| 28 مارس 2024 م

الخطاب الرسمى الألماني ..هل تغير فى مواجهة اليمين المتطرف؟

  • | الخميس, 28 يناير, 2016
الخطاب الرسمى الألماني ..هل تغير فى مواجهة اليمين المتطرف؟

نرى أن كل هذه الخطوات تمثل تغيرًا إيجابيًا فى خطاب ‏الحكومة الألمانية فى مواجهة التطرف اليمينى .‏
الخطاب الرسمى الألماني ..هل تغير فى مواجهة اليمين المتطرف؟

مواصلةً للمقالات التى نشرتها الوحدة الألمانية بمرصد الأزهر ‏الشريف فى شأن الإسلام والمسلمين فى ألمانيا وكذلك الشأن ‏الخاص باللاجئين وأوضاعهم هناك والهجمات التى تعرضوا ‏لها على مدار الأشهر الماضية، نحاول فى هذا المقال إلقاء ‏الضوء على جانبٍ آخرٍ من جوانب القضية ألا وهو الموقف ‏الرسمى للمسئولين الألمان من ظاهرة الإسلاموفوبيا سواء على ‏أرض الواقع أو فى العالم الافتراضى على صفحات مواقع ‏التواصل الاجتماعي. إذ بلغ معدل الجرائم المرتكبة بحق ‏المسلمين من بداية العام المنصرم وحتى منتصف نوفمبر ‏‏1650 جريمة فى عموم ألمانيا، وكان أكثر أنواع تلك الجرائم ‏شيوعًا حرق مقرات إقامة اللاجئين. أما موقف السلطات ‏الألمانية من هذا الأمر فكان محيرًا للغاية لعدم اتخاذها ‏الإجراءات الكافية لحماية هذه المقرات. مما حدا بأحد برامج ‏التلفزة الساخرة أن تخصص فقرة من برنامجها بتاريخ 6 ‏نوفمبر 2015 لهذا الأمر ونشرت صورة على موقعها ساخرة ‏من عدم اتخاذ الشرطة الإجراءات الكافية. كتب عليها: (كل ‏ليلة تشتعل النيران فى مقرات اللاجئين، وكل مرة تصرح ‏الشرطة: "لم يتضح بعد إن كان للأمر علاقة بعداء الأجانب". ‏ما هو إذن؟ هل هو نقد عملى للفن المعمارى لهذه المقرات؟) ‏ربما كان لهذه التعليقات وغيرها أثر فى توجيه بوصلة ‏المسئولين الألمان فى تعاطيهم مع هذا الأمر الشائك. حيث ‏شهدت الفترة الماضية عددًا من التصريحات من جانب ‏المسئولين الألمان قد تنبئ باتخاذ الحكومة قرارًا واضحًا ‏بالوقوف فى وجه التطرف اليمينى الذى يوجه جرائمه تجاه ‏اللاجئين والمسلمين فى ألمانيا عمومًا. تصريحات من شأنها أن ‏تنبئ عن تغير لهجة هؤلاء المسئولين إزاء التطرف اليمينى ‏بجماعاته وأحزابه. ولكن هل يرافق هذا التغيير فى لهجة ‏المسئولين إجراءاتٍ تتخذ على أرض الواقع للحيلولة دون تزايد ‏هذه الهجمات وحماية اللاجئين؟ أم تبقى مجرد دعاية يطلقها ‏هؤلاء السياسيون لكسب مزيدٍ من التأييد لأحزابهم؟ هذا ما ‏نحاول الإجابة عليه فى هذه السطور..‏
صوت الأغلبية الصامتة
فى الأسبوع المنصرم طالعتنا جريدة دى تسايت ‏Die Zeit‏ ‏بخبرٍ عنوانه "وزير العدل الألمانى يريد سماع صوت الأغلبية ‏الصامتة". حيث طالب الوزير هايكو ماس - المنتمى للحزب ‏الديمقراطى الاجتماعي- فى مقابلة مع وكالة الأنباء الإنجيلية ‏المواطنين الألمان بإبداء معارضتهم لعداء الأجانب فى مقار ‏العمل وفى المقاهى وملاعب كرة القدم، داعيًا بذلك الشعب ‏الألمانى لاتخاذ موقفٍ أكثر وضوحًا من الأعمال العدائية ‏للأجانب. وقال ما نصه "لا ينبغى للأغلبية الصامتة أن تصمت ‏أكثر من ذلك". فهذه المشكلة تمس الجميع حسب قوله. وطالب ‏الوزير أيضًا بمساواة الجمعيات الإسلامية بنظائرها المسيحية ‏لتكون هذه خطوة على طريق تقوية مكانة الإسلام فى المجتمع ‏الألماني. كما رأى أن تدريس الدين الإسلامى فى المدارس ‏والجامعات من شأنه أن يساهم فى هذا الأمر. ولم يفت الوزير ‏أن يطالب الروابط الإسلامية بتحمل مسئوليتها فى هذا الأمر، ‏فحتى يتسنى للحكومة عقد اتفاقيات معهم، فإنه ينبغى عليهم أن ‏يكونوا أكثر تنظيماً، وفى الموقف الحالى عليهم أن يتحملوا ‏جزءًا من المسئولية، لأنه لا ينبغى إهمال ازدياد الأصولية ‏الدينية فى أى من هذه التجمعات الدينية. رفض الوزير أيضًا ‏حظر مظاهرات حركة بيجيدا اليمينية المتطرفة ومثيلاتها ‏متعللًا بحرية التعبير التى تكفل حق التظاهر فى المجتمع ‏الألماني.‏
تعليقات الكراهية ‏
ومع تزايد دور وسائل التواصل الاجتماعى فى صناعة الوعى ‏والمزاج الشعبى أولت الحكومة الألمانية ممثلةً فى وزير العدل ‏هايكو ماس اهتمامًا بهذا الأمر أيضًا. ففى تفاهم بينه وبين أهم ‏الشركات فى مجال التواصل الاجتماعى مثل فيسبوك وتويتر ‏وجوجل فى منتصف ديسمبر الماضى توصل الوزير إلى ‏اتفاقية تسمح بتغليب قواعد القانون الألمانى على شروط ‏الاستخدام فى مواقع هذه الشركات فيما يخص التعليقات ‏والمنشورات المعادية للأجانب أو ذات الطبيعة العنصرية. ‏حيث من المفترض طبقًا لهذه الاتفاقية تشكيل قوة عمل ‏للاضطلاع بالمهام التى يمليها هذه التفاهم بين وزارة العدل ‏والشركات المعنية. وبمقتضى هذا التفاهم تخضع هذه التعليقات ‏للفحص فى خلال أربع وعشرين ساعة من تاريخ نشرها ومن ‏ثم تُحذف أو تبقى. ولهذا الغرض ستستعين تلك الشركات ‏بخبراء ألمان مؤهلين للقيام بعملية الفحص كما ستقدم الشركات ‏إمكانيات أكثر سهولة للتبليغ عن هذه التعليقات العنصرية. كما ‏ستهتم تلك الشركات بدعم الأصوات المعارضة للعنصرية ‏وعداء الأجانب. وأكد الوزير على الالتزام بالشفافية بهذا ‏الصدد، وضرورة إبلاغ الجمهور بشروط الاستخدام المتبعة ‏لحذف هذه التعليقات المُبلغ عنها. وقال إنه راضٍ عن هذه ‏الإجراءات باعتبارها بدايةً للمشروع، ولكنه غير راضِ عن ‏النتائج التى جرى التوصل إليها حتى الآن. وأكد الوزير على ‏ضرورة زيادة الضغط على هذه الشركات بهذا الصدد وكذلك ‏على الطبيعة المجتمعية لهذه المشكلة مطالبًا أيضًا الأغلبية ‏الصامتة برفع صوتها فى هذا الشأن. ‏


نخب سياسية ..محرضة
ربما كانت تصريحات وزير الخارجية الألمانى فرانك فالتر ‏شتايمناير - الحزب الديمقراطى الاجتماعي- التى أدلى بها ‏الأسبوع الماضى هى الأكثر قوة بين تصريحات المسئولين ‏الألمان بهذا الشأن. إذا هاجم الوزير الأحزاب اليمينية واعتبرها ‏شريكة فى المسئولية عن الهجمات التى تطول المسلمين ‏والعرب. وقال إنه لأمر خطير أن يحاول البعض اصطياد ‏الأصوات الانتخابية عن طريق الحديث عن موضوعات ‏اللاجئين، فهذا يبين لنا أسباب تصاعد العنف من المتطرفين ‏اليمينيين فى ألمانيا. وقد استخدم الوزير مصطلح "النخب ‏المحرضة" فى تصريحاته للصحف. كما طالب باتخاذ ‏إجراءات حاسمة وسريعة ضد هذا الأمر، وبين أن اتخاذ ‏التدابير اللازمة ضد مثيرى مشاعر الكراهية عل الانترنت ‏يعتبر الرد الأمثل على خطر اليمينيين، ولكنه لم يذكر أسماء ‏منظمات أو أحزاب بعينها. علاوةً على ذلك رفض الوزير ‏وضع اللاجئين مع الإرهابيين فى بوتقةٍ واحدة. مؤكدًا أن معظم ‏منفذى الهجمات على الأراضى الأوروبية أوروبيون، كما هو ‏الحال فى هجمات باريس فى نوفمبر الماضي. وبين أن الحملة ‏التى أجراها وزير العدل الألمانى والمنتمى للحزب الديمقراطى ‏الاجتماعى أيضاً ضد رسائل الكراهية على الانترنت تعتبر ردا ‏مهماً على خطر اليمنيين أيضاً.‏

مواجهة أم دعاية سياسية ؟
إن كثافة تصريحات المسئولين الألمان وقراراتهم فى ‏الأسبوعين الماضيين بشأن قضية التطرف اليمينى وتركيزهم ‏على توجيه النقد للأحزاب والجماعات اليمينية صراحةً أو ‏تلميحًا تلفت الانتباه إلى وجود تغيرٍ فى لهجة الحكومة الألمانية ‏بخصوص الاعتداءات على الأجانب بصفةٍ عامة واللاجئين ‏بصفةٍ خاصة. ويمكننا أن نرجع هذا التغير إما إلى الاستجابة ‏لموجة النقد التى طالتها فى وسائل الإعلام أو إلى شعورها ‏بالخطر الفعلى لمثل هذه الأعمال الإجرامية من جانب اليمين ‏المتطرف وصعوبة السيطرة عليها فى حالة تفشيها وارتفاع ‏معدلاتها أو لمجرد الدعاية السياسية وكسب مزيد من الأرض ‏فى المعارك الانتخابية القادمة. ولا نستطيع أن نقلل فى هذا ‏السياق من التفاهم الذى توصلت إليه وزارة العدل مع وسائل ‏التواصل الاجتماعى لحذف التعليقات والمنشورات المسيئة ‏للأجانب واللاجئين، نظرًا للأهمية الكبيرة التى تحظى بها هذه ‏الوسائل فى وقتنا الحاضر وتأثيرها الكبير على المجتمع فى ‏تشكيل وعيه وإدراكه بالقضايا المحيطة به والتى تؤثر عليه ‏سلبًا وإيجابًا. وعلى الرغم مما سبق ذكره من تصريحات وزير ‏العدل بصعوبة حظر تظاهرات حركة بيجيدا اليمينية المتطرفة ‏انطلاقًا من مبدأ حرية التعبير على الرغم من عدم رضاه عما ‏تقوم به بيجيدا، إلا أن الأيام الماضية شهدت محاولات من ‏الحكومة الألمانية فى بعض الولايات حظر الحزب القومى ‏الديمقراطى حسبما ورد فى جريدة دى فيلت، وهو الحزب الذى ‏يمثل غطاءً لكثير من أنشطة اليمين المتطرف فى ألمانيا. وهذا ‏يمثل بلا شك خطوةً واقعية على الأرض لمواجهة أعمال العنف ‏التى تقوم بها جماعات اليمين المتطرف فى ألمانيا وسحب ‏الغطاء الشرعى والسياسى من تحت أقدامها. كما أن تصريحات ‏وزير الخارجية أيضًا تصب فى سياق توجيه سهام النقد لهذه ‏الحركات والأحزاب وذلك بهجومه الصريح عليها وتوجيه ‏الاتهام لها باستغلال قضية اللاجئين لجمع الأصوات فى ‏المعارك الانتخابية القادمة ومغازلة مشاعر التطرف والوطنية ‏الزائفة لدى بعض قطاعات الناخبين المتعاطفين مع الأحزاب ‏والحركات اليمينية. وكذلك رفض وزير الخارجية وصم ‏اللاجئين بتهمة الإرهاب مؤكدًا أن أغلب منفذى العلميات ‏الإرهابية التى وقعت على الأراضى الأوروبية يحملون ‏جنسياتٍ أوروبية، مستشهدًا بهجمات باريس فى نوفمبر ‏الماضي. ومن الملاحظ أن معظم هذه التصريحات والقرارات ‏تأتى من جانب الحزب الديمقراطى الاجتماعى -وهو الحزب ‏الشريك فى الائتلاف الحاكم فى ألمانيا ممثلًا ليسار الوسط-مع ‏حزب الاتحاد المسيحى الديمقراطى – ممثلًا ليمين الوسط- ‏تحت قيادة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. من جانبها ‏انتهزت ميركل فرصة أعياد رأس السنة الميلادية للحديث عن ‏اللاجئين وكيفية استفادة الدولة من تجربة الهجرة الناجحة ‏ومناشدتها المجتمع للتماسك فى وجه دعوات العداء للأجانب، ‏وهذا سيتحقق – حسب قولها- إن لم نتبع أولئك الذين ببرودتهم ‏وكرههم يطالبون بأن تكون ألمانيا لهم وحدهم ويريدون إقصاء ‏الآخرين. كان هذا الحديث جزءًا من خطاب أذاعته المحطات ‏الرسمية الألمانية مترجمًا بالكامل إلى اللغة العربية بمناسبة ‏رأس السنة الميلادية. ‏
إننا إذ نرى أن كل هذه الخطوات تمثل تغيرًا إيجابيًا فى خطاب ‏الحكومة الألمانية فى مواجهة التطرف اليمينى من قبيل محاولة ‏حظر الحزب القومى الديمقراطي، فإننا نأمل فى رؤية المزيد ‏من الخطوات على الأرض لمواجهة خطر التطرف اليمينى ‏الذى فاق أعداد مناصريه وفقًا لإحصائيات هيئة حماية الدستور ‏أعداد المتطرفين الإسلاميين بعشرة أضعاف. وإلى أن نرى ‏مزيدًا من الخطوات على أرض الواقع تبقى بعض هذه ‏التصريحات حبيسة الجدران التى أطلقت بين جنباتها، وتبقى ‏الهجمات على مقار إيواء اللاجئين ناقوس خطر يدق فى ‏المجتمع الألمانى الذى يفخر بكونه مجتمعًا متعدد الثقافات ‏والأديان يسعى لاحتواء كافة البشر الذين يعيشون على أراضيه ‏دون تمييز على أساس دين أو عرق أو لون.‏

‏* وحدة الرصد باللغة الألمانية
طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
5.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg