مأساة مسلمى الروهينجا

 

"التغريب".. ينشر الإسلاموفوبيا في تركيا
Anonym

"التغريب".. ينشر الإسلاموفوبيا في تركيا

عندما يُذكر اسم الإسلاموفوبيا يتطرق إلى الذهن عامة ما يتعرض له المسلمون فى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى. لكن من الضرورى ألا يبحث عن هذه الظاهرة فى العالم الخارجى فقط، بل إن ظاهرة الإسلاموفوبيا موجودة فى كثير من الأماكن فى المجتمعات الإسلامية. لأن الأسلام فوبيا معناها ليس فقط الهجوم على الإسلام والمسلمين، بل إن كره الدين والنفور من الرموز والمعتقدات والعبادات الدينية قد تحول إلى الإسلاموفوبيا. لذلك لا يجب البحث عن الخوف من الإسلام عند غير المسلمين فقط، بل قد يظهر هذا الخوف بين الأوساط القريبة من النخبة الحاكمة والتى هى فى مستوى جيد من النواحى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ولكن كيف يتطور النفور من الدين فى المجتمعات الإسلامية؟

كثير من المتخصصين فى هذا الشأن ذكروا عدة أسباب لهذا الأمر، أولها إن فى البلاد الإسلامية التى طبقت سياسات علمانية منحازة للغرب بعد السبعينيات قربوا من السلطة فيها الأوساط المتعلمة والمثقفة، صاحب ذلك فى البلاد الأخرى ظلم مجتمعي وأحكام بالإعدام. وتطور هذا الأمر مع الوقت وتحول إلى خوف من الدين، إذ إن هذه الأحكام وهذا الظلم المجتمعى موجودان فى البلاد التى تدعى أنها تطبق أحكام الدين. ثانياً ظهور ردود فعل قوية ومناهضة للدين من الليبراليين والديمقراطيين فى البلاد التى تحكمها أنظمة صاحبة هوية دينية. ولقد قال محمد آيدن أحد الوزراء الترك السابقين فى إحدى القنوات التلفيزيونية «إن أكبر عامل فى انتشار ظاهرة الإسلامو فوبيا فى المجتمعات المسلمة هو الممارسات المناهضة للديمقراطية». ثالثاً ما تقوم به الجماعات الدينية الراديكالية من أعمال إجرامية مخالفة للدين تسبب فى بروز رد فعل سلبى تجاه الدين، وتنظيم داعش الإرهابى أوضح نموذج على ذلك، والتناول الإعلامى غير الموضوعى لبعض وسائل الإعلام التى تلصق هذه الجرائم بالدين الإسلامى ما يؤدى بالفعل إلى الخوف من الإسلام.

إضافة إلى ما ذُكر عالياً هناك أسباب خاصة بالمجتمع التركى ساعدت فى انتشار ظاهرة النفور من الدين والمتدينين منها تحويل دروس الدين التى كانت اختيارية إلى دروس إجبارية، كذلك التدخل المباشر لرجال الدين فى السياسة، وأيضاً إلحاق الطلاب الذين لم ينجحوا فى امتحانات القبول للثانوية العامة بـمدارس الأئمة والخطباء الثانوية على غير رغبة منهم. ولقد توصل أحد الباحثين فى نتائج أحد أبحاثه إلى أن الدروس الدينية التى تُدرس إجبارياً للطلاب فى المدارس كانت سبباً فى تنفيرهم من الدين على عكس ما كان يُنتظر منها وذلك بسبب إجبارهم عليها،كذلك أيضاً المحاولة الانقلابية الأخيرة فى يوليو 2016م، وإلقاء التهمة فيها على رجل الدين التركى فتح الله جولن وجماعته، كان سبباً أيضاً فى نفور الناس من الدين وخوفهم منه وكرههم لرموزه، وبنائهم أفكاراً أن المتدينين ضد الديمقراطية ولا يعرفونها ولا يعترفون بالانتقال السلمى المشروع للسلطة وحق الشعب فى اختيار من يحكمه.

لكن أهم سبب من أسباب انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا فى تركيا هو التغريب، وانتهاج جزء كبير من الشعب التركى النهج الغربى فى كل شىء. ولقد بدأت حركة التغريب فى تركيا منذ عهد الدولة العثمانية، وتحديداً عام 1839م وذلك بإعلان فرمان التنظيمات الذى قرأه الوزير مصطفى رشيد باشا، والذى أعلن فيه انتهاج الدولة العثمانية طريق الدول الأوروبية من احترام لحقوق الإنسان، واعترف بحق الأقليات، وتأثر الأدب بالتغريب أيضاً وانفتحت الدولة العثمانية على بلاد الغرب انفتاحاً كبيراً وبالخصوص فرنسا، وبدأت تتجلى تأثيراته بوضوح فى أدب مدرسة ثروت فنون التى انتهجت النهج الغربى فى مؤلفات أدبائها، وانعكس ذلك على قسم كبير من الشعب التركى الذى بدأ يقلد أبطال روايات هذه المدرسة فى المأكل والملبس وطرق الحياة والتأثر بالذوق الغربى فى الموسيقى والفنون والعادات والتقاليد. ومن أهم الآثار التى نجمت عن حركة التغريب فى المجتمع التركى ظهور مجلات المزاح والسخرية. وكانت هذه المجلات دائماً تنظر إلى الفكر الدينى على أنه فكر بدائى. ولو نظرنا إلى أشهر المجلات الساخرة فى تركيا اليوم لوجدناها مستمرة فى هذا النهج. ومن هذه المجلات مجلة (الأرق)، ومجلة (البطريق)، ومجلة (ليمان).

وإذا كانت ظاهرة الإسلامو فوبيا تعنى الخوف من الإسلام والمسلمين، وإذا كان هذا الخوف قد مهد السبيل للنفور من الإسلام والمسلمين ومعاداتهم، ثم ظهرت نتيجة هذا النفور والمعادة السخرية من المسلمين ومن دينهم ومن شعائرهم الدينية، فإن هذه المجلات السالفة الذكر تُمثل أوضح النماذج على انتشار ظاهرة الإسلامو فوبيا بين طبقات من المجتمع التركى، فهذه المجلات الثلاث لم تختلف قط عن المجلات الأوروبية صاحبة أزمة الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة من الإسلام والمسلمين.

وفى عام 2011م قامت مجلة البطريق برسم كاريكاتير يسخر من فريضة الصلاة، ولقد أجريت دراسة على المجلات الثلاث السالفة الذكر والتى تعتبر أكثر المجلات شهرة فى تركيا، تحقق أعلى نسبة بيع، واتضح من خلال هذه الدراسة أن هذه المجلات فى عام 2014م قامت بنشر نحو 26 ألفا و600 كاريكاتر، 92.4% منهما رسوم تشوه الدين الإسلامى، وتصف المسلمين بالإرهاب والاعتداء والقبح والكره، كما تسخر من العبادات، وتنتقد الحكومة فى كل إجراءاتها فيما يخص الشأن الدينى. فى المقابل نسبة ضئيلة جداً لا تتخطى 8٪  من منشورات هذه المجلات هى التى تظهر الصورة الإيجابية للإسلام والمسلمين. ولاشك أن مثل هذه الأمور تجعل المتدينين فى تركيا مضطرين دائماً أن يكونوا فى موقف المتهمين والمدافعين عن أنفسهم، ومنهم من يواجه هذه الأمور بالصمت، ومنهم من يحاول أن يوضح أن ما يرتكبه بعض المسلمين من أخطاء أو جرائم لا علاقة له بالدين الإسلامى فى شىء، بل هى أمور يتحملها مرتكبوها.

الموضوع السابق آلام مسلمي الروهينجا في ميانمار.. تتواصل
الموضوع التالي سليمان جودة.. يكتب: نصف مليون سؤال ليبي!
طباعة
1794

أخبار متعلقة