مأساة مسلمى الروهينجا

 

أسباب الإرهاب (4)
Sameh Eledwy

أسباب الإرهاب (4)

الفقر

     لا شك أن للظروف المحيطة تأثير كبير في قَبول شخص ما للأفكار الشاذة من عدمه، فالبيئة المحيطة والظروف السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي يعيشها بعض الشباب ـ بجانب التعرض لمعاناة نفسية ـ يجعل المرء أكثر عرضة للتطرف، بل قد يجعله يرى أن انتهاج أسلوب العنف هو الطريق الذي لا بديل له، فإذا كان الإنسان غير راضٍ عن حاله وعن مجتمعه ويعاني مرارة الفقر وضيق العيش، واجتمع مع ذلك الجهل؛ كان الشخص أقرب إلى التطرف والانضمام إلى الجماعات الإرهابية.
وفي دراسة حديثة، صادرة عن الأمم المتحدة في شهر أكتوبر الماضي، تحت عنوان: "رحلة التطرف في أفريقيا"، بيّنت أن السبب الرئيس للتطرف في منطقةٍ ما مثل أفريقيا ليس دينيًّا لكنه ماديٌّ بالدرجة الأولى؛ وانتهت الدراسة إلى أن أسباب التطرف في مناطقَ كثيرةٍ من القارة تتمحور حول (الفقر، والتهميش، وتراجع المستوى التعليمي، وبعض الممارسات الحكومية)، كما أكدت الدراسة أن الإسلام ليس وراء التحاق الشباب بالمنظمات المتطرفة في كثير من دول أفريقيا، وإنما مرارة الفقر وفقدان الأمل -مثلًا- معًا أحد أهم الأسباب الرئيسة في انتشار التطرف.
فالشعور بالمرارة على المستوي الفردي بسبب البيئة المحيطة به، دافع قوي ليرى الشاب أنه لا سبيل للتخلص من الفقر بالعمل أو بالطرق المشروعة؛ ما يدفعه إلى الانجذاب للجماعات الإرهابية واعتبار أنه على بُعْد خطوات من تحقيق حلمه بتأسيس بيت والحصول على راتب يضمن له الرفاهية، فيندفع وراء هذه الإغراءات.
كما يفسر بعض الشباب معاناته من الفقر أبعدَ من ذلك؛ فيقارن حال بلده بشكل عام بحال غيرها من البلدان، لا سيما البلدان الغنية، فيرى فوارقَ ظاهرةً، ويظن أن الثرواتِ والرفاهيةَ التي تتمتع بها بعض البلدان السبب الأساسي في فقر بلاده وتدهور حال أهلها، ومع الفقر الذي يعاني منه والإغراءات التي تقدمها الجماعات المتطرفة؛ يرى أن أمره محسوم بالانضمام إليها، لتتحسن أحواله ويتغلب على فقره وينعم بالأموال والمكاسب التي تحققها التنظيمات الإرهابية ـ التي تَعِدُهم بتوزيعها بالعدالة على أفرادها حتى يتمتع بها الجميع! ـ ومن ناحيةٍ أخرى، يجد نفسه مطمئنًّا لارتكابه الجرائم الإرهابية التي يحقق فيها نوعًا من الانتقام من تلك المجتمعات، التي يرى لها يدًا في معاناته ومعاناة بلاده من الفقر وسوء العيش.
فالتنظيمات المتطرفة تستغل معاناة الشباب من الفقر وضيق العيش في استقطابهم نحو العنف والإرهاب، وتُوهِم أتباعَها الجُدُد بالجنة على الأرض حيث المال والمسكن وتكوين أسرة في ظل حكم التنظيم، ثم يفاجأ من ينضم إلى هذه التنظيمات الإرهابية أن هذه الوعود كانت ضربًا من الأوهام.
وبناءً على ذلك؛ فإن من يحاول الهرب من فقره خلف ستار الدين بالانضمام إلى الجماعات الإرهابية، له أن يعلم أن التنظيماتِ المتطرفةَ - التي تدّعي أنها تستند إلى الشريعة الإسلامية - تعتمد في تمويلها على النهب والسطو وتجارة المخدرات وغسيل الأموال؛ فأيّ تجارةٍ خاسرةٍ تلك! وكما قال النبي صى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا"، فلا شك أن ما تفعله الجماعات الإرهابية بهذه الطرق وغيرها للحصول على الأموال لا يمكن أن يدّعيَ عاقل أنه يُمثّل الإسلام؛ لأنه يستغل الدين لتسويغ أفعاله الخبيثة.
إن ذلك يكشف زيف وكذب هؤلاء المجرمين بما لا يترك لباحث عن سبيل للعيش سبيلًا أن يعتبر أن ذلك باسم الإسلام أو يرضاه الله؛ بل عليه أن يَكُفّ عن الادعاء أن هذا عمل ديني وأنه "جهاد" في سبيل الله وأنه تحت شعار الإسلام، وليعلمَ أن هذا طريق "بائس" اختاره لنفسه للبحث عن المال ومخرج له من الفقر وسوء الأحوال الاقتصادية وحسب، وبالطبع ليس هو الطريق المستقيم الذي سيوصله إلى مبتغاه.
ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن الفقراء ليسوا وحدهم من تتسلل الجماعات المتطرفة إليهم لإقناعهم بأن الحل يكمن في الانضمام إلى صفوفهم، بل هناك كثير من الشباب المُتْرَف ينضمون إليها، وهذا يدل على أن هذه التنظيمات تَفطن إلى العديد من الأساليب التي تستقطب بها الشباب، وتوظّف تلك الوسائل بحسب الظروف المحيطة؛ لذلك فلا تكفي المواجهة الأمنية والفكرية فقط للقضاء على الإرهاب، بل لا بُدَّ من معالجة الأسباب والعوامل التي تستغلها تلك التنظيمات في إقناع المزيد بتبنّي أفكارهم الخبيثة، ولعل الفقر يُمثّل أحد أهم هذه العوامل.
"لو كان الفقر رجلًا لقتلتُه"؛ تلك المقولة - التي تُنسب إلى الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه - تعني الكثير.
والحق أنه كلما تنبّهت الحكومات لمرارة الفقر وبذلت وُسْعها في توفير العيش الكريم ومحاربة الفقر؛ كان استغلال الجماعات الإرهابية للشباب بالوعود المادية أبعدَ عن الواقع، وكلما بذلت المؤسسات التي يقع على عاتقها هذا الأمر جهدَها في توفير فرص التعلُّم والعمل لجميع الأفراد؛ زاد تحصين الشباب ضد مخاطر التطرف والإرهاب، فلا يكفي لمواجهة الإرهاب علاجُ آثاره، لكن العمل على الوقاية منه وتجنُّب أسبابه أنفعُ وأبقى.

الموضوع السابق جماعة تدعى "نصرة الإسلام والمسلمين" .. أحدث وجوه الإرهاب في مالي
الموضوع التالي ماذا يحدث في إسلام آباد؟
طباعة
6202

أخبار متعلقة