استقلال ذمة المرأة ماليا واجتماعيا فى الإسلام
ابتليت المرأة فى مختلف العصور بمن يحيف على حقها ويمتهن كرامتها فيعتبرها من سقط المتاع، ويظنها رجسا من عمل الشيطان، ومن ينظر إليها كآلة صماء ويعتبر قيمتها بمقدار ما تنتجه من مادة فقط، ولقد وقف الإسلام موقفا معتدلا من المرأة فى شتى مناحى الحياة وفى هذه السطور نتناول استقلال المرأة ماليا واجتماعيا فى الإسلام.
استقلال الذمة المالية للمرأة فى الإسلام:
الذمة لغة: تطلق على العهد، الحرمة، الضمان.
والذمة فى الفقه الإسلامي: وصف شرعى يصير به الإنسان أهلاً للإلزام والالتزام، أى صالحًا لأن يكون له حقوق وعليه واجبات.
ومن الأصول المقررة شرعا: أن للمرأة فى الإسلام الأهلية الكاملة، والذمة المالية المستقلة التامة، ولها الحق المطلق فى إطار أحكام الشرع فيما تكسبه من عملها الحلال، ولها ثروتها الخاصة، كما لها حق التملّك، وحق التصّرف فيما تملك، ولا سلطان للزوج على مالها، ولا تحتاج لإذن الزوج فى التملك والتصرف بمالها
والأصل فى حقها فى التملك: قوله تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وهذا ظاهر فى أن المرأة إذا كانت يتيمة ثم صارت راشدة جاز لها التصرّف فى مالها بعد اختبار حسن التصرف فى المال.
كما أنها تستحق النفقة الكاملة المقررة بالمعروف إذا كانت زوجة مهما كانت ميسورة الحال، وتجب النفقة بحسب حال الزوج يسارا أو إعسارا، وبما يتناسب مع الأعراف الصحيحة والتقاليد الاجتماعية المقبولة شرعا، لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} الطلاق:7، ولا تسقط هذه النفقة إلا بالنشوز، وفقا لما قرره الشرع والقانون.
وقد تواترت النصوص الشرعية على حق المرأة فى تملّك المال على سبيل الاستقلال، منها الإعلان عن حقها فى الميراث كمبدأ عام، مثلها مثل الرجل تماما. قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} النساء: 7.
1- قوله تعالى {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]. فأثبت الله تعالى للمرأة حق تملك المهر فى نفس الوقت، أجاز لها حرية التصرف فيما تملك دون الرجوع إلى إذن أحد، وهذا دليل على أن المرأة فى ظل الشريعة الإسلامية لها حرية التصرف فى مالها تملكا وإنفاقا وتبرعا، دون قيد ما دامت بلغت الرشد.
2- قوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} [البقرة: 237]. أكدت هذه الآية الكريمة أحقية الزوجة فى تملك نصف المهر فى حالة الطلاق قبل الدخول، مع جواز عفوها عن بعض ما استحقت من نصف المهر دون استئذان من أحد، مما يدعم استقلال ذمتها المالية.
3- قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقْنَ، يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» صحيح مسلم (2/ 694) ففى هذا الحديث إثبات الملكية للمرأة، وإثبات حرية التصرف فى هذه الملكية دون الرجوع إلى اسئذان أحد، وهذا يدل على أنها مخاطبة شرعا بالعبادات المالية كالرجل تماما.
والنصوص فى هذا الشأن تفوق الحصر، والشارع الحكيم عندما أثبت للمرأة حرية التملك، وحرية التصرف لم يحرمها من المشاركة فى تحمل أعباء الحياة الزوجية والبذل فى سبيل رفاهية الأسرة؛ لكنه جعل ذلك موكولا لإرادتها وطيب خاطرها، ففى الصحيح أن زينب سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن النفقة على زوجها هل لها فيها أجر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم ولك أجران، أَجْرُ الْقَرَابَةِ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ.صحيح مسلم (2/ 694)
فضلا عن أن المرأة فى التشريع الإسلامى مكفولة النفقة فى بيت أبيها قبل الزواج، وفى بيت زوجها بعد الزواج، فالزوج ينفق عليها ولو كانت ميسورة، ولا يحق له التصرف فى مالها إلا إذا أقرضته قرضاً حسنا، يجب عليه رده لها، وهذه ميزة أقرتها الشريعة الإسلامية، قلما توجد فى نظام آخر.
=========================
.. وللحق فإن الواقع فى مصر يشهد أن هناك من غير المسلمين من يلجأ لتحكيم الشريعة الإسلامية رفعا للخلاف وتأسيسا على النص الدستوري.
تحديد الهوية الدينية للدولة والنص عليها بالدستور
يجدر بنا قبل الشروع فى بيان الموقف الصحيح فى هذه القضية أن نقف على تحديد معانى المصطلحات التالية: الهوية ـ الدين ــ الدستور.
أولا: الهوية: هذه الكلمة نسبة غير قياسية للفظ "هو هو"، والهوية بالمعنى الفلسفى تعنى حقيقة الشيء من حيث تميزه عن غيره، فرداً كان أو جماعة.
ثانيا: الدين، ومعناه العام فى عالم الناس: ما يعتنقه الإنسان من أفكار ومعتقدات تحكم سلوكه ويخضع لها. أمّا الدين فى المنظور الإسلامى فهو الشريعة والمنهج الذى يحكم جميع جوانب الحياة.
ثالثا: الدستور: وهو مجموعة القواعد العليا التى تُحكم بها الدّولة، فهو أشبه بالعقد الاجتماعى بين الحاكم والرّعية، تحدد فيه القواعد الكلية لنظام الدولة، مثل اسم الدولة الرسمى و ديانتها الرسمية، و نوع الحكم فيها، و طريقة تشكيل الحكومة و البرلمان، و تحديد سلطات الدّولة و حقوق المواطنين و واجباتهم و ما إلى ذلك.
وبعد تقرير هذه المصطلحات ننتقل إلى حكم تحديد الهوية الدينية للدولة فى دستورها:
إن طبيعة نظم الحكم التى فرضها التقدم الإنسانى اقتضت أن يكون لكل دولة دستور تحدد فيه هوية الدولة التى تميزها بين الدول، والأطر العامة لنظام الحكم الذى تتبناه هذه الدولة، ولأن للدين دورا هاما فى إعلان هوية الدولة. فإن قضية الدين فى الإسلام ليست قضية هامشية فى حياة الفرد أو المجتمع، بل الدين فى الإسلام يمثل المحور الرئيس الذى ترتكز عليه كل حياة الإنسان، قال الله تعالى: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ [البقرة: 138] فالصبغة هى الهوية، والهوية عند المسلمين هى الإسلام، لأن الإسلام يصبغ الإنسان بصبغة خاصة فى عقيدته وفكره ومشاعره وتصوراته وآماله وأهدافه وسلوكه وأعماله، قال القرطبى فى تفسيره للآية السابقة: (فسمى الدين صبغة استعارة ومجازاً حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين، كما يظهر أثر الصبغ فى الثوب) تفسير القرطبى (2/ 144)، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاى وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأنعام:162.
ولما كان الواقع تاريخيا وإحصائيا أن الإسلام فى مصر هو الدين صاحب الأغلبية، فإنه استقر عنوانا لهوية الدولة منذ القدم، إلا أن بعض الناس يجادلون فى هوية مصر الإسلامية, ومن ثم يمتعضون من النص الدستوري: دين الدولة هو الإسلام، وكثير من هؤلاء المعترضين يجهلون أن هذا النص ليس بدعة إسلامية وإنما هو أمر معروف لدى العديد من الدول غير الإسلامية ذات الأغلبية المسيحية, وعلى سبيل المثال:
1 ــ فى المادة الثانية من دستور النرويج نص على أن الانجيلية اللوثرية ستظل الدين الرسمى للدولة ويلتزم السكان المعتنقون لها بتنشئة أولادهم بموجبها.
2- وفى إنجلترا أقر البرلمان مختلف النظم الأساسية التى تعد القانون الأعلى، والمصدر النهائى للتشريع (أى الدستور القانوني), وجاء فيه: إن كنيسة انجلترا هى الكنيسة المعترف بها, وإن العاهل الانجليزى بحكم منصبه ــ هو الحاكم الأعلى لكنيسة انجلترا. وهو متطلب مقرر فى قانون التسوية لعام 1701م, بأن ينضم كنسيا لمجتمع كنيسة إنجلترا وكجزء من مراسم التتويج يطالب العاهل بأن يؤدى القسم بالحفاظ على التسوية المبرمة مع كنيسة إنجلترا, وأن يحفظها بدون خروقات, كما يحفظ العقيدة والشعائر والنظام وطرق إدارتها وحكمها, وذلك بموجب القانون الذى تم إقراره فى إنجلترا. وذلك قبل التتويج بواسطة الاسقف الأعلى للكنيسة رئيس أساقفة كانتربري.
3 - وفى إسبانيا الكاثوليكية ــ ينص الدستور ــ فى المادة 16 ــ على أنه على السلطات العامة أن تأخذ فى الاعتبار المعتقدات الدينية للمجتمع الإسباني, والحفاظ على علاقات التعاون المناسبة مع الكنيس.
4 - أما اليونان ــ الأرثوذكسية ــ فإن الدستور يفصل فى ذلك كثيرا, وذلك عندما ينص ــ فى المادة الثانية من القسم الثانى علي:
أ ــ أن الديانة السائدة فى اليونان هى ديانة كنيسة المسيح الارثوذكسية الشرقية والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية, والتى تقرر. وتتخذ من يسوع المسيح رأسا لها, كما تتحد مع كل كنيسة تدين بنفس العقيدة بقدر التزامهم فى المقابل ودون أى شك أو مماراة بالشرائع والتقاليد الرسولية والمجامع المقدسة, وهى كنيسة مستقلة يديرها المجمع المقدس للأساقفة العاملين والمجمع المقدس الدائم المنبثق عنه, والمشكل على النحو المحدد فى الإجراءات القانونية الملتزمة بالإعلان البطريركى الصادر فى 29 يونيو سنة 1850م, والقانون الخاص بالمجلس الكنسى الصادر فى سبتمبر سنة.1928
ب ــ ولا يعتبر النظام الكنسى الموجود فى مناطق معينة من اليونان مناقضا للأحكام الواردة فى الفقرة السابقة.
ج ــ ويجب الحفاظ على نص الكتاب المقدس دون تحريف.. وتحظر الترجمة الرسمية للنص وللآية إلى لغة أخرى دون موافقة مسبقة من الكنيسة المستقلة لليونان.
لذلك فالنص على الهوية الدينية فى الدستور المصري، أمر لا يدعو إلى القلق من بعض فئات المجتمع. فإن الإسلام قد حمى الأقليات الدينية حماية تامة قبل أن يعرف الناس القانون الدولى أو منظمات حقوق الإنسان، وبدون رفع دعوى لمجلس الأمن أو محكمة الجنايات الدولية قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما. صحيح البخارى (3/ 1155)
ولما وقعت جريمة سرقة على عهد النبى صلى الله عليه وسلم واتهم فيها يهودى ظلما وعدوانا نزلت عشر آيات من القرآن الكريم لتبرئ ساحة اليهودي، بل وتهدد المجتمع الذى تغيب فيه الحقيقة ويتهم فيه برئ حتى ولو كان كافرا قال تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105)} [النساء:من 105 ــ إلى 114]
وهذا سجلّ قرآنى لا يتبدل، مما يؤكد أن الإسلام قد أنصف غير المسلمين على اختلاف مللهم، بل وامتدحهم بنص القرآن الكريم، قال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِى أَحْسَنُ} العنكبوت:46، وقال أيضا: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} المائدة: 82، وبهذا المنهج استقر فى وعى المسلمين بمصر البر بغير المسلمين، إعمالا لنصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة، بل إن الإسلام لم يكتف بالنهى عن إيذاء غير المسلمين وإنما فتح الباب لتنمية العلاقات الاقتصادية والاجتماعية حيث أمر بالمودة وبذل المعروف فقال تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]
ثم تدعيما لتواصل الرحم بين المسلمين وأهل الكتاب، أحل الله عز وجل زواج المسلم بالكتابية لإنشاء علاقة مصاهرة توطد العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين، قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية، المائدة:5.
وللحق فإن الواقع فى مصر يشهد أن هناك من غير المسلمين من يلجأ لتحكيم الشريعة الإسلامية رفعا للخلاف وتأسيسا على النص الدستوري: أن الإسلام هو دين الدولة وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع.
فهذا النص يخدم غير المسلمين كما يخدم المسلمين، لذلك كان عنوان الهوية الإسلامية لمصر ثابتا لا ينازع.
أما استدعاء البعض لفترات الصراع فى التاريخ بين المسلمين وغيرهم، فإن هذا الصراع كانت له ظروفه التاريخية وأحداثه إنما هى بنت بيئتها وسياقها التاريخي، والإسلام لا يُحكم عليه إلا من خلال نصوصه القائمة على السلم العام والوفاء بالعهود والأمان، عملا بنصوص القرآن الكريم، قال تعالى:{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً} البقرة:208، وقال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} الأنفال:61.، وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} النحل:91، وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} الإسراء: 34.
=====================
.. قرر الفقهاء أنه فى حالة الضرورة يباح للمرأة أن تسافر بلا محرم وكذلك لا مانع شرعًا من خروج المرأة من بيتها لمتطلباتها الحياتية بغير محرم
خروج المرأة لتلبية متطلباتها الحياتية دون محرم
من الأصول المقررة أن شريعة الإسلام لم تفرض على المرأة أن تكون أسيرة فى البيت وكذلك لم تقيد حريتها أو تحرم المجتمع من عطائها، فللمرأة أن تخرج لتحصيل المصالح الدينية والدنيوية ما لم يترتب على خروجها مفسدة راجحة.
واجتنابًا للمفاسد ونتائجها، فإنه يتعين على المرأة المسلمة عند إرادة السفر الطويل فى حالة الاختيار أن تتخذ محرمًا، يرعاها فى خصوصياتها ويجب عنها ما تكره، ويساعدها فى تلبية احتياجاتها، غير متحرجة منه، لما له من خصوصية الاطلاع منها لما ليس لغيره.
فتشريع سفر المحرم مع المرأة هو نوع تكريم لم تلتفت إليه التشريعات الوضعية، ولم تعبأ به، وليس ناشئًا عن إهانة الإسلام للمرأة، أو ابتغاء كبت إرادتهن، ولكن لحمايتهن من الافتتان.
ومن هذا المنطلق جاء الحديث النبوى الشريف " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا " رواه مسلم.
كما قرر الفقهاء أنه فى حالة الضرورة يباح للمرأة أن تسافر بلا محرم، وكذلك لا مانع شرعًا من خروج المرأة من بيتها لمتطلباتها الحياتية بغير محرم، دل على ذلك الكتاب والسنة والمعقول.
أما الكتاب: فقوله - تعالى – " وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِى حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ "(القصص:22).
ووجه الدلالة من الآية الكريمة: أن هذا الرجل الصالح شُعيبًا، قد أذن لابنتيه أن تسقيا الأغنام خارج البيت من ماء مدين؛ لأن شُعيبًا فى حالة عجز عن القيام بمهمة السقي، فهو إذًا فى حالة ضرورة أباحت له أن يأذن لابنتيه بالقيام بهذا العمل، وإن كان هذا شرع موسى – عليه السلام -؛ فإنه شرع لنا ما لم يأت ما ينسخه.
أما السنة: فعن أم المؤمنين عائشة- رضى الله عنهما- قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم " قَدْ أَذِنَ اللَّهُ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ" (رواه البخارى ).
ووجه الدلالة من الحديث: قد أفاد الحديث أن للمرأة الخروج من بيتها من أجل حاجتها، وأنها لا تُمنع من ذلك عند اقتضاء المصلحة، فهذا مما أذن فيه الشرع.وعن عبد الله بن عمر – رضى الله عنهما – عن النبى – صلى الله عليه وسلم – " إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَمْنَعْهَا".
ووجه الدلالة من الحديث: يفيد الحديث عدم منع المرأة من الخروج لقضاء مصالحها، إذا استأذنت زوجها, أو من تكون تحت ولايته الشرعية.
أما المعقول: فإن عدم جواز خروج النساء لحاجتهن فيه مشقة عليهن، وقد يلحق المرأة الضرر عند فوات المصلحة لذلك جاءت النصوص الدالة على رفع المشقة عنها وإزالة الضرر قال تعالى " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج: 78).وقوله " {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}
(البقرة:185)، وقوله صلى الله عليه وسلم "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" (موطأ مالك ).مما أنتج القاعدة الفقهية: (الضرر يزال) ونظيرتها (إذا ضاق الأمر اتسع) يضاف إلى ما سبق أن النساء المسلمات كن يخرجن فى قضاء حوائجهن فى كل عصر ومصر من غير نكير عليهن، فدل ذلك على المشروعية.
وقد نص الفقهاء على أن للمرأة المتزوجة الخروج من بيتها لحاجة كما أنهم اعتبروا خروجها بدون إذن زوجها لا يعد نشوزًا ما دام الزوج لا يكفيها، وما دامت الحاجة تستدعى خروجها.
يقول ابن حجر الهيتمي- رحمه الله - فى الفتاوى الكبرى عندما سُئل - رحمه الله- هل للمرأة أن تخرج من بيت زوجها للاستفتاء- طلب الفتوى - والتكسب ونحو ذلك أم لا ؟ فأجاب بقوله: }لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلضَّرُورَةِ كَخَوْفِ هَدْمٍ وَعَدُوّ وَحَرِيقٍ وَغَرَقٍ وَلِلْحَاجَةِ لِلتَّكَسُّبِ بِالنَّفَقَةِ إذَا لَمْ يَكْفِهَا الزَّوْجُ وَلِلْحَاجَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالاسْتِفْتَاءِ وَنَحْوِهِ إلا أَنْ يُفْتِيهَا الزَّوْجُ أَوْ يَسْأَل لَهَا{. الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي، ج4 صــ 205.
مما سبق يتضح أن الشرع قد أذن للنساء أن يخرجن لحوائجهن؛ لكن كل هذا لا يكون إلا وفق ضوابط الشرع من حيث المحرم للسفر، والأمن فى الطريق فى الحضر، وكذا أن تخرج بحجابها الساتر لجميع بدنها وأن لا تكون متبرجة أو متزينة أو متعطرة؛ لقوله – تعالى -: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ
الأُولَى ) (الأحزاب: 33)