| 19 أبريل 2024 م

‏"قانون التجديف".. هل يمنع الإساءة للإسلام ورسوله ؟

  • | الثلاثاء, 26 يناير, 2016
‏"قانون التجديف".. هل يمنع الإساءة للإسلام ورسوله ؟
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل "كمليش تيواري" بهذا الجنون ‏الذي يدفعه لمهاجمة شخص الرسول صلى الله عليه وسلم بكل هذه ‏الجرأة، وبهذه الألفاظ الوقحة في هذا الوقت الذي تعيش فيه الهند على ‏صفيح ساخن؟! ‏
‏"قانون التجديف".. هل يمنع الإساءة للإسلام ورسوله ؟

‎"‎العديد من أعضاء حزب آر ايس ايس لم يتزوجوا لأنهم مثليو ‏الجنس"... تصريح ورد على لسان "أعظم خان" وزير ولاية ‏‏"أتربرديش الهندية" للتنمية الحضرية ردًا منه على مطالبة أحد أعضاء ‏حزب "آر ايس ايس" الهندوسي الحكومة الهندية بالاعتراف بحقوق ‏المثليين في الهند... أثار التصريح عاصفة من اللهب لم تكو بنيرانها ‏‏"أعظم خان" بل تجاوزته لتمس خير خلق الله "محمد" صلى الله عليه ‏وسلم. تلاسن لا يسمن ولا يغني من جوع، وحرب كلامية بسبب ‏خلافات سياسية تسببت في التعدي بالقول على خاتم الأنبياء والمرسلين‎. ‎
بعد أن أدلى "أعظم خان" بدلوه فيما يخص مثلية أعضاء حزب "آر ‏ايس ايس" الهندوسي خرج علينا "كمليش تيواري" العضو بحزب ‏‏"هندو مها سبها" ليرد نيابة عن أعضاء حزب "أر ايس ايس" - الذي لا ‏ينتمي لهم - وينتقم لهم من أعظم خان. لم يتطاول "كمليش تيواري" ‏على "أعظم خان" صاحب التصريح الشهير، لكنه وجه سهامه ‏المسمومة لرسول المسلمين حتى يكون الانتقام مضاعفا، حيث قال في ‏بيانه الوقح بأن "محمد" هو أول مثلي في العالم– حاشاه صلى الله عليه ‏وسلم‎ - ‎
‎ ‎
أثارت تصريحات "تيواري" عاصفة غضب لدى المسلمين في الهند، ‏وخرجوا بسببها في مظاهرات عارمة في مختلف المدن والأقاليم الهندية ‏للتنديد بـ"تيواري" وحزبه، مطالبين السلطات الهندية باتخاذ الإجراءات ‏القانونية اللازمة والسريعة لمعاقبة "تيواري" على كلامه في حق خاتم ‏الأنبياء. ففي ساحة المسجد الجامع بـمدينة "لودهيانا"، وفي مدينة ‏‏"لكهنو" الجنوبية، وفي العاصمة الهندية "دهلي" احتشد الآلاف من ‏المسلمين الغاضبين في الساحات، وقاموا خلال مظاهراتهم بحرق ‏مجسمات وصور لـ"كمليش تيواري"، ورفعوا لافتات كتب عليها ‏‏"رسولنا الكريم خط أحمر"، و"الإرهاب هو التطاول على رسول ‏الإسلام".وأوضحوا خلال تظاهراتهم هذه أن المسلم من الممكن أن ‏يتغاضى عن أي إساءة شخصية قد يتعرض لها، لكنه لن يسمح ولن ‏يقبل المساس بشخص رسوله الكريم "محمد" صلى الله عليه وآله وصحبه ‏وسلم. كما طالبوا السلطات بحل جميع الأحزاب المتطرفة وعلى رأسها ‏حزب "هندو مها سبها"، وتطبيق أقصى العقوبات القانونية على ‏‏"كمليش تيواري" حتى لا يتجرأ أحد بعده على الإقدام على مثل هذه ‏الفعلة الشنيعة، وهو المطلب الذي أيده مولانا "حبيب الرحمن لدهيانوي" ‏إمام المسجد الجامع، وأضاف أنه إذا لم تُقدم الحكومة على معاقبة هذا ‏الشخص المتطاول بالإعدام فسوف نقوم بالتعامل معه بأنفسنا؛ فرسولنا ‏الكريم أحب إلينا من أنفسنا‎.‎
من جانبه فقد أعرب "سيد شاه فضل الرحمان واعظي ندوي" إمام ‏مسجد "تيلى والي" بلكهنو عن استيائه الشديد مما تلفظ به رئيس حزب ‏‏"هندو مها سبها" وطالب بدوره السلطات بتطبيق أقصى العقوبات ‏القانونية على "تيواري". وأضاف أن مسلمى الهند ليسوا بأعداء لها. ‏كما طالب المسلمين في الهند بالتوحد لمواجهة هذه الهجمة الشرسة التي ‏تعرض لها الرسول "محمد" صلى الله عليه وسلم، ودعاهم للخروج في ‏مظاهرات عاجلة لنصرة رسولهم الكريم‎. ‎
كذلك فقد عبّر الإمام "سيد أحمد بخاري" إمام المسجد الجامع بدهلي عن ‏حيرته الشديدة من الصمت الرهيب من قبل الحكومة على ما تعرض له ‏رسول المسلمين من إهانة، كما أعرب عن دهشته من رد فعل "كمليش ‏تيواري" الذي هاجم الرسول صلى الله عليه وسلم بأبشع الألفاظ بدلاً من ‏مهاجمة النائب والبرلماني المسلم "أعظم خان‎."‎
أما "أنور الحق" إمام المسجد الجامع وسكرتير عام جمعية شباب ‏الإسلام بولاية "أتربرديش" الهندية فقد أوضح أن رابطة علماء ‏‏"بجنور" قد قررت رصد مكافأة مالية كبيرة تزيد عن الخمس ملايين ‏روبية لمن يأتي برأس "تيواري" في حال ما إذا لم يُعاقب بالقانون‎.‎
‎ ‎
كذلك فقد أغلقت جميع المدارس والجامعات والأسواق في مدينة ‏‏"رامبور"، وصرح الشيخ "محمد ناصر خان" أن البعض سواء في الهند ‏أو غيرها من البلدان الأخرى يتآمرون لتشويه صورة الإسلام. وأضاف ‏أن رسول الإسلام هو رسول آخر الزمان الذي فتح مكة دون سفك ‏الدماء... الرسول الذي عفى عن كل أعدائه. كما طالب بسن قانون ‏لتجريم كل من يتطاول على الأديان وكتبها المقدسة ورموزها الدينية ‏واعتبارهم خونة للبلاد‎.‎
هذا وقد قامت السلطات الهندية باعتقال "كمليش تيواري" بتهمة تكدير ‏الصفو العام، كما قام حزب "آر ايس ايس" بإنكار انتماء "كمليش ‏تيواري" له، واعتبر أنها لعبة من حزب "بهارتيا جانتا"، وحزب" آر ‏ايس ايس" لتشويه صورة الحزب الذي لم يعتد في يوم بالقول على أي ‏دين من الأديان، ولم يحاول خلق توترات من أي نوع لتعكير الأمن ‏والسلام الوطني في البلاد‎.‎
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل "كمليش تيواري" بهذا الجنون ‏الذي يدفعه لمهاجمة شخص الرسول صلى الله عليه وسلم بكل هذه ‏الجرأة، وبهذه الألفاظ الوقحة في هذا الوقت الذي تعيش فيه الهند على ‏صفيح ساخن؟! هل هذا الزعيم يأمن العقوبة للدرجة التي تجعله يدلي ‏بمثل هذه التصريحات المقززة؟! أم أن الأمر مخطط له جيدًا من أجل ‏إدخال البلاد في بحر العنف والطائفية من أجل أهداف سياسية ‏هندوسية؟‎!‎
جدير بالذكر أن مسلمى الهند قد خرجوا منذ فترة وقبل هذه الحادثة ‏مباشرةً في مظاهرات للتنديد بما اعتبروه تجديفًا في حق المسلمين، ‏وطالبوا السلطات الهندية بسن قانون التجديف لردع كل من يحاول ‏الإساءة للدين الإسلامي ولرموزه ولتعاليمه، وذلك بعد كاريكاتير ومقالة ‏نشرتهما إحدى الصحف الهندية اعتبروهما يتضمنان معنى التجديف‎.‎
هذه الأحداث تضعنا أمام مصطلح جديد ربما لم نسمعنه من قبل... ‏مصطلح مشهور في بلاد شبه القارة الهندية... وله قانون في باكستان ‏ينفذ ويطبق، بينما يطالب به مسلمو الهند من أجل حماية دينهم من ‏المتربصين والمعتدين... مصطلح يُعرف بـ"التجديف"... فما هو ‏التجديف؟‎!‎
التجديف بالإنجليزية هو‎ (Blasphemy) ‎أي: الإساءة للأديان ‏ولرموزها ولشخصياتها الدينية المقدسة بالسب أو الطعن أو التهجم، أو ‏الانتقاد، أو عدم إظهار التقدير والاحترام. أي أن التجديف يقابله عالميًا ‏مصطلح ازدراء الأديان. عقوبة التجديف في الديانات الإبراهيمية – ‏الديانات السماوية – شديدة ورادعة قد تصل في بعض الأديان للإعدام‎.‎
أثار هذا القانون الذي سُن في عهد الرئيس الراحل ضياء الحق جدلاً ‏كبيرًا في باكستان، فالمسيحيون والهندوس والقاديانيون وغيرهم من ‏الأقليات يرفضونه ويخشونه ويطالبون الحكومة بإلغائه لأنه - بشكله ‏الحالي– يشكل خطرًا عليهم. يحاكم طبقًا لبنوده كل من يتطاول على الله ‏عز وجل، أو يسب النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم، أو يُهين ‏المصحف الشريف أو يتعرض لثوابت الدين الإسلامي. أما الإسلاميون ‏فيتمسكون به، ويعتبرونه السوط القادر على ردع كل من تسول له نفسه ‏إهانة الذات العليا والرسول، أو التعرض لكتابه الشريف‎.‎
ويمكننا القول بأنه على المستوى الشعبي يحظى هذا القانون بمكانة ‏رفيعة بين المسلمين الباكستانيين بشكلٍ عام، لدرجة أنه لو قام أي ‏مسئول حكومي بمجرد التلميح بإلغائه أو تعديله فإنه بذلك يجعل من ‏نفسه هدفًا لمن يرغبون في الاستشهاد، إذ لا محالة سينبري أحدُهم ‏لقتله‎.‎
وفي هذا الصدد خرجت إحدى الجماعات الإسلامية في "كراتشي" ‏بمظاهرة احتجاجًا على قرار المحكمة بإعدام "ممتاز قادري"، المتهم ‏بقتل حاكم ولاية "البنجاب" عام 2011م؛ وذلك لأن هذا الحاكم قد أيد ‏‏"آسيا بيبي" المسيحية الصادر ضدها حكم بالإعدام بتهمة التجديف، ‏وسعيه الدائم لتعديل هذا القانون. كما حُرق مصنع في باكستان بعد اتهام ‏أحد موظفيه بتدنيس القرآن. أيضًا قامت الشرطة باعتقال "قمر أحمد ‏طاهر" المنتمي للطائفة الأحمدية بتهمة التجديف. كما خرجت مظاهرات ‏حاشدة أعقبها إضراب عام بسبب مشروع قرار تم تصعيده للبرلمان ‏يهدف لإلغاء عقوبة الإعدام لمن يتهم بالتجديف‎.‎
أما في الهند فكما ذُكر سابقًا يحاول مسلموها جاهدين العمل على إيجاد ‏مثل هذا القانون من أجل حمايتهم وحماية دينهم من كل أنواع الإيذاء ‏اللفظي والبدني الذي يتم على أيدي المتطرفين‎. ‎
ويبقى السؤال الأهم: هل وجود مثل هذا القانون من شأنه أن يحمي ‏الأديان من أي إساءة قد تتعرض لها؟! أم أنه مجرد غطاء يتستر به كل ‏متشدد لتصفية معارضيه، وإشاعة العنصرية والنزاع الطائفي في البلاد ‏بحجة حماية الأديان؟! وهل الأديان بهذا الوهن الذي يتطلب وجود قانون ‏يقف كالسد المنيع ضد المحاولات المهددة لبقائها؟! وهل كل من يحاكم ‏بهذا القانون متهم؟! أم يُبتلى به بعض المظلومين كما حدث مع المواطن ‏الباكستاني المسيحي والذي اتهمه جاره بتأييده لسلمان رشدي – الكاتب ‏الهندي – وبناء على هذا الاتهام حكم عليه بالاعدام، وتبين قبل تنفيذ ‏الحكم أن جاره قد استغل القانون من أجل الاستيلاء على ممتلكاته ‏وأراضيه‎!‎
طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg