.. ومن حسن الإدارة أن ينظم ويخصص كل رئيس مصلحة وقتا ومكانا لأداء الصلاة، ليكون معلوما للكافة كى لا يكون ذريعة لتفلت بعض الموظفين، فتضيع أو تتعطل مصالح المواطنين
العمل ليس عذرا لتأخير الصلاة .. وهى ليست ذريعة لتعطيل مصالح الناس
للصلاة مكانة عظيمة فى الإسلام. فهى آكد الفروض بعد الشهادتين وأفضلها، وأحد أركان الإسلام الخمسة. قال النبى صلى الله عليه وسلم: "بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان"، فالصلاة عمود الدين الذى لا يقوم إلا به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد فى سبيل الله"، وهى أول ما يحاسب العبد عليه من حقوق الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر"، كما أنها آخر وصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عند مفارقته الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم"، وهى آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتى تليها. فأولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة"، كما أنها العبادة الوحيدة التى لا تنفك عن المكلف، وتبقى ملازمة له طول حياته لا تسقط عنه بحال.
ومن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى الصلاة لوقتها، ففى صحيح مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الأعمال الصلاة لوقتها، وبر الوالدين"، فلا يجوز تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها؛ لقول الله تعالى: "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا"، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: "صل الصلاة لوقتها".، ووقت الصلاة موسع له بداية ونهاية، فلا تصح قبل وقتها، ويحرم على المكلف تأخيرها بغير عذر حتى يخرج وقتها، وما بين البداية والنهاية يكون فعل المكلف موصوفا بالآداء.
وأما بالنسبة للصلاة أثناء العمل، فالعمل ليس عذرا لإسقاط الصلاة أو تأخيرها عن وقتها، ومن حسن الإدارة أن ينظم ويخصص كل رئيس مصلحة وقتا ومكانا لأداء الصلاة، ليكون معلوما للكافة كى لا يكون ذريعة لتفلت بعض الموظفين، فتضيع أو تتعطل مصالح المواطنين.
ــــــــــــــــــــــــ
.. وإذا كانت المصلحة فى تقريب هذه القصص تمثيلا وتصويرا للناس إلا أن المفسدة فى تجسيد أنبياء الله ورسله عظيمة والخطر منها أفدح.
تجسيد الأنبياء والرسل فى الأعمال الفنية
الأنبياء والرسل أفضل العالمين على الإطلاق، اختارهم الله لما علمه فيهم سلفا من نقاء وفضل، فهم أفضل بشر على الإطلاق وإن تفاوتوا فى الفضل فيما بينهم قال تعالى {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} الإسراء - 55، وهم بهذه المنزلة أعز من أن يمثلهم أو يتمثل بهم إنسان أو حتى شيطان، فقد عصمهم الله واعتصموا به، فهم محصنون من الخطايا، كما أنهم محصنون من أن يتمثل بهم الشيطان، ففى الحديث الشريف الذى رواه أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من رآنى فى المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي). وفى رواية أبى هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من رآنى فى المنام فسيرانى فى اليقظة ولكأنما رآنى فى اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي). ففى الحديثين دلالة واضحة فى أن الشيطان لا يظهر فى صورة النبى صلى الله عليه وسلم عيانا أو مناما صونا من الله لرسله وعصمة لسيرتهم، بعد أن عصم ذواتهم ونفوسهم.، ومن فقه هذا المعنى أنه يحرم على أى إنسان أن يتقمص شخصيته ويقوم بدوره صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هذا هو الحكم والفقه فى جانب الرسول الخاتم، فإنه أيضا الحكم بالنسبة لمن سبق من الرسل، لأن القرآن الكريم جعلهم فى مرتبة واحدة من حيث التكريم والعصمة، قال سبحانه {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} البقرة 285، فإذا امتنعوا بعصمة من الله أن يتمثلهم الشيطان امتدت هذه العصمة إلى بنى الإنسان، فلا يجوز لهم أن يتمثلوهم.
وإذا كانت المصلحة فى تقريب هذه القصص تمثيلا وتصويرا للناس إلا أن المفسدة فى تجسيد أنبياء الله ورسله عظيمة والخطر منها أفدح، ولاشك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما تقضى قواعد الشريعة الغراء.
وقد ناقش مجمع البحوث الإسلامية فى مارس 1972م هذه المسألة، وقرر بالإجماع تحريم تمثيل أشخاص الأنبياء والرسل عليهم السلام، وهذا ما ذهبت إليه دار الإفتاء المصرية، وأيضا ذهب إلى ذلك المجامع والهيئات العلمية المعتبرة (كمجمع الفقه الإسلامى الدولى التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والمجمع الفقهى الإسلامى بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي).
.. القول القائل بوقوع الثلاث طلقات بمجلس واحد طلقة واحدة رجعية .. قول صحيح ثابت بالقرآن والسنة وحججه قوية.
هل يجوز الإفتاء بوقوع الطلاق ثلاثا بطلقة واحدة؟
إن مسألة وقوع الطلاق ثلاثا بلفظ واحد من المسائل التى كثر الخلاف فيها قديما, حتى اهتدت كثير من دور الفتوى والقوانين فى العالم الإسلامى إلى ترجيح المذهب الفقهى القائل بوقوعها مع اعتبارها طلقة واحدة, والعمل بذلك, تيسيرا على الناس, ورفعا للحرج عنهم, وحفاظا على مصلحة الأسرة, والأبناء, خاصة أنه مذهب قوى له أدلته الصحيحة, وترجيحاته القوية.
فهو قول أبى بكر, وعمر -صدرا من خلافته-, وعلي, وابن مسعود, وقول لابن عباس, والزبير بن العوام, وعبد الرحمن بن عوف, وكثير من التابعين, ومن بعدهم, كطاووس, وعطاء بن أبى رباح, وجابر بن زيد, وداود بن على الظاهري, وقال به بعض فقهاء المالكية, وبعض الحنابلة كابن تيمية, وابن القيم.
واستدلوا بالقرآن, والسنة: أما القرآن فأدلة كثيرة منها: قوله تعالى "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" إلى قوله تعالى "حتى تنكح زوجا غيره". ووجه الدلالة: أن الألف واللام فى قوله تعالى "الطلاق مرتان" للعهد, والمعهود هو الطلاق المفهوم من قوله تعالى "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" وهو رجعي, لقوله تعالى "وبعولتهن أحق بردهن فى ذلك".
فالمعنى: الطلاق من النوع الذى يكون للزوج فيه حق الرجعة مرتان, مرة بعد مرة, ولا فرق فى اعتبار كل مرة منهما واحدة بين أن يقول فى كل مرة: طلقتك واحدة أو ثلاثا أو ألفا, فكل منهما طلقة رجعية. وقوله تعالى "يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن", وقوله تعالى "فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف".
وجه الدلالة: أن العلماء استدلوا بها من وجوه على تحريم جمع الثلاث, ومن ثم فلا يقع منها مجموعة إلا ما كان مشروعا وهو الواحدة.
واستدلوا من السنة بأحاديث منها: ما رواه مسلم عن ابن عباس قال "كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر, وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة, فقال عمر –رضى الله عنه- إن الناس قد استعجلوا فى أمر كانت لهم فيه أناة, فلو أمضيناه عليهم, فأمضاه عليهم".
وجه الدلالة: أن عمر –رضى الله عنه- أمضى عليهم الثلاث, عقوبة لهم لما رآه من المصلحة فى زمانه, ليكفوا عما تتابعوا فيه من جمع الطلاق الثلاث, ويرجعوا إلى ما جعل الله لهم من الفسحة والأناة رحمة منه بهم، وهذا نوع من تغير الفتوى بتغير الزمان والحال، فلما تغير الزمان والحال رجع الناس إلى قول الرسول صلىالله عليه وسلم من أن الطلاق الثلاث فى مجلس واحد يقع واحدة.
واستدلوا كذلك بما رواه الإمام أحمد فى مسنده عن ابن عباس, قال "طلق ركانة بن عبد يزيد أخو بنى المطلب امرأته ثلاثا فى مجلس واحد, فحزن عليها حزنا شديدا, قال: فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثا, فقال: فى مجلس واحد؟ قال: نعم, قال: فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت, قال: فراجعها". ووجه الدلالة: هذا حديث واضح الدلالة على أن طلاق الثلاث وقع واحدة.
فثبت بما ذكرنا أن القول القائل بوقوع الثلاث طلقات بمجلس واحد طلقة واحدة رجعية, قول صحيح ثابت بالقرآن والسنة, وحججه قوية.
الأزهر الشريف فى موضوع النقاب لم يصدر عنه أمر به أو نهى عنه؛ لأنه من المسائل القابلة للاجتهاد فى الأخذ به أو عدمه.
الآراء الفقهية فى حكم النقاب
كثر الحديث فى الآونة الأخيرة حول قضية نقاب المرأة، واتسعت شقة الخلاف بين الفرقاء حولها، فذهبت طائفة إلى أقصى اليمين قائلةً بالوجوب، وذهبت الأخرى إلى أقصى اليسار قائلة بأنه بدعة وعادة جاهلية؛ بل جنحت إلى القول بأنه سبب تخلف المرأة المسلمة، فكان لزامًا على المجمع - باعتباره هيئةً من هيئات الأزهر, وهو الهيئة العليا للبحوث الإسلامية والمنوط به (بيان الرأى فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالشريعة والدين الحنيف) , وفقًا للمادة 115 من القانون 103 لسنة 1961بشأن إعادة تنظيم الأزهر وهيئاته؛ وقيامًا بواجبه نحو الدين والوطن والأمة، وبيانًا للناس حول ما تقتضيه نصوص الموضوع مجتمعةً دون إفراط أو تفريط.
فإنه يضع قبل عرض الرأى الفقهى المبادئ الآتية:-
1- رسالة الأزهر الشريف عالمية من ألف سنة ويزيد، وهى قائمة على نشر الإسلام محليًا وعالميًا بمنهج الوسطية والاعتدال؛ أخذًا من قوله تعالى " ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" الجاثية 18. مما جعله ينال احترام العالم، وثقة المسلمين.
2- منهج الفتوى فى الأزهر الشريف من خلال مجمع البحوث الإسلامية، ولجنة الفتوى الرئيسية بالجامع الأزهر الشريف، إنما تقوم على إعمال قاعدة تغير الفتوى بتغير الزمان، والمكان، والحال والأعراف، من خلال الاجتهاد الفقهى المتمثل فى تعدد الرؤي، وتباين الأفهام؛ أخذةً فى الاعتبار مصالح الناس والمجتمع.
3- الأزهر الشريف فى موضوع النقاب لم يصدر عنه أمر به، أو نهى عنه؛ لأنه من المسائل القابلة للاجتهاد فى الأخذ به، أو عدمه، فمن رأت من النساء مصلحة ً دينيةً لها فيه، فهى وما أرادت بشرط أن لا تلزم غيرها به، وأن تكشف الوجه عند اقتضاء المصلحة، وعندئذٍ من حقها ألا تُضطهد أو يُلمز بها بسببه.
4- الحلال ما أحل الله، والحرام ما حرم الله.
5- مصادر التشريع المتفق عليها – القرآن، والسنة، والإجماع -.
6- لا ينكر المختلف فيه بين الفقهاء، وإنما ينكر المجمع عليه، والمقلد لا مذهب له.
7- الخروج من الخلاف مستحب ما لم يوقع فى خلاف آخر.
عرض الآراء الفقهية فى حكم النقاب:
اختلف الفقهاء فى هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يرى أصحابه أن الوجه والكفين ليسا من العورة وبالتالى لا يجب سترهما وهو مذهب الأئمة الأربعة.
دليلهم: استدلوا بالكتاب والسنة. فمن الكتاب قوله تعالى " وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" النور 31. ووجه الدلالة من الآية: أن الوجه والكفين من الزينة المستثناة المباح إبداؤها بنص الآية الكريمة، يقول ابن عباس – رضى الله عنهما – فى تفسيره للزينة المستثناة فى الآية: " الكحل والخاتم "، ومن ضرورة إبداء الزينة إبداء موضعها فالكحل زينة الوجه والخاتم زينة الكف.
ثانيًا: السنة، منها حديث ابن عباس – رضى الله عنهما – كما فى الصحيحين، يقول ابن عباس – رضى الله عنهما – كان الفضل رديف النبى – صلالله عليه وسلم – فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبى – صلالله عليه وسلم – يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. ووجه الدلالة من الحديث أن فيه دلالة واضحة على جواز كشف المرأة لوجهها؛ لأنه لو كان من العورة؛ لأمر النبى – صلى الله عليه وسلم – هذه المرأة بستره؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإن قيل: إن هذا كان فى الحج يجاب عنه: بأنه لو كان الوجه عورة لكان ستره فى الحج أولى لشدة الاختلاط والزحام فيه، ولأنه لا يُتعبّد إلى الله بكشف العورات.
القول الثاني:
يرى أصحابه أن الوجه والكفين من العورة ويجب ستره وهو رواية عند الحنابلة.
دليهم: قوله صلالله عليه وسلم فى الحديث الذى رواه الترمذى "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان". ووجه الدلالة من الحديث: أنه لم يستثن من المرأة شيئًا؛ بل قال إنها عورة فيدخل فى نطاق العورة الوجه والكفان.
المناقشة:
نوقش هذا الدليل بعد التسليم بصحته أنه عام خصصته النصوص الأخرى التى فيها تقرير النبى – صلالله عليه وسلم – لمن كشفت وجهها فضلًا عن أنه نص فى منع خروج المرأة لغير حاجة وليس خاصًا بالنقاب. وهناك أدلة أخرى استند إليها هذا الرأى ضربنا عنها صفحًا لأنها لم تخل من المناقشة والرد، ولم تسلم لقائليها.
رأى اللجنة: بعد التحليل الفقهى والغوص فى الأدلة وتعدد الرؤى فى النقاب ترى لجنة الفتوى الرئيسية بالجامع الأزهر الشريف: أن النقاب ليس عادة، وإنما هو يقع فى دائرة المباح، وقد يرقى إلى ما فوق ذلك لمن ترى من النساء فيه مصلحةً دينيةً لها؛ كسد لذريعة، أو درء لفتنة.
أما القول: بأنه شريعة يهودية؛ فإنه قول مردود؛ لأن القرآن الكريم أخذ بشريعة التوراة فى قصاص النفس والأطراف "وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " المائدة 45.
والقول بأنه عادة جاهلية مردود؛ لأنه ليس كل عرفٍ جاهلى مذموما؛ بل إن الشريعة الإسلامية من مراعاتها لمصالح المجتمع، وتسامحها فى التشريع أقرت بعض الأعراف فى الجاهلية قبل الإسلام، وجعلتها تشريعًا يعمل به فى الإسلام كتقدير الديات فى القتل، وتعظيم الأشهر الحرم، وغير ذلك. والله أعلم.
التوضيح:
أولاً: جاء الإسلام بتشريع الخير العام والخاص فى كل ناحية، وفى كل مجال ومن ذلك: ما جاء بحفظ المرأة من التبذل، وحفظ المجتمع من التحلل، وحفظ الإنسانية من الهلاك والدمار. كما جاء الإسلام والحجاب فى كل مكان من الدنيا، فتصرف معه كما تصرف فى غيره من التقاليد والعادات بما يلائم مصلحة الإنسان والمثل العليا، فلم يجعله عنوانًا لاتهام المرأة أو عنوانًا لسيطرة الرجل، بل جعله أدبًا خلقيًّا واجب الاحترام والالتزام من الرجل والمرأة. وقد أشار القرآن إلى قضية الحجاب فى عدة مواضع منها:
قوله تعالى:} قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{[النور: 30-31].
وقوله تعالى:} يا أَيُّهَا النَّبِى قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً{[الأحزاب: 59]
فهاتان الآيتان متكاملتان حيث حددتا ما يجب أن ترتديه المرأة المسلمة بحيث يحجب جسدها كله، فلا ينكشف منه إلا ما قضت به حاجة التعامل – وهو الوجه والكفان – عملا بقوله تعالى فى سورة النور "إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا{
وحد الوجه: من منبت الشعر إلى أسفل الذقن، وما بين شحمتى الأذنين بحيث لا يظهر شيء من الشعر ولا القرط – الحلق – ولا الأذن ولا شيء من العنق، ولا يكون الثوب مظهرًا لما تحته ’ ولا ضيقا وصافا يفصل أجزاء الجسد، ولا لافتًا للنظر بلون أو تفصيل يسترعى أنظار الآخرين، ويدخل فى حكم التبرج المنهى عنه فى القرآن الكريم "وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى."
فالمطلوب من المرأة المسلمة أن تستر رأسها ورقبتها وصدرها (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) وأن يكون ثوبها ساترًا لجميع جسدها فلا يرى الغير منها إلا الوجه والكفين (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا).
وقد اختلف الفقهاء حول معنى هذه الآية على قولين: الأول: وجوب تغطية الوجه لأن بدن المرأة عورة.
الثاني: أن تغطية الوجه أدب إسلامى لا يفرض على المرأة، ولا تمنع منه؛ بل تمدح لفعله، ويكون خيرًا إذا ترجحت الفتنة وتعين درء المفسدة، وهو الذى يترجح لدينا من خلال الأدلة ومناقشة أدلة أصحاب الرأى الأول.