| 19 أبريل 2024 م

صناعة الرعب عند تتار العصر

  • | الثلاثاء, 26 يناير, 2016
صناعة الرعب عند تتار العصر

‏.. وبالنظر إلى هذه التهديدات في مجملها نجد أنها تعتمد على استخدام فيديوهات ‏ذات طابع هوليودي، حيث المؤثرات البصرية والأصوات الخلفية التي تبعث الرهبة، مع ‏عبارات تهديدية ومشاهد ذبح ودماء متناثرة.‏

صناعة الرعب عند تتار العصر
اقتضت سنة الله في الأرض أن يظل الخير والشر في صراع مستمر وأن يتدافع الحق ‏والباطل إلى قيام الساعة. وقد انتابت العالم حالة من الخوف بعد وصول يد الغدر ‏والإرهاب باسم الإسلام إلى قلب عاصمة أوروبية لإحدى أقوى دول العالم عسكريا ‏وأمنيا، حيث أطلق داعش العديد من التهديدات بعد حادث باريس الإرهابي، والذي ‏أودى بحياة نحو 130 مواطنا مسالما غير المصابين دون تمييز بين مسلم أو غير ‏مسلم؛ ما جعل العالم يأخذ تهديدات هذا التنظيم الوحشي على محمل الجد. وكان من ‏أبرز هذه التهديدات ذلك الفيديو الذي بثه التنظيم عقب هجمات باريس يهدد من خلاله ‏ستين دولة من المنضمين للتحالف الدولي ضدها، من بينها أمريكا وروسيا، وكذلك ‏بعض الدول العربية. مهددا بهجمات قريبة إذا لم يتوقفوا عن دعم أمريكا في هجومها ‏على أراضي "دولته" المزعومة كذلك جاء في تسجيل صوتي لأحد أتباع الجماعة ‏يناشد أذناب داعش: "إذا كان بإمكانكم قتل كافر أمريكي أو أوروبي وبخاصة قتل ‏كافر فرنسي مقيت، أو أسترالي أو كندي أو أي كافر ممن يشنون الحرب علينا فتوكلوا ‏على الله واقتلوهم بأية طريقة".‏
لقد تحولت تهديدات التنظيم الإرهابي من مجرد عبارات رنانة غير قابلة للتصديق، من ‏نحو "لن تهنأ أمريكا"، و"سنفتح أوروبا" إلى تهديدات حقيقية بتنفيذ عمليات فردية يقوم ‏بها أفراد يعيشون في نفس الدولة التي يقع عليها التهديد، وهي ظاهرة جديدة أطلق ‏عليها اسم "الذئاب المنفردة"، حيث دأبت الجماعة على دعوة أتباعها الموجودين بهذه ‏الدول إلى قتل من استطاعوا من السكان، وذلك بما توفر لديهم من الأسلحة، حتى وإن ‏كانت "سكين مطبخ" وقد نفذ أحداث باريس الأخيرة بالفعل متطرفون ممن يعيشون في ‏فرنسا ويتبنون فكر تنظيم داعش.‏
ومثلما نفذ التنظيم تهديده لفرنسا، طالت يده الولايات المتحدة الأمريكية بعدما هدد ‏التنظيم الإرهابي بأنها ستكون محل الهجمات التالية بعد فرنسا وأنهم سيستهدفون جميع ‏دول التحالف ضد الإرهاب حيث وقع حادث إرهابي في كاليفورنيا وأسفر عن مقتل ‏أربعة عشر شخصا.‏
هناك تهديدات كثيرة لم تتحقق بعد، ربما تكون قيد التنفيذ وربما تدخل فقط ضمن ‏الحرب النفسية للتنظيم لتسهم في رسم الصورة التي يسعى من خلالها لإظهار قدرته ‏على الوصول لجميع أنحاء العالم واكتساب صيت أو نفوذ عالمي. فقد طالت تهديداته ‏بلادا عظمى كروسيا التي هددها بتنفيذ هجمات في القريب العاجل وتحويلها إلى ‏محيط من الدماء في فيديو باللغة الروسية، وبريطانيا التي يهددها عودة 60% إليها ‏ممن انضموا إلى صفوف داعش. وإيطاليا التي هددها برسالته "سنفتح روما، ونكسر ‏صلبانكم، ونسبى نساءكم".‏
كذلك بث فيديو مترجما إلى الإسبانية، كما كان هناك عدة تهديدات تحدث فيها عن ‏دولته التي ستمتد حتى الأندلس. هدد التنظيم الإرهابي أيضا بهجمات في ألمانيا ‏والنمسا، وكذا كندا وأستراليا وبلجيكا حتى يتوقفوا عن قصف المسلمين، وأرسل رسائل ‏تهديد على هواتف بعض المواطنين في السويد يخيرهم بين "اعتناق‎ ‎الإسلام‎ ‎أو دفع ‏الجزية أو قطع الرأس". كذلك امتدت تهديداته إلى الهند ودول أسيوية أخرى، وأصدر ‏فيديو باللغة الأردية يتعهد فيه بتوسيع حربه على الهند، واعتزامه التوسع خارج حدود ‏سوريا والعراق ليشمل الهند وباكستان وبنغلاديش وأفغانستان وعدة بلدان أخرى. أما عن ‏الصين فقد نشر تنظيم داعش مؤخرا أغنية باللغة الماندرينية الصينية يحث فيها ‏المسلمين على حمل السلاح ضد أعدائهم والقتال هناك.‏
ومن الواضح أن هذا التنظيم من الذكاء بمكان حتى إن تهديداته تصل لدول كبرى تتهم ‏بالتورط في صناعة هذا الكيان الوحشي كما أنه يدفع عن نفسه الاتهام بأنه لا يعادي ‏الكيان الصهيوني الذي يعد العدو الأول للمسلمين، ففي تسجيل صوتي منذ بضعة أيام ‏هدد بشن هجمات على إسرائيل مؤكدا: "لم ننس فلسطين كما يظن الإسرائيليون ولو ‏للحظة واحدة" بالإضافة إلى فيديو تهديد نشر من قبل بالعبرية.‏
ولم تقتصر تهديدات هذا التنظيم المتطرف عند الدول بل امتدت إلى شخصيات ‏بعينها، كان أبرزها باراك أوباما الذي هدد التنظيم باغتياله، والمستشارة الألمانية أنجيلا ‏ميركل ورئيس الحكومة الإسباني فضلا عن تهديداته لرئيستي الأرجنتين وشيلي ‏وتهديداته الصريحة لبابا الفاتيكان بالقتل؛ ووزير العدل الإيطالي الذي أرسل له التنظيم ‏رسالة تهديد مرفقا بها رصاصتين. ‏
أما عن ردود الفعل حول هذه التهديدات، فقد اختلفت من دولة لأخرى، فبينما لم تبد ‏بعض الدول أي تصريحات حول الأمر، أعلن البعض تصريحاته، مثل الرئيس ‏الأمريكي الذي صرح بأن الولايات المتحدة لن تترك كائنا من كان ليرهب مواطنيها، ‏فيما أكدت بريطانيا أن قوات الأمن بها تعمل بأعلى كفاءة لها، والمكسيك التي جاءت ‏ردود الفعل بها ما بين إعلان الحكومة على وجل أنها تعتبر هذه التهديدات جدية، ‏وبين سخرية المواطنين، وكذلك تناولت رئيسة الأرجنتين الأمر بالسخرية. فيما أعلنت ‏دول أخرى اتخاذها احتياطات إضافية ورفع حالة التأهب كأستراليا، وبلجيكا وإيطاليا؛ ‏وأكدت الحكومة الكندية على مواصلة العمل مع حلفائها لدرء خطر داعش.‏
وبالنظر إلى هذه التهديدات في مجملها نجد أنها تعتمد على استخدام فيديوهات ذات ‏طابع هوليودي، حيث المؤثرات البصرية والأصوات الخلفية التي تبعث الرهبة، مع ‏عبارات تهديدية ومشاهد ذبح ودماء متناثرة.‏
كما أن تعمد داعش استخدام نفس لغة الدولة –في أغلب الحالات- وبلسان من ‏يتحدثونها بطلاقة تدل على أنها لغتهم الأم -مستغلا وجود أتباع له من 86 دولة ‏حول العالم- يعكس رغبته في التأثير على الشباب في تلك الدول، إضافة إلى بث ‏الرعب في نفوس الشعوب من خلال التأكيد على أن لديه أتباعا من مختلف دول ‏العالم. ‏
وربما لا نجد لفكر داعش المنحرف الذي يتفنن في صناعة الرعب مثيلا في تاريخ ‏البشرية كلها سوى في رسائل التتار. فرسائل داعش ليست سوى استنساخ لرسالة زعيم ‏التتار هولاكو لمظفر الدين قطز، والتي جاء فيها: (إنا نحن جند الله في أرضه .... ‏فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم. قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، ‏فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن شكر، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا ‏الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد .... وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، ‏فالحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع). ‏
إن هذا التنظيم الإرهابي قد طغى وأفسد في الأرض ولم يعد هناك بد من تضافر ‏الجهود الدولية لتخليص العالم من شره. ولا ينبغي أن نغفل أن القضاء على كيان ‏وحشي كتنظيم داعش لا يعني أن ينعم العالم بالأمن والسلم، فلم يكد العالم يطمئن إلى ‏انكسار تنظيم القاعدة حتى استيقظ على خطر جديد يُدعى "داعش" بل ربما ظهر غيره ‏من التنظيمات الأشد تطرفا.. إن الحماية الحقيقية تكمن في إعداد جيل من شباب ‏المستقبل على درجة من الوعي والحكمة يستطيع أن يتفهم معاني الخير والحق التي ‏تتبناها كل الأديان ولو كانت غير سماوية، وأن يدرك الجميع جيدا أن كل قتل أو ‏عنف باسم أي دين ما هو إلا ستار لتحقيق مصالح أخرى؛ فاستئصال الفكر المتطرف ‏أبقى من الاكتفاء باستئصال جماعة متطرفة.‏
إن لغة التهديد التي نراها في رسائل داعش للدول والقادة والمواطنين الآمنين والتي ‏تهدف إلى بث الرعب في نفوس البشر غير معروفة في تاريخ الحضارة الإسلامية، ‏التي ما أرسل معلمها وهاديها إلا رحمة للعالمين؛ والذي عندما أساء أحد اليهود الأدب ‏في حديثه معه، فعنفه عمر بن الخطاب وهدده. ابتسم النبي صلى الله عليه وسلم في ‏سكون وتؤدة، ثم قال: (يا عمر! أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك؛ أن تأمرني ‏بحسن الأداء، وتأمره بحسن الطلب، اذهب يا عمر! فأعطه حقه، وزده عشرين صاعاً ‏جزاء ما روعته). ليعلمنا أن الإسلام لا يقبل بتخويف المواطنين الآمنين على اختلاف ‏دينهم. ‏
‏بل إن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم شدد على إنكار التهديد بالسلاح ولو بالمزاح، ‏حيث قال (من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي) وكيف لا ‏والإسلام يدعو إلى التعايش السلمي؛ دين يعظم قدر الأمن ويعتبره أحد مقومات الحياة ‏الرئيسة، حيث يقول المصطفى:‏‎) ‎من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، ‏عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها)، دين يوجب العدل مع المسلمين ومع ‏غير المسلمين، حتى لو لم يكونوا معاهدين أو مستأمنين أو أهل ذمة، يقول تعالى: (يَا ‏أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ‏اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى). ‏
‏* وحدة رصد اللغة الإسبانية
طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg