| 17 مايو 2024 م

"د. إبراهيم الهدهد" في مؤتمر المثل العليا بروسيا: قيم الإسلام تدعو إلى بناء السلام بين بنى البشر جميعًا

  • | الإثنين, 21 نوفمبر, 2016
"د. إبراهيم الهدهد" في مؤتمر المثل العليا بروسيا: قيم الإسلام تدعو إلى بناء السلام بين بنى البشر جميعًا

- جوهر رسالة الإسلام عدم إكراه الناس على دين واحد

كتب- حامد سعد

أكد الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر، فى كلمته أمام المؤتمر الدولى النظرى التطبيقى التاسع (المثل العليا وقيم الإسلام فى مجالات التعليم للقرن الحادى والعشرين) المنعقد بالعاصمة أوفا بجمهورية باشكورتستان بروسيا أن قيم الإسلام تدعو إلى بناء السلام بين بنى البشر جميعًا، وأن المشتركات بين بنى الإنسان كبيرة، داعيًا إلى استثمارها فى وقف شلالات الدماء، والتعاون على تنقية الشعور الدينى من الضغائن والأحقاد التى كلفت البشرية ثمنًا باهظًا ومرهقًا، مشددًا على التكاتف لمواجهة العنف، والجوع، والفقر، وبذل المزيد من الجهد لإسعاد البشرية.

وجاء نص الكلمة كالتالى:

سعادة الشيخ أرتور سليمانوف، رئيس الجامعة الإسلامية الروسية لدى النظارة الدينية المركزية لمسلمى روسيا، سعادة الدكتور رنيل أسذللين رئيس الجامعة التربوية لجمهورية باشقورتستان، العلماء الكرام، السادة الحضور أحييكم جميعا بتحية الإسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد 

فإنه ليسعدنى أن أشارككم فى مؤتمركم هذا متمنيا لكم التوفيق والسداد، كما يسرنى أن أهنئكم بمرور عشر سنوات بعد المائة على تأسيس المدرسة العالية الدينية الإسلامية بمدينة أوفا.

وقد قدمت إليكم أيها السادة من مصر التى تحتضن الأزهر الشريف وجامعته، جامعة الأزهر والتى تمثل مؤسسة من خمس مؤسسات كلها تحت قيادة شيخ الأزهر الدكتور أحمد محمد الطيب، إذ يضم الأزهر: جامعة الأزهر التى يدرس فيها ما يقارب نصف المليون من الطلاب والطالبات منهم أربعون ألف وافد من أكثر من مائة دولة من دول العالم، جاءوا ليدرسوا فى الأزهر وجامعته التى تضم سبعًا وسبعين كلية يقوم على التدريس فيها ما يقارب عشرين ألف عضو هيئة تدريس منهم ما يقارب ستة آلاف من النساء والباقون من الذكور، وبها ثلاثة وأربعون مركزًا بحثيًا، وست مستشفيات جامعية، وتُدرس فيها العلوم الدينية والنظرية والتطبيقية بكل فروعها.

والمؤسسة الثانية: قطاع المعاهد الأزهرية الذى يضم أكثر من عشرة آلاف معهد دينى بها أكثر من مليونى تلميذ وتلميذة، وهذه المؤسسة تقوم على التعليم قبل الجامعى بكل مراحله.

والمؤسسة الثالثة: مجمع البحوث الإسلامية وهو أكبر هيئة علمية إسلامية تقوم على خدمة العلوم الدينية وتستقبل الطلاب الوافدين؛ ليدرسوا على منح مقدمة من الأزهر يبلغ عدد الدارسين بها أكثر من أربعة آلاف، وعلى غير منح أكثر من ثلاثين ألفًا، كما أن هذه المؤسسة تبعث علماء خارج مصر على نفقتها لتعليم الإسلام الصحيح، كما أن بها علماء كبارًا فى كل التخصصات يفتون فى كل جديد، وتكون العضوية فيه بالانتخاب المباشر من أعضاء المجمع، ويشترط فى العضو أن يكون حسن السيرة غزير العلم وفيه أعضاء من غير المصريين.

والمؤسسة الرابعة: هيئة كبار العلماء ولها القول الفصل فى مسائل الاختلاف فى الدين الإسلامى.

والمؤسسة الخامسة: هى المجلس الأعلى للأزهر وهى أعلى سلطة فى الأزهر ورئيسها شيخ الأزهر، وقد بدأ أول درس علمى فى الأزهر الشريف فى عام اثنين وسبعين وتسعمائة 972م أى منذ أكثر من ألف عام واستقبل الوافدين ليدرسوا على نفقته منذ أكثر من خمسمائة عام، وقامت الدراسة فيه على ثلاثة أركان علوم المنقول (القرآن الكريم والحديث الشريف) و(علوم المعقول: كالمنطق والفقه أى: العلوم العقلية التى تدرب العقل على فقه النص المقدس وكذلك علوم الآلة) وعلوم الدنيا، أى: العلوم النظرية والتطبيقية، يُربى الطالب فى الأزهر على علوم النقل والعقل والفكر فيقْدر على الفهم الصحيح للدين الإسلامى.

كانت هذه مقدمة مهمة بين يدى ما أريد قوله ليتبين لحضراتكم لماذا استمر الأزهر وجامعته كل هذا الزمان وتلقاه الناس بالقبول، إن كلمتى الموجزة التى ألقيها بين يدى حضراتكم تدور حول دور التربية الإسلامية فى الوقاية من التطرف والتعصب، وأود أن أؤكد فى هذا المقام أن الإسلام العظيم جاء مناديًا بالتزكية كما جاء مناديًا بالتعليم، والذى يطالع نصوص القرآن الكريم، يجد مصطلح التزكية وهو المصطلح الإسلامى الأصيل المقابل لمصطلح التربية المعاصر والتزكية تعنى: تطهير النفس من أدران الشرك ومساوئ الأخلاق، وملأَها توحيدًا وإخلاصًا وحبًا وسلامًا، ورأفة ورحمة ورفقًا وشفقة، وإحسانًا لكل إنسان، وبرًا ببنى البشر إلا من ظاهرنا بالعداوة.

إن الحق سبحانه قد مدح من أخذ نفسه بالتزكية قال تعالى (قد أفلح من تزكى) وقال أيضاً: (قد أفلح من زكاها)، ومن هنا وجدنا فى تراثنا علماء تزكية النفوس، أى: علماء التصوف، ومدارسهم التى تُعنى بتربية النفوس، ولقد كان الوصف الأعلى لنبينا (صلى الله عليه وسلم) ملتصقًا بالتزكية قال تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) ولقد جاءت الآية الكريمة شهادة لنبينا على ما قبل نزول الوحى، فسورة القلم هى السادسة نزولا، ولقد شهد الكفار كما شهد المسلمون له (صلى الله عليه وسلم) بحسن الخلق، وقد بين لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن جوهر رسالة الإسلام هى مكارم الأخلاق فى الحديث الصحيح (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وفى الحديث الصحيح (إن أحبكم إلى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) كما بين القرآن أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جاء بالسلم لا بالحرب، وأن عمود رسالة الإسلام الرحمة للإنسانية كلها، قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). إن مكارم الأخلاق هى مجموعة القواعد السلوكية التى تحدد السلوك الإنسانى وتنظمه بما يحقق إنسانية الإنسان، لذا لا يمكن أن تكون الأخلاق الفاضلة نتاج عقل، إذ إنه يتسم بالأنانية وتضخيم الذات وطغيان الغرائز والتباين فى الآراء، وتغليب المصالح، لذا جاء وحى السماء بالقيم والمثل العليا، ورسّخ قواعدها، وأرسل المرسلين لتطبيقها واقعًا عمليًا فى حياة الناس وكان الإسلام تمام رسالات السماء، وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) أكمل المرسلين خلقا، من هنا نحن مع من يقول إن الأخلاق فى الإسلام عبارة عن (مجموعة من المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنسانى التى يحددها الوحى لتنظيم حياة الإنسان وتحديد علاقته بغيره على نحو تحقيق الغاية من وجوده فى هذا العالم على أكمل وجه). إن القيم الإسلامية تتميز بأنها مستمدة من الوحى السماوى، والأحكام الشرعية قائمة على الأمر والنهى، كما أنها تتميز بالشمول والتكامل وتراعى عالم الإنسان ومافيه، وتستوعب حياة الإنسان من جميع جوانبها، كما أنها تتميز بالاستمرارية والعمومية، وتجمع بين الثبات والمرونة، وتتميز بالوسطية فهى لاتضاد الفطرة البشرية ولاتلغيها، بل توجهها وترشدها وتفجر طاقاتها كما تتميز أيضاً بأنها ترتبط بالجزاءات الدنيوية والأخروية، وتقوم على الضبط والتوجيه والتنمية التربوية.

إن قيم الإسلام قادرة على مواجهة العنف والتطرف فهى تهتم بالسلم العام، وتدعو إلى مجادلة أهل الكتاب بالتى هى أحسن، قال تعالى (ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن) كما أنها تدعو إلى عدم إثارة الحقد والكراهية قال تعالى (ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) كما أنها حال الحرب تحافظ على أمن المحايدين قال تعالى (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) كما أنها تدعو إلى حسن الجوار، وترك المبادرة بالشر، قال تعالى (ولايجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا) كما أنها تأمر بعدم التعرض للمدنيين حال الحرب قال تعالى (وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم).

إن قيم الإسلام تؤمن بتعدد الحضارات، وتقرها، وترسخ الإيمان بذلك فى قلوب المسلمين، والسيرة العطرة لرسول الله وصحبه الكرام، جسدت الإيمان بتعدد الحضارات وتنوع الثقافات، وتعاطت معها، واقعا عمليا و«التقاء الحضارات معلم من معالم التاريخ الحضارى للإنسانية، وهو قدر لا سبيل إلى مغالبته أو تجنبه، وقد تم دائمًا وأبدًا وفق هذا القانون الحاكم التمييز بين ما هو مشترك إنسانى عام وبين ماهو خصوصية حضارية» والخيار البديل لصدام الحضارات هو أن تتفاعل الحضارات الإنسانية بما يعود على الإنسان والبشرية بالخير والفائدة، والاتجاه نحو البناء والاستجابة الحضارية لتحديات الراهن، عكس نظرية (صدام الحضارات) التى تدفع الطرف المتسلح بـإمكاناته العملية والمادية لممارسة الهيمنة ونفى الآخر والسيطرة على مقدراته وثرواته تحت دعوى أن نزاعات العالم المقبلة سيتحكم فيها العامل الحضارى.

إن قيم الإسلام ترسخ فى قلوب المسلمين أن الانعزال والتقوقع والانغلاق على الذات فى عالم اليوم الذى تحول إلى قرية صغيرة بحكم التطور التقنى الهائل فى تكنولوجيا الاتصال أمر مستحيل، كما أن الانسياق وراء الدعوة إلى حضارة عالمية واحدة هو بحدِّ ذاته عملية تكريس لهيمنة الحضارة الكاسحة، وهو طريق التبعية الحضارية الذى يفقد كل أمة خصوصيتها الحضارية، ويحولها إلى مجرد هامش للحضارة الكاسحة.

وقد أكد الإسلام لأتباعه أن التعدد والتنوع من سنن الله فى كونه، وأن جوهر رسالته عدم إكراه الناس على دين واحد فالتعدد سنة من سنن الله تعالى فى الكون، قال تعالى: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم).

إن قيم الإسلام لا تعادى الأديان السماوية، وقد نصَّ القرآن الكريم على أن الإيمان بالرسل والكتب السماوية شرط كمال إيمان المسلم، فى قوله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله) بيد أنه لا يجوز أن يفهم هذا التسامح الإنسانى الذى جعله الإسلام أساسًا راسخًا لعلاقة المسلم مع غير المسلم على أنه انفلات أو استعداد للذوبان فى أى كيان من الكيانات التى لا تتفق مع جوهر هذا الدين. فهذا التسامح لا يلغى الفارق والاختلاف ولكنه يؤسس للعلاقات الإنسانية التى يريد الإسلام أن تسود حياة الناس، فالتأكيد على الخصوصيات العقائدية والحضارية والثقافية، لا سبيل إلى إلغائه، ولكن الإسلام لا يريد لهذه الخصوصيات أن تمنع التفاعل الحضارى بين الأمم والشعوب والتعاون فيما بينها».

إن دعوة الإسلام وقيمه ترتكز على التسامح، والحوار لا الصدام، والتعايش لا التناحر، وقد جاءت نصوص القرآن والسنة المطهرة معلنة عن ذلك بكل وضوح، فقد أمر الله نبيه بالعفو والصفح عن غير المؤمنين به قال الله تعالى: «وقيله يارب إن هؤلاء قوم لايؤمنون فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون «كما أمره بالصفح الجميل (فاصفح الصفح الجميل) وقوله تعالى: (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لايرجون أيام الله ليجزى قوما بما كانوا يكسبون)».

ومن قيم الإسلام ثقافة التعايش التى أكد الإسلام عليها بقاء الآثار والكنائس والمعابد حتى ما يخص أتباع الديانات غير السماوية، وذلك فى البلاد التى فتحها المسلمون على مر التاريخ، فى كل البلاد، ومن يفعل غير ذلك من داعش وغيرها يبرأ منه الإسلام، وهو ناتج عن فهم مغلوط مشوه عن الإسلام.

وليس من هدف الإسلام ولا من رسالته تحويل غير المسلمين للإسلام، وإنما هدفه شرح حقيقة الإسلام، وإن دوره هو الحفاظ على نقاء شريعة الإسلام والدفاع عنها.

 إن الإسلام لا يحمل عداء للعقائد الأخرى، إنه يدين العنف والإرهاب، إن الناس جميعًا قد أوجدهم الله من نفس واحدة، والاختلاف فى العقائد من طبيعة البشر، والعقائد لا تباع ولا تُشترى، ولا إكراه على العقائد، وإن الاختلاف لا يمنع التعاون ولا التعارف، إن جميع الأديان السماوية اتفقت على أمرين: إخلاص العبادة لله وحده والتحلى بمكارم الأخلاق، ولم يختلف أحد على أهمية الكلمة الطيبة فى حياتنا جميعا.  إن قيم الإسلام تدعونا جميعا إلى بناء السلام بين بنى البشر جميعا وإن المشتركات بين بنى الإنسان كبيرة فلنستثمرها فى وقف شلالات الدماء، فلنتعاون جميعا على تنقية الشعور الدينى من الضغائن والأحقاد التى كلفت البشرية ثمنًا باهظًا ومرهقا، فلنتكاتف جميعا أيها السادة لمواجهة العنف، والجوع، والفقر، ولنتعاون معًا لإسعاد البشرية.

 

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
5.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg