاقتصادية ودورها في الحد من انتشار خطاب الكراهية
انتشر خطاب التطرف والكراهية خلال السنوات الأخيرة بصورة ربما تكون غير مسبوقة، انعكست آثارها السلبية على الطوائف الدينية والعرقية في المجتمعات المختلفة، وقد تحمل المسلمون في البلدان غير الإسلامية النصيب الأكبر من هذه التداعيات بشكل اتخذ أبعادًا وبائية بحسب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد([i]) وما لا شك فيه، توجد العديد من العوامل التي تسهم في إذكاء هذه الظاهرة، والعمل على تمددها وانتشارها في الكثير من المجتمعات والدول.
لكننا في هذا المقال نبحث جانبًا آخر يتعلق بعوامل التأثير في مكافحة خطاب التطرف والكراهية، أو بالأحرى دور الدبلوماسية الاقتصادية في الحد من انتشار هذه الظاهرة الضارة. وهل تحتاج الدبلوماسية الاقتصادية إلى قوة الإقناع؟ وأيهما الأكثر تأثيرًا من الناحية العملية الفعلية في الوقت الحاضر؟ وما هي الآثار المترتبة على تبني كل جانب من هذين الجانبين؟
في البداية نود شرح المقصود بالدبلوماسية الاقتصادية، يعرفها البعض أنها "تلك النشاطات التي تستخدم العامل الاقتصادي في التعامل السياسي".([ii]) ويمكن تعريفها أيضًا بأنها "استخدام العوامل السياسية والاقتصادية بالطرق والأساليب الدبلوماسية بغية تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية محليًا ودوليًا".([iii]) وتتعدد مستويات الدبلوماسية الاقتصادية حيث تصل إلى أربعة مستويات، هي: الدبلوماسية الثنائية، والدبلوماسية الإقليمية، والدبلوماسية الجماعية، والدبلوماسية متعددة الأطراف.
وتعد الدبلوماسية الاقتصادية نمطًا من أنماط القوى الناعمة التي تستخدمها الدول أو الكتل الاقتصادية في التأثير في دول أخرى استنادًا إلى ما تتمتع به من قوة وجاذبية في بنيتها الاجتماعية والثقافية، حيث يعرفها جوزيف ناي، أستاذ العلاقات الدولية، بأنها: "قدرة أمة معينة على التأثير في أمم أخرى وتوجيه خياراتها العامة، وذلك استنادًا إلى جاذبية نظامها الاجتماعي والثقافي، ومنظومة قيمها ومؤسساتها، بدل الاعتماد على الإكراه والتهديد".([iv])
وتجدر الإشارة إلى اختلاف دول العالم من حيث الإمكانيات والقدرات الاقتصادية. ويعتبر الأمن الاقتصادي أحد المحددات الرئيسة في رسم السياسات الخارجية للدول المختلفة. ولا يمكن إنكار حقيقة سيطرة القوة الاقتصادية على القرارات الاستراتيجية الدولية. وقد تُضطر بعض الحكومات حول العالم إلى التراجع عن بعض المواقف والقرارات تحت وطأة الضغوط الاقتصادية لكن تغيير المواقف دون اقتناع بالقضية، قد يكون بمثابة علاج مؤقت لا يقضي على جذور المشكلة، بل على العكس قد يساهم في تشعبها وتعقيدها. وبالتالي تلعب القوة الاقتصادية دورًا بالغ الأهمية في مواجهة خطاب التطرف والإرهاب والكراهية، شريطة أن يقتنع من يمتلك هذه القوة باستخدامها لصالح السلام العالمي.
وقد اضطلعت مصر بدور كبير على مدار تاريخها في الاعتماد على الدبلوماسية الاقتصادية والقوى الناعمة في العمل على إحلال السلام وإنهاء الصراعات في كثير من المناطق حول العالم، كما أنها من خلال الأزهر الشريف تقوم بدور كبير في استخدام هذه الدبلوماسية من خلال توفير منح دراسية للطلاب من مختلف دول العالم للدراسة في معاهد الأزهر وجامعته من أجل فهم الإسلام وفق المنهج الصحيح، إلى جانب توفير فرص لتدريب الأئمة والوعاظ من مختلف دول العالم أيضًا من خلال اتفاقيات بين الأزهر وحكومات هذه الدول والمؤسسات الدينية المعنية بها، كما تتوالى بعثات الأزهر التي تضم شيوخًا وعلماء أزهريين إلى بلدان مختلفة لتتولى نشر صحيح الإسلام في ربوع تلك الدول، ولهذه الجهود مجتمعة دور محوري في مكافحة التطرف والإرهاب ونشر الصورة السمحة الحقيقة لرسالة الإسلام العالمية.
وعلى ذلك فالأمر يبدأ بالاقتناع بضرورة تعزيز السلام حول العالم حتى يتسنى للدول استغلال جميع الفرص والموارد المتاحة لإحلاله ونشر الأمن والطمأنينة حول العالم. ويمكننا أن نخلص إلى أن قوة الإقناع والاقتناع وقوة السياسة والاقتصاد عاملان مهمان في مكافحة التطرف والإرهاب والكراهية؛ حيث إنهما يرتبطان ارتباطًا وثيقًا ببعضهما البعض.
وحدة الرصد باللغة الانجليزية
[ii] علي حسين الشامي، الدبلوماسية: نشأتها وتطورها وقواعدها ونظام الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، عمّان: دار الثقافة، 2009، ص. 29.
[iv] إياد خلف عمر، استراتيجية القوة الناعمة ودورها في تنفيذ اهداف السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة العربية، جامعة الشرق الأوسط: رسالة ماجستير، 2016، ص. 23.
1476