التراث ليس مقدسا وتنقيحه مطلوب.. لكن بضوابط وشروط
ـ الشباب .. في قلب وعين "المجمع"
قوافل دعوية بالمحافظات لتصحيح المفاهيم المغلوطة
حوار: نعمات مدحت
أكد الدكتور محيى الدين عفيفى الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية أن التراث ليس مقدسا وتنقيحه والنظر فيه بعقلية نقدية مطلوب فى الإسلام لكن هناك أصولا وأسسا وضوابط وشروطا فى عملية النقد.. وأوضح أن الشباب هم أمل الأمة ومستقبلها ويجب أن نهتم بهم وأنه من هذا المنطلق فقد اهتم المجمع بالشباب من خلال البحث عنهم فى المناطق النائية والقرى والنجوع وتدريبهم على العمل الدعوى، منوها بأن بعض الناس يتخيل أن الاسلام اشبه بقفص حديدى إن دخله الإنسان لا يستطيع الخروج منه والسبب فى هذه المغالطة هو الصورة القاتمة التى يحاول من لا يملكون الأهلية لتقديم الإسلام بها..
بداية.. كيف يمكن للمؤسسة الدينية أن تنهض بالعمل الدعوي؟
مسألة الخطاب الدينى مركبة ولا تقتصر على الأزهر فقط بل تشترك فيها مجموعة مؤسسات أخرى كالإعلام، ووزارة الشباب والرياضة، والتعليم العالى، والتربية والتعليم، والثقافة، لكن النصيب الأكبر على الأزهر، فحينما نقول تجديد الخطاب الدينى فإن المعنى الذى ينصرف إلى الذهن هو مسئولية الأزهر حول طرح قضايا معاصرة تناسب احتياجات المرحلة الراهنة، وهذه المسألة أصبحت ملحة بشكل يومى نظراً لكثرة الأحداث والتداعيات الموجودة على الساحة العالمية ومحاولات الجماعات المتطرفة والتكفيرية استخدام الدين لاستحلال قتل الأبرياء واستباحة الأموال والأعراض وغير ذلك من المسائل.
فالنهوض بالعمل الدعوى اى تجديد الخطاب الدينى يملى على جميع المعنيين بالشأن الدينى تحديث طرق النظر فى النصوص الشرعية وحينما نقول تجديد الخطاب الدينى لا نعنى بذلك الاقتراب من النص الشرعى، فالنص الشرعى شاء الله أن يكون فيه قابلية لاستيعاب احتياجات الناس لكن الأمر يتوقف على العقول البشرية لأن الله تعالى حينما أمر الإنسان فى أول آية نزلت فى القرآن "اقرأ" لم يحدد مجال القراءة ولم يحدد الكم ولم يفرض وصاية و لم يحصر العقل البشرى فى مجال معين بل أطلق له الحرية فى القراءة والفهم والإستنباط والإستيعاب والتحليل والتركيب وغير ذلك من العمليات الفكرية.
هذا فيما يتعلق بالشأن العام أو دور الإنسان لكن حينما نتحدث عن مجال الاختصاص نعلم أن المسئولية كبيرة وأننا بحاجة إلى تكييف القضايا الموجودة على الساحة والتى تحدث كل يوم فى ضوء النصوص الشرعية لأن هناك قضايا لم تتحدد والتراث لا يستوعب كافة الوقائع التى تحدث فى دنيا الناس، ونعتز بالتراث الاسلامى ويدعو الأزهر إلى الجمع بين الأصالة والمعاصرة ولا ندعو إلى قطيعة التراث ولا تكديسه ، فبعض من يعملون فى مجال الخطاب الدينى حينما تعرض له قضية يبادر الى ما كتبه العلماء السابقون وهذا شئ عظيم ومطلوب ولكن أهم من ذلك تكييف القضايا الحالية فى ضوء التداعيات بدليل أن هناك آراء وقضايا كتب فيها العلماء ثم أصبحت هذه الكتابة لا تتلاءم مع واقع الناس فى الحياة.
مرحلة أولية
نفهم من ذلك أنك تؤيد تنقية كتب التراث بحيث تواكب العصر؟
بالطبع، فالتراث ليس مقدسا ومسألة تنقيح التراث والنظر والعقلية النقدية مطلوبة فى الإسلام لكن هناك أصولا وأسسا فى عملية النقد وللنقد ضوابط وشروط. وما حدث من مراجعة مقررات المناهج الدراسية فى الأزهر يعتبر مرحلة أولية لكن ليس معنى ذلك أنها الخطوة الأخيرة بل نعتبرها أولى مسألة، والمراجعة والتجديد والتنقيح أمور ضرورية ولن تتوقف ولا نقبل أن نكون انتهينا منها، وحينما حدثت تلك التنقية استحدثت مقررات مثل الثقافة الاسلامية للمرحلة الإعدادية والثانوية والجامعية وغير ذلك من القضايا التى تطرح والأنشطة التى يقوم بها وعاظ الأزهر وجهود المجمع فى ذلك.
ولكن على مستوى المناهج الدراسية فإن المسألة مازالت مطروحة والإمام الأكبر كلف لجانا مختصة بهذا الموضوع وهناك لجان مشكلة لكن المناهج تحتاج الى تخطيط وحتى ما تمت مراجعته خاضع للنقد والنظر الآن، والاستدراك عليه من داخل المؤسسة نفسها ونحن نرحب بأى رؤية نقدية لأجل الوصول للوضع العلمى المناسب لهذه المناهج .
ما الدور الذى تقوم به المؤسسة الدينية فى معالجة فهم النص لدى تلك الجماعات المتطرفة؟
من وجهة نظرى، لابد أن تبدأ تصاعديا ، فالإهتمام بالتعليم بجميع مراحله وخاصة الإبتدائى ينبغى التركيز عليه بشكل مختلف تماما وأمور تبسيط المعلومة وطرح قضايا تتناسب مع احتياجات العصر فعلى سبيل المثال أصبحت مصدرية المعلومات بالنسبة للطفل لا تنحصر فى محيط التوجيهات من قبل الوالدين بل أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى مع الأطفال فى مرحلة ما قبل المرحلة الابتدائية أى مرحلة الحضانة اصبح الطفل يجيد الدخول على تلك المواقع فما بالك بالطفل الذى فى مرحلة الطفولة 6 او 7 سنوات فبالتالى لا يمكن أن تخاطب من لديه إمكانية التعامل مع مصادر المعلومات المفتوحة بمنطق كان مناسبا قبل ثلاثين سنة إذاً فلابد أن يحدث نوع من التكييف للمناهج وهذا ليس على مستوى الأزهر فحسب بل على مستوى التعليم العالي.
محوران أساسيان
كيف يمكن للمؤسسة الدينية التصدى للأفكار المتطرفة التى تطوع مفهوم النص بما يخدم مصالحها؟
مسألة التصدى من خلال المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر بجميع قطاعاته من الإفتاء والمجمع والأوقاف والجامعة من الجانب العملى المتمثل فى الأداء فى المساجد والقائمين بمهام الدعوة فالمسئولية ترتكز على محورين أساسيين: محور تصحيح المفاهيم المغلوطة التى تتم فى محاولة تزييف الدين من خلال تسويق هذه المفاهيم، والمحور الثاني: بيان المعالم الصحيحة، فبعض الناس يتخيل أن الإسلام أشبه بقفص حديدى إن دخله الإنسان لا يستطيع الخروج منه بسبب الصورة القاتمة التى يحاول من لا يملكون الأهلية تقديم الإسلام بها.
فالإسلام تعامل مع الانسان كإنسان له مراحل ضعف وقوة والنفس البشرية لها فترات إقبال وإدبار، قد تكون النفس فى نشاط فى العبادات وقد تعتريها السآمة والملل فى بعض الأحيان، فقد قال النبى "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق" فهذا يبين سماحة الإسلام فنحن بحاجة الى إعادة منظومة الأخلاق فهناك تردٍ فى القيم التى انعدمت مثل المسئولية والمواطنة والشهامة وغيرها فحدث الناس وانزل لهم فى الشارع ومن هذه الخطوات الخطاب باللغة البسيطة التى تناسب المواطن العادى الذى يعانى فى حياته.
حدثنا عن أبرز الخطوات التى يقوم بها المجمع فى التصدى للشبهات التى تثار من آن لآخر..
يقوم المجمع بإرسال قوافل دعوية أسبوعية تجوب محافظات الجمهورية فى المناطق النائية والمركزية والقرى والمدن، و طرح عدد من القضايا الحياتية فى دنيا الناس، ونتواصل مع مراكز الشباب والنوادى والمدارس والمعاهد ومعسكرات الأمن المركزى والقوات المسلحة والشركات وفى الأمانة العامة بالمجمع نعمل على رفع مستوى أداء الوعاظ من خلال الدورات التدريبية.
وأما على مستوى لجنة الفتوى بالجامع الأزهر فتقوم بالرد على الجمهور، كما تتم الاجابة عن الفتاوى من خلال الموقع الالكترونى للمجمع بطريقة تواكب واقع الناس.
ولدى المجمع سلسلة للرد على هذه الشبهات أو ما يتردد من أفكار تثير جدلاً فى الواقع ومقاومة الغلو والتطرف، وللأزهر أيضا مرصد يرد من خلاله على عدد من الشبهات والفتاوى التى تسوقها "داعش" وغيرها بلغات مختلفة، كما تم مراجعة المناهج الدراسية، والتحديات أكبر ولا أقول أننا فعلنا ما ينبغى عمله ولكن نحتاج إلى جهود مكثفة.
أمل الأمة
أين الشباب من "مجمع البحوث الإسلامية"؟ وماذا قدم لهم؟
نحن نؤمن بأن الشباب هم أمل الأمة ومستقبلها ويجب أن نهتم بهم فقد اهتم المجمع بالشباب من خلال البحث عنهم فى المناطق النائية والقرى والنجوع وضمهم للمجمع فى الوعظ وتدريبهم على العمل الدعوى والكفاءة هى المعيار الذى يقاس عليه الشباب وليس السن او المؤهل فهناك شباب من الوعاظ تم ابتعاثهم فى الخارج ، اما الشباب خارج المجمع فيتم مخاطبتهم من خلال لغة مبسطة وسهلة وغير تقليدية، فاللغة الموجودة والطرح الحالى ربما لا يروق لشريحة غير قليلة من الشباب فهم يحتاجون الى لغة جديدة ونوع من عدم المباشرة ، لأن التوجيه افعل ولا تفعل والحلال والحرام ربما يكون الشاب فى حالة نفسية لا تؤهله لسماعها، وعلينا بث الأمل والتفاؤل وان الانسان لابد ان يكون مؤثرا فيمن حوله.
وجهت سهام النقد للازهر بسبب عدم تكفيره لـ "داعش".. فهل تكفيره سيحل القضية؟
القضية لا تحتاج أن يكفر الأزهر "داعش" فهو ليس ممسكا بصك وإذا كان أى شخص يقتل إنسانا يستحل دمه فهو كافر على الفور، والآن المسألة واضحة للغاية فشخص يقول "لا اله الا الله" كيف نكفره؟! هل شققنا عن صدره؟ نحن لنا الظاهر والله يتولى السرائر وتكفير داعش أو غيرها لن يحل القضية.
والمنافقون كانوا يكيدون للنبى وتعامل معهم على ظاهرهم ولم يكفرهم، وإذا فتح الازهر باب التكفير فكل شخص سيكفر الآخر والمصيبة ليست فى لفظ كافر وانما المصيبة فيما يترتب عليه وهو استحلال دمه وماله وعرضه.
والمصيبة عند الدواعش أنهم يستدلون بالنص بشكل خاطئ وحينما حرقوا الطيار الأردنى قالوا ان ابا بكر احرق والرواية مكذوبة ولا يَعول عليها، ويقولون أيضاً "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وإذا كان الحاكم لا ينكر شرع الله فكيف اكفره؟!
اهتمام بالأقليات
حدثنا عن دور "المجمع" تجاه الأقليات المسلمة فى العالم؟
المجمع له اهتمامات كثيرة بالأقليات المسلمة فى العالم من خلال الخدمات التى يقدمها ومنها المنح سواء من خلال استقبال الطلاب الوافدين وتقديم الخدمات التعليمية لهم بالتنسيق مع قطاع المعاهد الأزهرية والجامعة أو من خلال مبعوثى الأزهر الذين يسافرون إلى مختلف دول العالم ومنها بلدان الأقليات الإسلامية لتوعيتهم وإرشادهم وتصحيح صورة الإسلام، والآن نحن بصدد إصدار معلومات أو بعض البيانات عن الأقليات المسلمة فى العالم وذلك لأجل تسليط الأضواء وزيادة الإهتمام بتلك الأقليات المهضومة التى تعانى الإضطهاد والتهميش السياسى أو الحرمان من الخدمات الإجتماعية أو التعليمية، والأزهر لا يدخر وسعا فى تقديم المنح الدراسية لمسلمى العالم خاصة الأقليات المسلمة المنتشرة فى القارات.
ماذا عن المرصد الالكترونى الخاص بالمجمع؟
المرصد أحد أجنحة لجنة الفتوى الرئيسية بالجامع الأزهر واذا كانت اللجنة تعمل على الإستقبال المباشر للسائلين أو المترددين عليها من خلال طرح اسئلتهم والحاجة إلى فتوى للاجابة عن هذه الأسئلة، فإن المرصد يقوم بتلقى الأسئلة على البريد الإلكترونى وإحالتها إلى اللجنة المشكلة من أساتذة الفقة والفقة المقارن وأصول الفقة ووعاظ الأزهر الشريف ويجيب عنها مع مراعاة تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان ومهم ان المتخصص بالفتوى قبل أن يجيب يعرف من اين جاء هذا السؤال لأن احتياجات الناس وظروفهم لها تأثير مباشر على الفتوى .
وقد نالت خدمة الفتاوى الإلكترونية إقبالا من الناس فى مختلف دول العالم وذلك بسبب الإجابة الوافية على هذه الفتاوى وسرعة الإجابة عليها، ويستفيد المجمع من الفتاوى فى رصد المشكلات المجتمعية التى تشغل اهتمامات الناس.